Close Menu
العرب ميدياالعرب ميديا

    اشترك في الإشعارات

    انضم الى قائمة الإشعارات البريدية ليصلك كل جديد مباشرة الى بريدك الإلكتروني

    رائج الآن

    شكوى قضائية ضد نعيم قاسم.. بعد اتهامات بإثارة الفتنة

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:45 م

    بعد نصر النصر.. رونالدو يعلق بـ”ليتس غو”

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:41 م

    سبب غامض وراء سير بوتين “بذراع واحدة” خلال لقائه ترامب

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:37 م
    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام
    العرب ميدياالعرب ميديا
    • الرئيسية
    • اخر الاخبار
    • سياسة
    • اقتصاد
    • تكنولوجيا
    • رياضة
    • صحة
    • المزيد
      • فنون
      • سياحة وسفر
      • موضة وجمال
      • منوعات
    فيديو
    العرب ميدياالعرب ميديا
    الرئيسية»سياسة»ماذا تعرف عن الرجل الذي آمن على يديه الآلاف وألحد بسببه الآلاف؟
    سياسة

    ماذا تعرف عن الرجل الذي آمن على يديه الآلاف وألحد بسببه الآلاف؟

    فريق التحريرفريق التحريرالثلاثاء 19 أغسطس 3:49 م
    فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام بينتيريست البريد الإلكتروني لينكدإن رديت

    في منتصف الثمانينيات، وفي ولاية لويزيانا في قلب الولايات المتحدة، كان جيمي سواغارت، الواعظ البروتستانتي يخاطب الملايين، ويدير إمبراطورية تبشيرية تجلب له 140 مليون دولار سنويا!

    كان سواغارت يظهر على الشاشات، يغني ويصرخ، يبكي ويئن، وأمامه آلاف المستمعين الخاشعين الذين يكررون حركاته، ويتمايلون على صوته، ويبكون تأثُّرا بأهازيجه، إلى حد أن الكثيرين منهم لم تكن أقدامهم تستطيع حملهم، ليسقطوا أمامه في انهيار وهم يذكرون اسم الرب.

    في منتصف الثمانينيات، كان سواغارت يهاجم المسلمين، والكاثوليك، واليهود، ويهاجم حتى زملاءه من القساوسة البروتستانت التلفزيونيين مُتهِّما بعضهم بالفجور. كانت كلمته كالسيف، يُصدِّقه كثيرون، وكان أتباعه يتضاعفون، فلم يكن قسًّا عاديا، بل كان مؤديا يدّعي طرد الشياطين أمام الكاميرا، وصانع محتوى قبل أن تكون صناعة المحتوى حرفة تُمتهن.

    لكن طارد الشياطين سرعان ما أصبح واحدا منهم. فبعد عامين فقط، هوى جيمي سواغارت من عليائه، ومعه هوت قلوب الملايين ممن اتبعوه على الإيمان، إذ نُشرت صورة لسواغارت يدخل فندقا رخيصا على الطريق السريع في ولاية نيو أورلينز الأميركية بصحبة بائعة هوى.

    ظهر سواغارت على التلفزيون الوطني راكعا، صوته يرتجف، باكيا، يخاطب زوجته تارة، ويرفع رأسه إلى السماء تارة أخرى: “لقد أخطأت”، أمام جمهور مذهول لم يكن يريد أن يصدق. سيصبح هذا الاعتراف أكثر خطبه شهرة، متجاوزا بكثير صرخاته التي يُشهرها في وجه الشيطان “إنك مهزوم مهزوم”، أو مناظريه من أتباع الطوائف والديانات الأخرى، وهي الصرخات التي صنعت له مكانته في كل بيت أميركي وفي بيوت أتباعه في 148 دولة حول العالم.

    جيمي سواغارت مخاطبًا عشرات الآلاف من أتباعه في دولة السلفادور بأميركا الجنوبية عام 1987 (غيتي)

    أشعل اعتراف سواغارت بارتكابه الخطيئة أزمة لم تطله وحده، بل أصابت جيلا كاملا من المؤمنين به. فبالنسبة لبعضهم، كان اعترافه الباكي درسا في أنه لا عصمة لأحد. وبالنسبة لآخرين، كان القشة الأخيرة التي قصمت ظهر دينهم: كان رمزا للنفاق، وخيانة للثقة، وإيذانا بانسحابهم من الكنيسة إلى الأبد.

