بنك اليابان – العملة اليابانية
تزداد حساسية الأسواق العالمية تجاه أي إشارة تصدر من بنك اليابان، إذ ارتبطت تحركاته في السنوات الماضية بقفزات في التقلبات، خاصة المرتبطة بصفقات التمويل بالين التي تُعد من أكثر الاستراتيجيات انتشاراً في وول ستريت.
ومن ثم فإن مجرد التلميح لاحتمال رفع الفائدة اليابانية بات كافيًا لإعادة خلط الأوراق ورفع مستويات التوجس لدى كبار المستثمرين.
وكان محافظ بنك اليابان كازو أويدا قد أشار إلى احتمال رفع أسعار الفائدة، قائلاً إن البنك المركزي سوف يزن “الإيجابيات والسلبيات” في اجتماع السياسة المقبل في وقت لاحق من هذا الشهر، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء . وأدت تعليقاته إلى ارتفاع العائدات على السندات اليابانية لأجل عامين إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2008، حيث وضع المتداولون في الحسبان احتمالات بنسبة 76 بالمئة لرفع أسعار الفائدة.
تأتي هذه التطورات في لحظة دقيقة تتباين فيها اتجاهات السياسات النقدية بين اليابان والاقتصادات الصناعية الكبرى، ما يفتح الباب أمام تساؤلات حول تداعيات هذا المسار على العملات، والأصول عالية المخاطر، وتوازنات السيولة العالمية.
كما يثير المخاوف القديمة بشأن قدرة الأسواق على استيعاب أي صدمة جديدة في واحدة من أكثر الصفقات حساسية في أسواق المال.
الـ “كاري تريد”
في هذا السياق، يشير تقرير لـ “بيزنس إنسايدر” إلى أن بنك اليابان أثار مخاوف من تكرار موجة تراجع صفقات الـ”كاري تريد” على الين مع بداية الأسبوع، مجدداً القلق بشأن احتمال تشديد البنك المركزي لسياساته النقدية.
ويضيف التقرير:
- من المفيد التذكير بما حدث في أغسطس 2024، حين قفزت التقلبات بشكل مفاجئ بعد ارتفاع عوائد السندات الحكومية اليابانية، ما وضع المستثمرين الذين نفّذوا صفقات “الكاري تريد” على الين في موقف صعب.
- تقوم هذه الصفقات على الاقتراض بالين بأسعار فائدة منخفضة ثم تحويله إلى دولارات للاستثمار في الأصول الأميركية، مثل الأسهم. وعندما ترتفع الفائدة في اليابان، يُضطر المستثمرون إلى فكّ رهاناتهم الممولة بالرافعة المالية لتغطية تكاليف الاقتراض الأعلى.
- وقد خشي المستثمرون يوم الاثنين من أن يؤدي تحرّك بنك اليابان في سياسته إلى موجة جديدة من التقلبات، بعدما قال المحافظ كازو أويدا إن البنك المركزي سينظر في رفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل، مطلقًا إشارات أكثر تشددًا مما كانت تتوقعه الأسواق.
وتُسعّر الأسواق الآن احتمالًا بنحو 80 بالمئة بأن يواصل بنك اليابان -الذي أبقى تكاليف الاقتراض منخفضة لعقود- رفع أسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية لشهر ديسمبر.
موجة قلق
من جانبه، يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- تصريحات بنك اليابان أثارت موجة جديدة من القلق في الأسواق العالمية، خصوصاً بعد الإشارات التي ظهرت مؤخراً وتُشير إلى إمكانية التحرك نحو مزيد من التشدد في السياسة النقدية.
- هذه التطورات تعيد إلى الأذهان المخاوف من تكرار مشهد التصحيح في تجارة الـ “كاري تريد” أو تجارة الفائدة على الين، كما حصل في السنوات الماضية، حين تأثرت الأسواق بشكل كبير، بما في ذلك الأسواق الأميركية.
ويتابع: “لقد لاحظنا عودة هذه المخاوف في بداية هذا الأسبوع، رغم أن بنك اليابان يُعتبر من أكثر البنوك تدرّجًا في سحب التحفيز”.
