انقلبت حياة حليمة، البالغة من العمر 63 عامًا (اسم مستعار)، رأسًا على عقب قبل أربع سنوات. فقد عملت لمدة خمس سنوات في القوات الجوية الألمانية في أفغانستان ضمن قطاع الأمن، حيث جرى تسجيل بياناتها وإجراء مسح بيومتري لوجهها وتخزينه لأغراض العمل. وفي عام 2012، انتهت خدمتها بسبب ظروف صحية.
لكن مع عودة حركة طالبان إلى السلطة عام 2021، عاد الخوف معها. فارتباطها السابق بالحكومة الألمانية جعلها هدفًا محتملاً للجماعة، لتجد نفسها تواجه تهديدات لم تكن تتوقعها بعد سنوات من مغادرتها موقعها.
القوات المحلية المنسية
تلقت حليمة وعدًا بالدعم من الحكومة الألمانية في عام 2015، وتأكيدًا عبر بريد إلكتروني من وزارة الخارجية التي حاولت التواصل معها مرارًا بعد انسحاب القوات، لكن دون نتيجة. ومع مرور الوقت، انهار عالمها تمامًا: فبعد سنوات خدمتها الطويلة، لم تحصل على أي مساعدة من ألمانيا، واضطرت اليوم للعيش تحت تهديد دائم، تشعر بالخوف على حياتها وبأنها تُركت وحيدة.
وبحسب وزارة الخارجية الألمانية، فقد تمكنت الحكومة خلال السنوات الأخيرة من إجلاء أكثر من 33 ألف أفغاني إلى ألمانيا ضمن برامج قبول مختلفة، مؤكدة أنها على تواصل مع جميع الأشخاص المتضررين داخل أفغانستان. وأضافت أن الإقامة والطعام والرعاية الطبية تُقدَّم عند الحاجة، وأن الجهات المكلّفة تعمل على ضمان سلامة الأفراد.
ومع ذلك، يبقى الغموض قائمًا حول ما إذا كان العاملون المحليون السابقون الذين انقطع ارتباطهم بالحكومة الألمانية قبل عام 2021 مشمولين في هذه البرامج أم لا، وهو ما يترك حالات مثل حليمة عالقة بين الوعود القديمة والواقع القاسي.
تشعر حليمة بصدمة عميقة وسخط متزايد. فعملها السابق مع القوات الجوية الألمانية جعلها هدفًا مباشرًا لحركة طالبان، وهي تدرك جيدًا أن كونها امرأة يزيد من هشاشتها. ومع غياب أي دعم خارجي، تجد نفسها عاجزة عن مغادرة البلاد، إذ تُمنَع النساء من السفر أو حتى مغادرة المنزل دون مرافقة ذكر.
وتقول حليمة بصوت يملؤه اليأس: “لا أرى أي أمل في الحياة، خاصة بالنسبة للنساء. نحن معزولات تمامًا”. فبعد سنوات طويلة آمنت فيها بوطن قادر على احتضان العدالة، ودافعت خلالها عن قيمه، تجد نفسها اليوم تدفع ثمن ذلك من أمنها وحياتها.
ولم تقف التداعيات عندها فقط؛ فقد تبدّلت حياة بناتها أميرة (45 عامًا) ومريم (43 عامًا) وياسمين (28 عامًا) رأسًا على عقب منذ انسحاب القوات الأمريكية. فقد درست الثلاث، وبدا العالم مفتوحًا أمامهن، لكن وصول طالبان إلى السلطة أجهض أحلامهن المهنية تمامًا.
وتوضح حليمة: “كانت إحدى بناتي تعمل في محكمة الاستئناف، وأخرى في وزارة المالية، أما الثالثة فأنهت شهادة الهندسة للتو”.
وبسبب خلفيتهن المهنية، أصبحت أميرة ومريم تحت رقابة مشددة من عناصر طالبان. فمجرد خروجهما من المنزل يعرّضهما لاحتمال تفتيش هواتفهما المحمولة من قبل المقاتلين. ولحماية أنفسهن، اضطرتا إلى تغيير أسمائهن.
أما الآن، فلا تدور حياة النساء الأربع إلا ضمن حدود جدران منزلهن. معزولات، محاصرات، ومعلّقات بين الماضي الذي خسرنه والمستقبل الذي لا يستطعن رؤيته.
كيف يمكن للنساء الأفغانيات الحصول على الحماية؟
في أواخر عام 2024، أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكمًا مفصليًا يؤكّد أن النساء الأفغانيات يتعرضن لخطر الاضطهاد لمجرّد كونهن نساء، وأن هذا الواقع يكفي لمنحهن الحماية الدولية. وبموجب هذا القرار، لم يعد مطلوبًا من النساء تقديم مبررات إضافية للفرار، إذ إن جنسهن وحده يُعد سببًا كافيًا لطلب اللجوء.
وبذلك، يفترض أن تكون نساء مثل حليمة وبناتها الثلاث مؤهلات للحصول على الحماية في ألمانيا. إلا أن العقبة الأساسية تكمن في إجبارهن على الوصول إلى الأراضي الألمانية أولًا لتقديم طلب الحماية — وهو أمر شبه مستحيل في ظل القيود التي تفرضها طالبان على سفر النساء ومنعهن من مغادرة البلاد دون “محرم”، فضلًا عن المخاطر الأمنية على حياتهن.
العزلة والعنف وانعدام الفرص
منذ سيطرة حركة طالبان الإسلامية المتشددة على الحكم في أغسطس/آب 2021، تتعرض النساء والفتيات في أفغانستان لواحدة من أقسى حملات الإقصاء الممنهجة في العالم. فقد حُرمْن من المشاركة في الحياة العامة، وزُجّ بهن في عزلة خانقة داخل منازلهن.
أُغلقت أبواب المدارس أمام الفتيات بعد الصف السادس، ومنعن من الالتحاق بالجامعات أو دراسة تخصصات حيوية مثل الطب والقبالة. أما فرص التعليم البديل، فلا تتوفر إلا بشكل محدود جدًا عبر برامج غير رسمية أو منصات تعليمية عبر الإنترنت، وغالبًا بسرية وتحت تهديد دائم.
أمام هذا الواقع، لا يبقى للنساء في أفغانستان سوى خيارات تضيق يومًا بعد يوم، بينما تستمر الحياة في الانكماش حولهن حتى تكاد تختفي.
وأصبحت الأماكن العامة في أفغانستان، من حدائق ومتنزهات ونوادٍ رياضية، حكرًا على الرجال فقط، بعد أن منعت طالبان النساء من ارتيادها بالكامل. كما لا يُسمح للنساء بمغادرة المنزل إلا برفقة قريب ذكر، حتى في الحالات التي يحتجن فيها إلى رعاية طبية عاجلة.
وتزداد معاناتهن تعقيدًا مع القيود المفروضة داخل المرافق الصحية؛ فبحسب تعليمات طالبان، لا يجوز للنساء تلقي العلاج إلا على يد طبيبات، في وقت تعاني فيه البلاد نقصًا شديدًا في الكوادر الطبية النسائية. ونتيجة لذلك، تُترك كثيرات دون علاج، عالقات بين منع الحركة وغياب الخدمات الطبية الأساسية.
وأدت العزلة القسرية والخوف الدائم وانسداد الآفاق إلى تفاقم أزمة الصحة النفسية بين النساء في أفغانستان، حيث سجّلت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في محاولات الانتحار والانتحار منذ سيطرة حركة طالبان في أغسطس/آب 2021.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن الشابات هنّ الأكثر تضررًا في ظل انعدام التعليم والعمل والحريات الأساسية.