    لكن سواغارت لم يستسلم للسقوط، فعاد إلى الشاشات، وأعاد بناء إمبراطوريته، واستمر في الوعظ. ومثلما تحولت خطبه ومناظراته وأسلوبه إلى ظاهرة تتجلى الآن في القومية المسيحية التي جلبت الرئيس دونالد ترامب إلى السلطة، تحول أسلوب اعتذاره واعترافه كذلك إلى محتوى يحتذي به السياسيون والمشاهير عندما يُفتضحون أمام العامة، مثلما اعترف الرئيس الأميركي بيل كلينتون بعد ذلك بعشر سنوات أمام التلفاز في أداء أشبه ما يكون بأداء سواغارت.

    هذه قصة الرجل الذي جمع بين النقائض، بشّر ونفّر، وأعطى للعالم صورة عما يمكن أن تكون عليه قوة الإيمان بشخص يعظ خلف الشاشات، كما أعطى سقوطه صورة عن هشاشة هذا الإيمان عندما يرتبط الخلاص بالأداء المسرحي خلف الشاشات نفسها.

    نشأة الواعظ التلفزيوني

    قبل أن يصبح جيمي سواغارت رمزا للمبالغة، كان طفلا حافي القدمين في بلدة فيرّيدي بولاية لويزيانا. وُلد عام 1935 في أسرة فقيرة، كان أبوه صيادا للأسماك، وأحيانا حابلا يصيد الحيوانات البرية لأجل بيع فرائها، وفي بعض الأوقات كان يهرّب البضائع ليبيعها بلا تصريح.

    وُلد سواغارت عام 1935، وادّعى منذ صغره أنه تلقى دعوة إلهية للخدمة، وكانت والدته تؤكد أنه سيصبح واعظا في المستقبل، وهي النبوءة التي تحققت بالفعل. بدأ سواغارت حياته واعظا جوّالا، يجوب أرياف لويزيانا برفقة زوجته فرانسيس وإنجيل مستعار.

    لم يكن سواغارت قد تلقى تعليما لاهوتيا ولا حمل شهادات كنسية، لكنه كان يملك صوتا وموهبة في تحويل نصوص الإنجيل إلى دراما حية. في الستينيات، بدأ يبث عِظاته المحلية عبر الراديو. وبحلول السبعينيات، انتقل إلى التلفاز، مستغلا -في وقت مبكر-موجة جديدة من الوعظ تُعرف باسم “التبشير التلفزيوني” (Televangelism).

    سرعان ما أصبح هذا المصطلح مرادفا لأسلوب سواغارت، وخلال عقد ونيف، تحول برنامجه “Jimmy Swaggart Telecast” من بث متواضع إلى إمبراطورية عالمية. فبحلول عام 1984، كانت برامجه تُعرض في أكثر من 140 دولة، وتُترجم إلى عشرات اللغات.

    ويُقال إنه كان يجني أكثر من 500 ألف دولار يوميا من التبرعات، ودورات دراسة الإنجيل، وألبومات الموسيقى. وكان يوظف آلاف الأشخاص، وبنى مجمعا ضخما عُرف باسم “مركز العبادة العائلية”، كان في جزء منه كنيسة، واستوديو، وشركة إنتاج.

    بحركاته وآدائه وكاريزميته، كان جيمي سواغارت يكسب نصف مليون دولار يوميًا في منتصف الثمانينات
    بحركاته وأدائه وكاريزميته، كان جيمي سواغارت يكسب نصف مليون دولار يوميًا في منتصف الثمانينات (أسوشيتد برس)

    وفي وقت كان فيه الرئيس الأميركي رونالد ريغان يستدعي الدين في السياسة، ويضع نفسه في المركب ذاته مع سواغارت، في إعادة صياغة القيم الأميركية باعتبارها قيما مسيحية. كان الأمر متفقا مع ما يطرحه القس التلفزيوني، لكن سواغارت كان متفوقا على ريغان وكل ماكينة السياسة، إذ ابتعد عن الأيديولوجيا ليحوّل البرنامج السياسي إلى تجربة فردية عميقة تمسّ أتباعه وغيرهم، وليمتد أثره لعقود بعد ريغان.

