ما زالت قصة الطفلة البيروفية لينا مدينا تُصنَّف كواحدة من أغرب الحوادث الطبية في القرن العشرين، بعدما وُثّق إنجابها لطفل وهي في الخامسة فقط، في واقعة لا تزال تفاصيلها تثير الحيرة رغم مرور أكثر من ثمانية عقود عليها، بدأت القصة حين لاحظ أهل قريتها الجبلية تغيّراً غامضاً في جسدها الصغيرة، ظنّوه في البداية تورماً أو مشكلة صحية بسيطة، قبل أن تقودهم الشكوك إلى مستشفى حكومي كشف لاحقاً المفاجأة الصادمة: الطفلة كانت في شهورها الأخيرة من الحمل، وفي أيار 1939 خضعت لينا لولادة قيصرية بسبب ضيق حوضها الطفولي، وأنجبت طفلاً سليماً حمل اسم “جيراردو”.
وكبر الطفل معتقداً أن والدته شقيقته، قبل أن يعرف الحقيقة في سن مبكرة، ثم يفارق الحياة في الأربعين من عمره بسبب مرض في نخاع العظم، الإختبارات الطبية التي أُجريت على لينا كشفت إصابتها ببلوغ مبكر نادر، إذ ظهرت لديها علامات نمو جنسي مكتمل قبل وصولها إلى سن الخامسة، وسُجّلت لديها دورة شهرية في أشهرها الأولى، وهي معطيات موثّقة في سجلات المستشفى وتقارير الأطباء الذين تابعوا حالتها، ورغم التحقيقات الواسعة التي فُتحت آنذاك لمعرفة هوية المعتدي، لم تتمكن السلطات من تحديد الجاني. فُوّقفت العائلة واشتُبه بأقارب وعامل محلي، لكن غياب الأدلة أغلق الملف دون نتيجة حاسمة، فيما التزمت لينا الصمت التام طوال حياتها، رافضة كشف أي معلومات حول الظروف التي أدت إلى حملها.
القصة جذبت اهتماماً عالمياً وإعلامياً واسعاً، وأبدت شركات تجارية وصنّاع سينما رغبتهم في استغلال الحدث، إلا أن الحكومة البيروفية تدخلت لحماية الطفلة ورضيعها وألغت أي اتفاقات ذات طابع دعائي، رغم أن الوعود الرسمية بدعم الأسرة مالياً لم تجد طريقها للتنفيذ، ما اضطرهم للعودة إلى قريتهم الفقيرة.
لاحقاً، انتقلت لينا إلى العاصمة ليما حيث عملت سكرتيرة في المستشفى الذي شهد ولادتها، وتزوجت وأنجبت طفلاً آخر في أواخر الثلاثينيات من عمرها، ثم عاشت لفترة في المكسيك قبل أن تعود إلى أحد أحياء ليما الشعبية، وفي العقد الأول من الألفية حاول أطباء وناشطون التواصل معها لتأمين معاش دائم لها، لكنها رفضت تماماً الظهور الإعلامي أو التحدث عن قصتها من جديد.
ورغم الغموض الذي يلف مصيرها حالياًإذ يُفترض أنها في الثانية والتسعين إن كانت على قيد الحياة لا تزال حكاية لينا مدينا تطرح أسئلة لم تجد إجابات حتى اليوم، وتبقى واحدة من أكثر الوقائع الموثّقة غرابة في تاريخ الطب.