ويؤكد أن مجرد الإيحاء بقرب رفع الفائدة أو خفض الدعم النقدي كان كافياً لزعزعة المراكز الاستثمارية الضخمة التي تعتمد على اقتراض الين بتكلفة منخفضة جداً واستثماره بعوائد مرتفعة حول العالم، وخصوصاً في الأسهم الأميركية.
ويشير صليبي إلى أن أي إشارة إلى تشديد السياسة النقدية تعني ارتفاعاً محتملاً في قيمة الين، وبالتالي زيادة تكلفة تلك المراكز، ما يدفع المستثمرين إلى تسييلها بسرعة لتفادي خسائر محتملة كبيرة.
ويشرح أن هذا التحرك ينعكس فوراً على الأسواق، إذ يؤدي ارتفاع تكلفة العملة اليابانية إلى تحركات حادة في زوج الدولار/ين، وضغط بيعي على الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم والعملات المرتبطة بالعوائد المرتفعة، مع ارتفاع الطلب على السندات العالمية مع توجه المستثمرين نحو الملاذات الآمنة في هذه المرحلة.
ويعتقد بأن الطلب على الين سيزداد، باعتباره ملاذًا تقليديًا خلال فترات إعادة التموضع، خصوصاً إذا تغيرت السياسة النقدية.
ويختم صليبي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بالتأكيد على أن مجرد التلميح من البنك المركزي الياباني كان كافياً لدفع الأسواق إلى إعادة تقييم مراكزها، خاصة أن المستثمرين يتذكرون جيداً ما حدث قبل عامين، ويدركون أن أي تغيير في سياسة بنك اليابان بعد سنوات طويلة من الفائدة السلبية والتحكم بمنحنى العائد ستكون له تداعيات عالمية تفوق حجمه المحلي.
كيف تتأثر الأسواق؟
ويشير تقرير لموقع “أكسيوس” الأميركي إلى أن الزيادة المحتملة في أسعار الفائدة من جانب بنك اليابان تؤثر على واحدة من أكثر الصفقات شعبية في وول ستريت: تجارة الين .
إن ارتفاع أسعار الفائدة اليابانية في الوقت الذي يخفض فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة من شأنه أن يحبط استراتيجية الاقتراض المستخدمة منذ فترة طويلة لشراء الأصول الخطرة مثل البتكوين والأسهم التكنولوجية.
وعلى مدى عقود من الزمن، كان المستثمرون يقترضون الين الياباني الرخيص ويستخدمونه لشراء أصول ذات عائد أعلى في الخارج، ويحتفظون بالفارق. وسيظل هذا النهج فعالاً طالما ظل الين ضعيفاً وظلت أسعار الفائدة اليابانية منخفضة.
ولكن هذا يتغير، حيث يدرس بنك اليابان رفع أسعار الفائدة في الوقت الذي من المتوقع فيه أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض آخر لسعر الفائدة، وهو ما يقرب أسعار الفائدة في البلدين من بعضها البعض.
عدم استقرار
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي أنور القاسم، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- إن ما يشهده الاقتصاد الياباني في المرحلة الراهنة يعكس حالة واضحة من عدم الاستقرار المالي نسبياً.
- المشهد الاقتصادي العالمي يسير في اتجاه مغاير تماماً لما تتخذه اليابان من سياسات نقدية.
- في الوقت الذي تتجه فيه معظم اقتصادات الدول الصناعية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، إلى خفض أسعار الفائدة وتخفيف التشديد النقدي، تمضي اليابان في الاتجاه المعاكس عبر رفع الفائدة ومواصلة التشدد في سياستها النقدية، وهو ما يزيد من حالة الإرباك في الأسواق.
- هذا الاضطراب، ورغم حدته، لم يمنع اليابان من تحقيق عوائد جيدة على مستوى أسواق الأسهم والسندات والمحافظ الحكومية.
ويشير إلى أن ثقة المستثمرين لا تزال قائمة، كما حافظ الين الياباني على قدر مقبول من الاستقرار، وهو ما يعكس قدرًا من المتانة النسبية في الاقتصاد الياباني رغم التحديات.
ويختم حديثه قائلا: “الاجراءات الجديدة ستصب في محاولة تهدئة السوق وتحقيق الانضباط المالي، في مرحلة اقتصادية صعبة على الصعيدين الوطني والدولي”.
المركزي الياباني.. آخر بنوك العالم التي تودع الفائدة السلبية