    لكن وراء الكاميرات كانت التناقضات تتكاثر. فقد كان مهووسا بالوعظ ضد “الخطيئة الجنسية”، وكان يهاجم الإباحية والزنا بطريقة غير معتادة، وغرق في صراعات على النفوذ مع زملائه من القساوسة البروتستانت، الذين وصفهم بأشنع الألفاظ، التي -في ضوء ما ظهر من حياته- قد تكون إسقاطا نفسيا أكثر منها اتهاما.

    وفي عام 1986، اتهم سواغارت زميلا له يُدعى مارفن جورمان بالانخراط في علاقات محرمة وبالفسق والفجور. أنكر جورمان هذه الاتهامات وقرر الانتقام على طريقته، فتعقب سواغارت بعد أن وظّف متحريا خاصا ليتمكن من كشف علاقة غير شرعية لسواغارت، الأمر الذي انكشف أمام حشد من محبي النجم في أكتوبر/تشرين الأول عام 1987.

    الاعتراف الذي لم يكن

    في فبراير/شباط عام 1988، وأمام أكثر من ثمانية آلاف من أتباعه، وقف سواغارت باكيا ومعترفا بـ”خطاياه” على الهواء مباشرة، ليحصد تصفيقا حارا ووقفات احترام متكررة من جمهوره، مؤكدا ندمه عما حدث وعودته لزوجته. وُصفت خطبة سواغارت تلك بأنها من أكثر الخطب درامية في تاريخ التلفزيون الأميركي.

    كان لمشهد الاعتراف العلني وقع السحر على المشاهدين الذين بكوا وتعاطفوا معه بعد أن جثا على ركبتيه، فتبعوه وبدأوا التكلم بألسنة، وهي إحدى علامات ما يسمى بحلول الروح القدس عند الكنائس الخمسينية التي انتمى إليها سواغارت.

    ورغم كل الدموع، لم يصرّح سواغارت بأي تفاصيل دقيقة حول “خطيئته”، وهو ما يُعد جوهرا تقليديا في ثقافة الاعتراف المسيحي. ومع ذلك، صُنِّفت هذه الخُطبة من قِبل الكنيسة والإعلام بوصفها “اعترافا”، رغم غياب محتواها الجوهري.

    لحظات الاعتراف تلك، كما يصفها كتاب “فن التذلل العلني”، للكاتبة سوزان وايز باور، لم يكن هدفها التطهير الروحي بقدر ما كان احتواء الأزمة لحماية موارد الكنيسة المالية، إذ كان سواغارت يُمثِّل مصدر التمويل الأكبر للكنيسة. أكد المسؤولون حينها أن الخوض في تفاصيل الخطايا لن يقدم أي فائدة روحية، بل قد يؤدي إلى خسائر فادحة على الصعيدين المالي والدعوي. ولذلك، طُلب من القساوسة والمجتمع الإنجيلي عدم الخوض أو التكهن في القضية.

    بكى جيمي سواغارت وأبكى متابعيه، لكن اعترافه كان عرضًا مسرحيًا أكثر من كونه طقسًا دينيًا
    بكى جيمي سواغارت وأبكى متابعيه، لكن اعترافه كان عرضًا مسرحيًا أكثر من كونه طقسًا دينيًا (وكالات)

    ووفقا للكتاب، تُمثِّل “توبة” سواغارت لحظة مفصلية تعكس التوتر بين تقاليد الاعتراف المسيحي الكلاسيكي وبين نموذج الاعتراف الحديث في الثقافة الغربية. ففي حين أن الاعتراف المسيحي يقوم على الاعتراف بالخطايا أمام الكهنوت السري للتطهير والمحاسبة، يركّز الاعتراف العلماني الحداثي على الإفصاح الذاتي والتجربة الشخصية، من دون التركيز على الخطأ، حيث مزج سواغارت بين التقليدين، فصاغ خطابه بلغة عاطفية مشحونة دون محتوى قانوني أو لاهوتي واضح، مما سمح للجمهور بتلقيه بوصفه “اعترافا” دينيا، رغم افتقاده إلى مقوّماته الأساسية.

