الأسهم الصينية
تشهد الأسواق الصينية موجة صعود لافتة في أسهم التكنولوجيا، بعدما تجاوزت مستويات قياسية جديدة خلال الفترة الأخيرة، في ارتفاع يعكس تحولات جوهرية في المشهد الاستثماري، حيث تتجه الأنظار نحو الشركات العملاقة والناشئة على حد سواء في ظل بيئة تتسم بالمنافسة العالمية المتصاعدة.
جاءت الطفرة مدفوعة بتركيز بكين على تعزيز قدراتها الذاتية في مجالات التكنولوجيا المتقدمة، خصوصاً صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي، وهو ما أعطى زخماً قوياً لشهية المستثمرين. كما أسهمت السياسات الحكومية الداعمة في ترسيخ الثقة، وفتح آفاق جديدة أمام الشركات المحلية للتوسع والنمو.
تفوقت أسهم التكنولوجيا الصينية بشكل كبير على نظيراتها في ناسداك هذا العام، إذ تم تعزيز الاتجاه خلال الشهر الماضي من خلال التقدم في كل من الذكاء الاصطناعي ودفع بكين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الرقائق، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
- ارتفع مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا الذي يضم أكبر 30 شركة تكنولوجيا مدرجة في هونغ كونغ بنسبة 41 بالمئة حتى الآن هذا العام، مقارنة بمكاسب بلغت 17 بالمئة في مؤشر ناسداك.
- تحظى أكبر مجموعات التكنولوجيا في البر الرئيسي الصيني بنفس جاذبية المستثمرين المخصصة تقليديا لمنافسيها في الولايات المتحدة.
- تمثل أسعار الأسهم المرتفعة عودة منتصرة لقطاع كان محاصرا لسنوات بسبب حملة تنظيمية واقتصاد متعثر أدى إلى هجرة المستثمرين الأجانب من الأسهم التي كانت تحظى بشعبية كبيرة مثل علي بابا وتينسنت.
وقد تسارعت وتيرة الارتفاع، الذي بدأ بعد الاختراق الذي حققته شركة “ديب سيك” في مجال الذكاء الاصطناعي في بداية العام، في سبتمبر وسط مؤشرات على نجاح مساعي بكين لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الرقائق المتقدمة .
ونقل التقرير عن كبيرة استراتيجيي الأسهم الصينية في بنك أوف أميركا غلوبال ريسيرش، ويني وو، قولها:
- “لقد تغير الوضع تماماً فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي في الصين”.
- “يبدو أن الصين تُحرز تقدماً ملحوظاً في هذا المجال الحيوي الذي يُمثل عائقاً كبيراً أمام قوة حوسبة الذكاء الاصطناعي”.
ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة، علي بابا، وتينسنت، وبايدو، بنسبة 96 بالمئة و55 بالمئة و59 بالمئة على التوالي، هذا العام. وارتفعت أسهم علي بابا بنسبة 31 بالمئة، وبايدو بنسبة 48 بالمئة خلال الشهر الماضي فقط.
يأتي ذلك في وقت عززت فيه الإعلانات الأخيرة عن زيادة الإنفاق على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، والتقدم المحرز في تصميمات الرقائق المتقدمة داخلياً، مثل خط إنتاج كونلون من بايدو، ونماذج الذكاء الاصطناعي التنافسية عالمياً، حماس المستثمرين.
ازدهار استثنائي
من جانبه، يقول خبير أسواق المال والعضو المنتدب لشركة أي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية، محمد سعيد، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- “أسهم التكنولوجيا الصينية تعيش فترة ازدهار استثنائية هذا العام، متفوقة بمسافة واضحة على نظيراتها في مؤشر ناسداك الأميركي”.
- الأداء المذهل لمؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا، الذي قفز بأكثر من 40 بالمئة منذ بداية العام، ليس مجرد صدفة أو انعكاس لانتعاش اقتصادي عام، بل هو نتيجة مباشرة لمحركين أساسيين: “الذكاء الاصطناعي، والسعي الحثيث نحو الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق الإلكترونية”.
ويضيف: “الأسهم بدأت تكتسب زخماً كبيراً مع التقدم الهائل الذي أحرزته شركات صينية عملاقة مثل بايدو وعلي بابا، إلى جانب شركات ناشئة واعدة مثل ديب سيك في تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها”، منبهاً إلى أن “هذا التقدم لم يعد مجرد وعود بل تحول إلى إيرادات حقيقية؛ فشركات مثل علي بابا شهدت نمواً في إيرادات قطاع الذكاء الاصطناعي بصورة ملحوظة.. وهذا الحماس التكنولوجي يخلق موجة ثقة ضخمة تدفع أسهم الشركات المتخصصة في رقائق الذكاء الاصطناعي لتحقيق قفزات خيالية”.
ويشير إلى أن “المحرك الثاني لا يقل أهمية، وهو الإصرار السياسي الصيني على تحقيق الاستقلالية التكنولوجية، خصوصاً في قطاع الرقائق”، موضحاً أن القيود الأميركية على تصدير الرقائق المتقدمة إلى الصين كانت بمثابة الشرارة التي دفعت بكين لضخ استثمارات ضخمة في شركاتها المحلية مثل SMIC لتسريع تطوير قدراتها.
هذا الدعم الحكومي المباشر لم يخلق فقط فرصاً جديدة للشركات المحلية، بل منح المستثمرين شعوراً بالأمان والثقة بأن هذا القطاع مسنود بظهر قوي.
