أزمة الصين واليابان
تشهد العلاقات بين الصين واليابان واحدة من أكثر لحظاتها توتراً خلال أكثر من عقد، بعد تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية التي لوّحت بتدخل عسكري مباشر إذا شنت بكين هجوماً على تايوان. موقفٌ وضع الإقليم أمام منعطف شديد الحساسية، وفتح الباب أمام تداعيات اقتصادية وسياسية تتسارع على نحو لافت.
تصعيد وردٍّ اقتصادي عنيف
لم تتأخر بكين في الرد. فقد أوقفت واردات المأكولات البحرية اليابانية، وعلّقت دخول السياح الصينيين إلى اليابان—الذين يقدّر عددهم بنحو ثمانية ملايين سنوياً—في خطوة يُرتقب أن تُكبّد طوكيو خسائر قد تصل إلى 14 مليار دولار.
وتلوّح الصين أيضاً بورقة أكثر إيلاماً: وقف تصدير المعادن النادرة إلى اليابان، ما سيشكل ضربة موجعة لصناعات التكنولوجيا والسيارات اليابانية، التي تعتمد بشكل كبير على هذه المواد الاستراتيجية.
لماذا تصعّد الصين الآن؟
في مقابلة مع برنامج “بزنس مع لبنى“ على سكاي نيوز عربية، قدّم د. ساتورو ناغاو، كبير الباحثين في منتدى اليابان للدراسات الاستراتيجية، قراءة معمّقة لدوّامة التصعيد الراهنة.
اختبار الحكومة اليابانية الجديدة
يرى ناغاو أن تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية لم تكن مستفزة بحد ذاتها، بل جاءت في سياق الاضطراب المتصاعد حول تايوان الذي يلامس الأمن القومي الياباني مباشرة. لكنه يشير إلى أن الصين اختارت رفع منسوب التوتر.
ويؤكد أن بكين “ترغب في اختبار قدرات الحكومة اليابانية الجديدة”، وهي مقاربة سبق أن اتبعتها الصين في مواقف مشابهة، مستشهداً بأزمات وقعت في عام 2009 حين أطلقت الصين مقاتلاتها واحتجزت سجناء صينيين ثم اضطرت للاعتذار في إطار تصعيد مماثل.
ناغاو: العقوبات الاقتصادية الصينية لن تؤثر على اليابان
تنسيق ثلاثي: واشنطن – طوكيو – مانيلا
يشدد ناغاو على أن التحالف الأميركي–الياباني يعمل بانسجام كبير، لكن الأزمة تتجاوز الثنائية التقليدية لتشمل الفيليبين أيضاً. فالرئيس الفيليبيني ماركوس ألمح بدوره إلى خطورة الوضع خلال أغسطس، ما عكس مستوى القلق الإقليمي.
ويشير الباحث إلى أن الدول الثلاث نسّقت مواقفها دعماً لتايوان، في ظل قناعة مشتركة بأن الأزمة التايوانية ليست شأناً منفصلاً، بل “أزمة تخصّ اليابان”.
العقوبات الصينية… تأثير محدود ومؤقت
على المدى القريب، أدت الأزمة إلى موجة إلغاءات من السياح الصينيين المتجهين إلى اليابان. لكن ناغاو يصف هذه التأثيرات بأنها “غير خطيرة”، مستشهداً بحالة العقوبات الغربية على روسيا والتي أثبتت أن الاقتصادات تستطيع الالتفاف عبر دول وسيطة.
وبالقياس نفسه، يرى أن قدرة الصين على تقييد المواد النادرة ليست مطلقة، إذ تستطيع اليابان تصدير المواد عبر أسواق أخرى ثم إعادة استيرادها.
وبرغم كل ضجيج العقوبات، يخلص الباحث إلى أن الأثر الاقتصادي النهائي محدود، لأن الأزمة نفسها “لن تستمر إلى الأبد”.
تحوّل استراتيجي طويل المدى: اليابان تنفكّ عن الصين
الملاحظة الأهم، وفق ناغاو، ليست في التوتر الآني، بل في نتائج المدى الطويل. فطوكيو تعمل بالفعل على تقليص اعتمادها البنيوي على الصين، وهو توجّه يرى أنه سيستمر ويتسارع، بغضّ النظر عن المآلات المباشرة للأزمة الحالية.
العملات المشفرة.. سقوط يوقظ المستثمرين من غفلتهم