    لم تكن خطبة الاعتراف هي الوحيدة. فقد أعقبها بخطبة “العودة”، التي مَثَّلت حملة خطابية لإعادة بناء مكانته الروحية. في هاتين الخطبتين، ركّز سواغارت على أن اللغة لا تكفي للتعبير عن معاناته، وأن الخطيئة أمر شامل يطول الجميع، مما حوّل القضية من مشكلة شخصية إلى مسألة إنسانية عامة.

    تدل اعترافات سواغارت على أن الاعتراف لم يعد ممارسة روحية خالصة، بل تحوّل إلى أداة سياسية يمكن من خلالها التملص من المساءلة. فمن خلال تصوير نفسه ضحيةً للضعف البشري، تمكّن من تقليص المطالبات بالمحاسبة، وتحويل النقاش من الفعل الأخلاقي إلى العاطفة الجماعية.

    يُعد سواغارت بهذا المعنى مؤسِّسا لنموذج جديد للاعتراف، يدمج بين التوبة الدينية والخطاب السياسي، حتى بيل كلينتون، في ذروة فضيحته الجنسية، استعان بلغة الاعتراف الإنجيلي ليحافظ على ارتباطه بالجمهور. لم يكن اعترافه مجرد فعل دفاعي، بل أداة تواصل فعّالة مع ناخبيه، وسمح الاعتراف الناجح لبيل كلينتون بالحفاظ على معدلات تأييد مرتفعة، رغم حجم الفضيحة، مما يعكس مدى قوة هذا الطقس في تشكيل الرأي العام وإعادة بناء الثقة.

    أما في الكنيسة نفسها، فلم يكن هناك تقبُّل كبير لهذا “الاعتراف” الجديد.

    فالطائفة التي ينتمي إليها سواغارت لم تكن مهتمة بالتنفيس العاطفي الجماعي بقدر ما كانت مهتمة بالمساءلة عن الأخطاء. فبعد أن عانت من فضائح متلاحقة، أبرزها سقوط جيم باكر، الذي كان سواغارت قد هاجمه في السابق بالفعل، جاء اعتراف سواغارت الغامض وغير المفصل ليؤدي إلى خلعه من رتبته الدينية، فسُحبت منه أوراق اعتماده، ولم يعد يُمثِّل الطائفة رسميا.

    لكن ذلك لم يغير من الأمر الكثير، فقد استمرّت إمبراطوريته، بيد أنها لم تعد ترفع راية الكنيسة.

    وخلال ذلك كله، تغيّر خطاب سواغارت تدريجيا. لم يعد طارد الشياطين والأرواح الشريرة والمنتصر على ضعفه البشري، بل أصبح الخاطئ الذي نجا، والرجل الذي “لم ينجُ من التجربة ولا الشرير”. وفي عصر الإعلام الجماهيري، كان هذا موقفًا بالغ التأثير. لم يعد قديسا، لكنه أصبح إنسانا يمكن التماهي معه، وربما كان من شأن ذلك تعزيز شعبيته.

    سيسقط سواغارت مرة أخرى في فضيحة جنسية ثانية عام 1991، وأيضا مع بائعة هوى، لكن في ذلك الوقت كان الأمر أخفّ وقعا عليه وعلى الجميع. وعندها علّق على الفضيحة باقتضاب مهاجما مَن ينبشون سيرته، قائلا لمتابعيه الذين بدأوا يتناقصون: “الرب قال لي: هذا ليس شأنكم، بل شأني وحدي”.

    سقوط ما قبل السقوط.. المناظرة مع أحمد ديدات

    قبل عامين من ركوع جيمي سواغارت أمام جماعته في لحظة الخزي المتلفزة، كان يقف على منصة مختلفة تماما، واثقا، ومعتقدا بقدرته على السيطرة، ومستعدا للمعركة. كان ذلك عام 1986، في قاعة بجامعة لويزيانا، حيث امتلأ المدرج بالمسيحيين والمسلمين ومراقبي الحوار بين الأديان.

