بقلم: يورونيوز
نشرت في
علق الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال استقباله وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، محمد علي النفطي، على البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي، واعتبره “تدخلًا سافرًا في الشأن التونسي”. وأكد سعيّد أن تونس “دولة مستقلة ذات سيادة، ولن تقبل بأي جهة خارجية بالتدخل في شؤونها الداخلية”.
وأشار الرئيس إلى أن السيادة في تونس “للشعب”، موجهًا انتقاده لمن اعتبرهم “يتوهمون أنهم أوصياء على البلاد”، مؤكدا على ضرورة احترام الأعراف الدبلوماسية، ومطالبًا بالتعامل وفق القانون الدولي والمعايير الرسمية.
وجاءت تصريحات سعيّد ردًا على بيان البرلمان الأوروبي الذي أعرب فيه النواب عن قلقهم إزاء تدهور الحريات الأساسية في تونس، وخصوصًا قضية المحامية والصحفية سنية الدهماني، وطالبوا بالإفراج عنها فورًا وعن جميع المحتجزين في قضايا مشابهة، مع الدعوة إلى إلغاء المرسوم 54 الذي يعتبرونه أداة للتدخل في الحريات.
وذكر البرلمان أن القرار تم اعتماده بأغلبية 464 صوتًا مؤيدًا مقابل 58 معارضًا و75 امتناعًا، مؤكّدًا استمرار متابعة مؤسسات الاتحاد الأوروبي لوضع حقوق الإنسان في تونس، بما يشمل حماية المدافعين عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني وضمان استقلالية السلطة القضائية.
وقبل يومين، كان الرئيس سعيد قد استدعى سفير الاتحاد الأوروبي في تونس لإبلاغه احتجاجًا “شديد اللهجة”، معتبرًا أن “الالتزام بالضوابط الدبلوماسية لم يحترم خلال التعامل مع مؤسسات الدولة التونسية”، وذلك عقب لقاء السفير جوزيبي بيرّوني مع أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني ورئيس منظمة الأعراف سمير ماجول يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني، في ظل توتر متزايد بين اتحاد الشغل والسلطة التنفيذية حول “غلق قنوات الحوار ومحاولة الحد من دور المنظمة النقابية الاجتماعي”.
وعلق الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، على استدعاء الرئيس التونسي قيس سعيّد لسفير الاتحاد الأوروبي بتونس،مؤكدًا أن الاتحاد “يستغرب هذا الرد الانفعالي”.
وأشار الطاهري، في تصريح لإذاعة محلية، إلى أن زيارة الوفود الأجنبية للاتحاد لا تُعد أمرًا جديدًا، فهي تتم بناءً على طلب هذه الجهات سواء سفراء أو ممثلين عن بعثات دولية ومنظمات مدنية، بهدف الاطلاع على مواقف وآراء المجتمع المدني. وأضاف: “بالاطلاع على الأعراف الدبلوماسية والدولية، فإنه لا شيء يمنع ذلك، والاتحاد لا يتآمر ولا يعقد هذه اللقاءات بصفة سرية، وإنما تتم في مقر الاتحاد وبصورة معلنة”.
ونوّه الطاهري بأن السفير الأوروبي التقى سابقًا منظمات أخرى دون أن يثير ذلك أي رد فعل رسمي، إلا أن الانفعال ظهر فقط بعد لقاء الوفد مع اتحاد الشغل، مؤكدًا أن الأمر “يظهر محاولة حصار المنظمة ومنعها من التعبير عن آرائها والدفاع عن حقوق العمال ومقترحاتها لحل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في تونس”.
وفي ردها، ذكّرت المفوضية الأوروبية بأن “من المعتاد أن يتحاور الدبلوماسيون مع مجموعة واسعة من الفاعلين في بلد اعتمادهم، بما في ذلك منظمات المجتمع المدني، وهو جزء من مهامهم لتعزيز التعاون وتحسين جودة الحوار”، وفق ما صرح به المتحدث باسمها أنور العنوني خلال مؤتمر صحفي في بروكسل.
في سياق متصل، أصدرت محكمة تونسية للاستئناف، اليوم الجمعة، أحكامًا بالسجن تتراوح بين خمس سنوات و45 سنة بحق 40 من قادة المعارضة ورجال الأعمال وشخصيات إعلامية، بتهم “التآمر”، وفقًا لما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية التونسية.
وتعد قضية “التآمر على أمن الدولة” من أبرز الملفات القضائية المثيرة للجدل في تونس، إذ استندت إلى شهادات مجهولة المصدر، ويعود أصلها إلى فبراير 2023 حين صدرت بلاغات رسمية تفيد بأن مجموعة من الأشخاص كانت تخطط “للتآمر على أمن الدولة”، وفق رواية السلطة.
وتزامنت هذه القضية مع أزمة سياسية ودستورية متصاعدة عقب حل البرلمان عام 2021 وإعادة تشكيله، وتشمل الاتهامات نحو 40 متهمًا من المعارضة السياسية ومسؤولين سابقين بـ”قضايا تتعلق بالإرهاب، والتجسس لصالح أطراف أجنبية، والإضرار بالأمن الغذائي والبيئي، ونشر الفكر الماسوني”.
ومنذ تولي الرئيس قيس سعيّد السلطة الكاملة عام 2021 وإعلانه ما وصفه بـ”الإجراءات الاستثنائية”، تصاعدت الانتقادات الحقوقية المحلية والدولية، معتبرة أن الحريات العامة في تونس شهدت تراجعًا واضحا.
وتفاقمت الأزمة في تونس خلال الأسبوع الماضي مع اندلاع عدة مظاهرات احتجاجية في أنحاء البلاد، عبّر خلالها المحتجون عن غضبهم من تراجع الحريات، والمطالبة بتوفير فرص العمل، بالإضافة إلى الأزمات البيئية المتصاعدة، لا سيما في محافظة قابس جنوبي البلاد.