ويتابع سعيد: “التقييمات لعبت أيضاً دوراً محورياً؛ فأسهم التكنولوجيا الصينية كانت تتداول عند مضاعفات ربحية أقل بكثير من نظيراتها الأميركية التي وصلت أسعارها لمستويات مرتفعة. وهذا الفارق جعل السوق الصينية أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن فرص نمو بأسعار معقولة. كما أن السلطات الصينية بدأت تخفف تدريجيًا من قبضتها التنظيمية الصارمة على عمالقة الإنترنت، مما أعاد الثقة إلى السوق.”
ويختتم حديثه قائلاً:
- “كل هذه العوامل مجتمعة أدت إلى تحول في تدفقات رؤوس الأموال، حيث بدأت بعض الصناديق العالمية تعيد توزيع استثماراتها مبتعدة قليلاً عن أسهم التكنولوجيا الأميركية المشبعة بالارتفاعات ومتجهة نحو السوق الصينية الواعدة”.
- التأثير لم يقتصر على صعود الأسهم الصينية فقط، بل وضع أيضاً ضغوطاً على بعض الشركات الأميركية الكبرى التي بدأت تشعر بحرارة المنافسة الصينية المتصاعدة.
- المشهد التكنولوجي العالمي يتغير بوضوح، والصين لم تعد مجرد لاعب تابع، بل قوة منافسة ترسم ملامح المستقبل
ويشير تقرر لـ “إنفستورز كرونيكل” إلى أنه في حين أطلق أعضاء مجموعة السبعة الرائعة تعهدات استثمارية تصدّرت عناوين الصحف الأسبوع الماضي، دخل مؤشر هانغ سنغ للتكنولوجيا بهدوء أسبوعه السابع من المكاسب المتتالية، حيث ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة منذ العام 2021.
ويشهد هذا الارتفاع على انتعاش قطاع التكنولوجيا في الصين، وتقوده شركات الذكاء الاصطناعي الرئيسية.
ووفق التقرير لم يعد حماس المستثمرين للذكاء الاصطناعي أمراً جديداً، إذ يصفه المحلل في سيتي هيث تيري، بأنه “أرقى تقنيات عصر المعلومات”، ولكن حتى الآن، كانت شركات التكنولوجيا الأميركية هي المستفيدة الرئيسية. شهدت شركات مثل برودكوم وأوراكل وبالانتير ارتفاعاً حاداً في تقييماتها، حيث تتداول بالانتير حاليًا عند نسبة سعر إلى ربحية مستقبلية مذهلة تبلغ 281 ضعفاً، وفقًا لـ FactSet.
عند هذه المستويات، ليس من المستغرب أن يسعى المستثمرون إلى توسيع آفاقهم. وقد شكّل ظهور نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني DeepSeek-R1 في يناير حافزاً قوياً، وفقاً لمحلل غولدمان ساكس، كينغر لاو. وقد غيّر هذا التطور “صورة التكنولوجيا الصينية”، و”أعاد تقييم تفاؤل المستثمرين” في قطاع التكنولوجيا في البلاد.
بفضل تجدد اهتمام المستثمرين، انطلق العديد من رواد الذكاء الاصطناعي في الصين في حملة تمويلية، حيث جمعوا مليارات الدولارات لتسريع النمو. وفي الأسبوع الماضي، استغلت كلٌّ من علي بابا وتينسنت المعنويات الإيجابية لدخول أسواق الدين للحصول على رأس المال.
سببان رئيسيان
ويشير استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في شركة G&K عاصم جلال لدى حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن هناك سببين رئيسيين (لانتعاش أسهم التكنولوجيا الصينية) لا يمكن النظر إلى أحدهما بمعزل عن الآخر:
- السبب الأول هو الأداء المتميز للشركات الصينية خلال العامين الماضيين في تطوير منصات وأدوات وحلول الذكاء الاصطناعي، حيث شهدنا طفرة ملحوظة بدأت مع شركة ديب سيك، ثم امتدت إلى سيطرة شبه كاملة على نماذج المصادر المفتوحة، خصوصاً في مجالات الصور والفيديو.
اللافت أن هذه الطفرة تحققت رغم غياب البديل المحلي الكامل لشرائح إنفيديا داخل السوق الصينية، ما يعكس الجهود الواضحة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الرقائق الدقيقة، وهو ما يمنح مؤشراً قوياً على مستقبل واعد للصناعة الصينية.
- السبب الثاني يرتبط بعدم استقرار الاستثمار في السوق الأميركية، بداية من تأثير التعريفات الجمركية على الاستيراد، مروراً بالقوانين المقيدة للعمالة الأجنبية، وصولاً إلى القرار الأخير بفرض رسوم تصل إلى 100 ألف دولار على كل تأشيرة عمل للخبراء وأصحاب المهارات العالية. وهذه التأشيرات كانت تمثل شرياناً أساسياً لشركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، مثل غوغل ومايكروسوفت، التي يقودها حالياً مديرون تنفيذيون من أصول هندية.
ويوضح أن هذه التشريعات خلقت حالة من الارتباك وأثرت سلباً على جاذبية السوق الأميركية، وهو ما دفع العديد من المستثمرين للبحث عن بدائل، وتبرز الصين كأحد أهم هذه البدائل المطروحة بقوة.
سبع شركات أميركية قيمتها أكبر من حجم اقتصاد أوروبا