    أما الحدث، فكان مناظرة علنية بين سواغارت والداعية المسلم، الذي وُلد في الهند وعاش وتوفي في جنوب أفريقيا، أحمد ديدات، حول سؤال يبدو بسيطا: “هل الكتاب المقدس (الإنجيل) كلمة الله؟”.

    في تلك اللحظة، كان جيمي سواغارت في ذروة انتشاره العالمي، فلم يكن مجرّد مبشّر إنجيلي يخاطب الداخل الأميركي فحسب، جرت المناظرة وسط حضور جماهيري حاشد، وشكّلت لحظة مفصلية في المشهد الدعوي بين المسيحية والإسلام.

    أما ديدات، والذي حلت ذكرى وفاته العشرين في الثامن من آب/أغسطس الجاري، فكان في ذلك الوقت شخصية مشحونة بالحماس والبلاغة، لكنه غير معروف كثيرا حتى في الدول الإسلامية خارج جنوب أفريقيا، وربما شبه القارة الهندية. ومع تقدم الأمسية، بدأ ميزان القوى يميل تدريجيا إلى صالح ديدات.

    كان ديدات مُسلَّحا بمعرفة دقيقة بالنصوص المسيحية والإسلامية، ومتمتعا بسخرية لاذعة، ولسان حاد، وعقل متقد جعله يحصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام في العام نفسه. ضغط ديدات على سواغارت بالتنبيه على تناقضات نصية، وفروقات بين العهد القديم والجديد، وحتى أخلاقية بعض النصوص الإنجيلية. أما سواغارت الذي كان عادة بليغا ودراميا أمام الحشود الصامتة من مؤيديه، فقد بدا مرتبكا، ومدافعا، ومتهربا من أسئلة ديدات.

    أحمد ديدات.. رجل المناظرات اللامع
    في أعقاب المناظرة مع جيمي سواغارت مُنع ديدات من دخول بُلدان مثل فرنسا ونيجيريا بسبب حجته وآرائه (الجزيرة)

    لم تكن مجرد مناظرة، لقد كانت صداما بين رؤيتين متباينتين للعالم، بين وجهتي نظر دينيتين نادرا ما تتقاطعان على منصة واحدة. وفي إحدى اللحظات اللافتة، ردّ ديدات على محاولة سواغارت تصوير الإسلام بوصفه دينا ينتقص من المرأة، فاستشهد بإنجيل متّى قائلا: “لماذا تنظر إلى القذى في عين أخيك، وتنسى الخشبة في عينك؟”.

    رغم أن المناظرة لم تغيّر من المسيرة التبشيرية لسواغارت، فإنها عرّضته لفضاء نقدي غير مألوف، وأثبتت أن الحجة الدامغة تفوز على العروض المسرحية، ووسّعت من حجم الجدل حول شخصيته ومشروعه، خاصة حين انفجرت فضيحته الأخلاقية بعد أقل من عامين، ما جعل كثيرين يعودون إلى تسجيلات المناظرة باعتبارها نبوءة مبكرة عن سقوطه الأخلاقي.

    لاحقا، انتشرت المناظرة على نطاق واسع عبر أشرطة الفيديو والكاسيت، وغالبا ما هُرِّبت إلى دول ذات رقابة إعلامية صارمة. في العالم العربي، وشبه القارة الهندية، وأجزاء من أفريقيا، أصبحت هذه التسجيلات رائجة ومنتشرة انتشار النار في الهشيم، قبل أن يعرف المحتوى وصانعوه مصطلح “انتشار فيروسي” من الأساس.

    بالنسبة لكثير من المسلمين، كانت تلك المرة الأولى التي يشاهدون فيها شخصية مسلمة فصيحة تتحدى وتتفوق على رمز مسيحي غربي على الملأ، وأصبح ديدات رمزا للمقاومة الفكرية ضد الضغوط التبشيرية الغربية.

    حينها خصّصت العديد من المجلات الإسلامية في الثمانينيات والتسعينيات، مثل الدعوة والاعتصام، تغطيات موسعة للمناظرة، وغالبا ما صُوِّر أحمد ديدات بوصفه بطل خطاب ديني جمع بين العلم والمنطق والبلاغة.

    لكن ما منح تلك المناظرة قوتها الرمزية الدائمة لم يكن محتواها فقط، بل ما تلاها من أحداث. فعقب الفضيحة التي مُني بها جيمي سواغارت بعد تلك المناظرة بأقل من عامين، وبأثر رجعي، أُعيد تأطير المناظرة باعتبارها نوعا من النبوءة، أو لحظة بدأ فيها القناع بالانكشاف، وبدأ فيها السقوط الفكري قبل السقوط الأخلاقي.

    لم تكن المناظرة مجرّد حدث عابر، بل تحوّلت إلى مادة مركزية في الخطاب الإسلامي الموجّه إلى الغرب، خصوصا في ظل صعود تيارات “مقارنة الأديان” في التسعينيات، التي جعلت من ديدات أيقونة، ومن سواغارت رمزا لخطاب انهار تحت ضغط الفضائح والمساءلة الأخلاقية.

    أما في الغرب، فقد تلاشت المناظرة من الذاكرة التبشيرية، غير أن ديدات في أعقابها مُنع من دخول بُلدان مثل فرنسا ونيجيريا بسبب حجته وآرائه التي قيل إن من شأنها “أن تثير اضطرابات أهلية”. لكنها في العالم الإسلامي كرّست سردية جديدة، ترى في التبشير المسيحي التلفزيوني ليس فقط خللا لاهوتيا، بل انهيار أخلاقي.

    وأدت تلك اللحظة، جزئيا على الأقل، إلى نشوء جيل من الدعاة المسلمين الجدد، بعضهم استلهم أسلوب ديدات، وبعضهم انتقده، وحاولوا جميعا أن يكونوا صوتا لخدمة صورة الإسلام في العالم.

    لكن إذا كانت ظاهرة الدعاة الجدد استمدت بعض أساليبها من ديدات، فهي استمدت الكثير من أساليب المبشرين الإنجيليين كذلك، إذ إن الخطاب الذي قدّمه المبشرون البروتستانت، الأثرياء، الذين يقدمون تجربة فريدة لأتباعهم تندمج فيها الأيديولوجيا بالحالة الشخصية لكل واحد منهم، مثَّلت إلهاما للعديدين، حتى لو بشكل غير مقصود.

    أما بالنسبة لأحمد ديدات نفسه، فقد شكّلت المناظرة نقطة تحول في حياته، وانهالت عليه الدعوات من العالم العربي وجنوب آسيا وأوروبا، وأصبح وجها ثابتا على شاشات القنوات الإسلامية، وتُرجمت مؤلفاته إلى أكثر من 20 لغة.

    ومع ذلك، بدأت بعض الأصوات داخل الدوائر الإسلامية تتساءل عن الجدوى المستدامة للجدل والمواجهة مقارنة بالحوار العميق. وهل كان هذا انتصارا للحقيقة، أم تفوقا في المهارة البلاغية؟ لاحقًا، التقى ديدات محاورين أكفاء، في نقاشات عميقة لا مناظرات تليفزيونية، كان أبرزهم بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني.

    رغم أن الفضائح الجنسية والمالية هزّت صورة جيمي سواغارت أمام ملايين من متابعيه، فإن الرجل لم يختفِ. عاد إلى الشاشة، واستأنف بثّ برامجه من مركزه الشهير “مركز العبادة العائلية”. ومع مرور السنوات، تحوّل من رمز ديني إلى حالة جدلية تُظهر نفوذ الإعلام والمال داخل الكنيسة الإنجيلية الأميركية.

    أما السؤال: كيف لرجل سقط أخلاقيا بهذا الشكل الفاضح أن يعود إلى منبره ويستعيد جزءا من جمهوره؟ فالإجابة عنه لا تتعلّق بسواغارت وحده، بل بما تكشفه قصته عن طبيعة العلاقة بين الكاريزما الدينية، والجمهور المتديّن، وقوة الإعلام الحديث.

    مات الرجل لكن إرثه سيكمل معنا لوقت طويل

    في الأول من يوليو/تموز 2025، توفي جيمي سواغارت بعد أسبوعين من أزمة قلبية أصابته، في باتون روج، لويزيانا، عن عمر ناهز التسعين عاما.

    ومع وفاته نعاه الرئيس الأميركي دونالد ترامب قائلًا: “حزين جدا وفاة جيمي ستيوارت اليوم .. باعتباره أطول المبشرين التليفزيونيين خدمة، فقد ألهم الملايين بحبه للرب وللبلاد”. قال ترامب إن سواغارت سيُفتقد كثيرًا.

    Donald J. Trump Truth Social 07.01.25 08:40 PM EST

    Very sad, Jimmy Swaggart passed away today! He was an incredible Man of Faith and, as our Nation’s longest serving Televangelist, inspired millions with his Great Love of God and Country. Our hearts and prayers are with his…

    — Fan Donald J. Trump Posts From Truth Social (@TrumpDailyPosts) July 2, 2025

    لكن سواغارت لم يرحل حقا، فلا يزال صوته يتردد في البث الذي يُعرض على عشرات القنوات منخفضة الجودة في نواحي الولايات المتحدة المختلفة. ولا تزال مؤسسته “مركز العبادة العائلية” نشطة حتى اليوم، وقد تحولت إلى مشروع عائلي يضم ابنه دوني وحفيده غابرييل.

    ولا يزال مزيجه الخاص من الخطاب المحفز والعاطفة الجياشة والأداء الموسيقي يُشكِّل البنية الخطابية لمنابر لا تُحصى، من كنائس ضخمة في الغرب الأميركي إلى مراكز دينية صغيرة في نيجيريا والهند.

    ففي أقل من عشر دقائق، قدّم سواغارت للجمهور الأميركي شيئا لم يقدمه أي مبشّر تلفزيوني من قبل، إذ لم يقدم نافذة إلى الإيمان، بل قدّم مقعدا في الصف الأول لمشاهدة المبشر وهو ينهار على الهواء، والجميع يتابعه مبهورا.

    كان اعتذار بل كلينتون عن علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لويسكي شبيهًا من حيث الأسلوب باعتراف جيمي سواغارت قبل عشر سنوات
    كان اعتذار بل كلينتون عن علاقته بالمتدربة في البيت الأبيض مونيكا لويسكي شبيهًا من حيث الأسلوب باعتراف جيمي سواغارت قبل عشر سنوات (رويترز)

    من حيث الإخراج، كان العرض متقنا. الإضاءة ناعمة، والكاميرا توقفت عند دموعه بالقدر الكافي. أما الجمهور، فسمع الميكروفونات تنقل همساته بوضوح، وردّ بالتصفيق، وعبارات “آمين”، ووقفات احترام متكررة. لقد حوّل سواغارت الاعتراف من واحدة من أقدم الممارسات الروحية في المسيحية إلى سلعة قابلة للتداول.

    ربما يكمن إرث سواغارت الباقي في ما جعل العالم يعتاد عليه. فقد عشنا لنرى كيف يكون الاعتراف عملة، والخذلان قابلا للمغفرة إذا ما عُبِّر عنه بشكل مؤثر، والكاريزما أقوى من الإيمان. حتى الثقافة العلمانية تبنّت صيغته. فاعتذارات المشاهير، ولحظات المواجهة السياسية، واعترافات المؤثرين عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، كلها، بشكل أو بآخر، تنحدر من لحظة بكاء سواغارت أمام الجماهير معتذرا بلا اعتذار حقيقي، حين لم يكن اعترافه موجَّها إلى السماء، بل لعدسة الكاميرا.

    ولا عجب أن الكثير من الشخصيات السياسية المعاصرة، مثل دونالد ترامب، وعمدة نيويورك السابق أندرو كومو، وحتى ورئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون، قد قدّموا اعتذارات بلا اعتذار، وكأنها مأخوذة من دليل سواغارت للاعتراف، وفيه تجاهل أو إنكار للتفاصيل، واستحضار المعاناة الشخصية، والتوسل للغفران أمام الكاميرا، من دون التنازل عن السلطة أو أيٍّ من منافعها.

    لقد كشف سواغارت الكثير. فإذا كان الاعتراف مرآة للشخص وما يحويه، فماذا يقول هذا الشكل من الاعتراف التلفزيوني عن الجمهور الذي يصدق الكاذبين إذا ما حلفوا بتأثر أمام الكاميرات.

    لقد عبَّر سواغارت في النهاية لا عن ضعفه الشخصي، بل عن بنية عصر كامل، عصر يطالب بالأداء المستمر أمام الكاميرات والجماهير، بغض النظر عما إذا كان هذا الأداء يعبر عن حقيقة أصيلة أو عن خواء كبير.

    شاركها. فيسبوك تويتر بينتيريست تيلقرام واتساب البريد الإلكتروني

    المقالات ذات الصلة

    ما خسائر الجيش الإسرائيلي المحتملة إذا اجتاح غزة؟

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 7:53 م

    دعم أم إملاءات.. ماذا وراء زيارة الوفد الأميركي إلى لبنان؟

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 6:52 م

    تلغراف: هكذا درب ستارمر رئيس أوكرانيا كيف يتحدث بلغة ترامب

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 5:51 م

    انعكاسات قرار البرهان ضم القوات “المساندة” لقانون الجيش

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 4:50 م

    العداء لروسيا وفصوله الممتدة بين الماضي والحاضر

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 2:48 م

    السودان.. تحول دولي ومعارك ساخنة وحراك سياسي صامت

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 1:47 م

    هل يحرك اجتماع زيورخ رياح التسوية في السودان؟

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 12:46 م

    خبير عسكري: جيش الاحتلال يعاني نقصا حادا في الجنود ويلجأ لتجنيد النساء

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 10:43 ص

    الاحتلال يواصل احتجاز مدير المشافي الميدانية بغزة رغم إصابته

    سياسة الثلاثاء 19 أغسطس 9:42 ص
    اخر الأخبار

    شكوى قضائية ضد نعيم قاسم.. بعد اتهامات بإثارة الفتنة

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:45 م

    بعد نصر النصر.. رونالدو يعلق بـ”ليتس غو”

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:41 م

    سبب غامض وراء سير بوتين “بذراع واحدة” خلال لقائه ترامب

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:37 م

    نقل كنيسة سويدية تاريخية على مقطورات لحمايتها من أشغال توسعة أكبر منجم للحديد في العالم

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:22 م

    مانشستر يونايتد يسعى لاستعادة دي خيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:00 م

    ما خسائر الجيش الإسرائيلي المحتملة إذا اجتاح غزة؟

    الثلاثاء 19 أغسطس 7:53 م

    فاطمة الصفي: “كان وزني 115 وهذا ما فعلته”

    الثلاثاء 19 أغسطس 7:48 م
    اعلانات
    Demo

    العرب ميديا هي جريدة يومية عربية تهتم بآخر اخبار الوطن العربي
    والشرق الأوسط والعالم، تأسست عام 2002. تابع معنا اخر اخبار الاقتصاد والرياضة والسياسة واهم القضايا التي تهم المواطن العربي.

    الإدارة: [email protected]
    للإعلان معنا: [email protected]

    فيسبوك X (Twitter) الانستغرام يوتيوب
    اختيارات المحرر

    شكوى قضائية ضد نعيم قاسم.. بعد اتهامات بإثارة الفتنة

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:45 م

    بعد نصر النصر.. رونالدو يعلق بـ”ليتس غو”

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:41 م

    سبب غامض وراء سير بوتين “بذراع واحدة” خلال لقائه ترامب

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:37 م
    رائج الآن

    نقل كنيسة سويدية تاريخية على مقطورات لحمايتها من أشغال توسعة أكبر منجم للحديد في العالم

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:22 م

    مانشستر يونايتد يسعى لاستعادة دي خيا

    الثلاثاء 19 أغسطس 8:00 م

    ما خسائر الجيش الإسرائيلي المحتملة إذا اجتاح غزة؟

    الثلاثاء 19 أغسطس 7:53 م
    2025 © العرب ميديا. جميع الحقوق محفوظة.
    • من نحن
    • سياسة الخصوصية
    • اعلن معنا
    • اتصل بنا

    اكتب كلمة البحث ثم اضغط على زر Enter