بقلم: يورونيوز
نشرت في
صوّت مجلس الوزراء اللبناني اليوم الجمعة 26 كانون الأول/ديسمبر على مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع، ليصار إلى إقراره بأغلبية 13 وزيرا مقابل معارضة تسعة، في خطوة تمهّد لإحالته إلى مجلس النواب، وسط انقسام سياسي ومالي واسع حول آلية توزيع الخسائر الناتجة عن الأزمة المالية التي يعاني منها لبنان منذ العام 2019.
ويهدف المشروع، المعروف بقانون الفجوة المالية، إلى معالجة خسائر تُقدّر بنحو 70 مليار دولار، وهو يشكّل أحد الشروط الأساسية لأي اتفاق محتمل مع صندوق النقد الدولي، بعد سنوات من الخلافات حول كيفية مقاربة الانهيار المالي وتحميل المسؤوليات.
سلام: القانون ليس مثاليا لكنه ضروري
رئيس الحكومة نواف سلام أكد بعد جلسة مجلس الوزراء أن القانون لا يشكل حلا مثاليا ولا يلبي تطلعات جميع الأطراف، لكنه يمثل خطوة واقعية لا بد منها لوقف الاستنزاف المستمر وتنظيم الخسائر بدل تركها تتفاقم مع مرور الوقت.
وشدد سلام على أن الحكومة لا تقدم وعودا غير قابلة للتنفيذ، بل تتعامل مع واقع مالي قائم، محذرا من أن أي تأخير إضافي في إقرار القوانين الإصلاحية سيؤدي إلى مزيد من تآكل الودائع وتعميق الأزمة الاقتصادية.
آلية استعادة الودائع
وأوضح سلام أن صغار المودعين، الذين تقل ودائعهم عن 100 ألف دولار ويشكلون نحو 85 في المئة من الحسابات المصرفية، سيتمكنون من استرداد ودائعهم كاملة خلال فترة أربع سنوات، من دون أي اقتطاع.
أما المودعون الذين تتجاوز ودائعهم هذا السقف، فسيحصلون أولا على 100 ألف دولار، على أن يُعوّض الجزء المتبقي من ودائعهم عبر سندات قابلة للتداول، وفق آلية تهدف إلى توزيع الخسائر بشكل منظم.
وأكد سلام أن هذه السندات ليست بلا قيمة، كما يُروّج، بل هي مدعومة بإيرادات وأصول مصرف لبنان، التي تُقدّر محفظتها بنحو 50 مليار دولار، مشيرا إلى أن المودعين سيتمكنون من استرداد نسبة 2 في المئة سنويا من قيمة هذه السندات، مع إمكان تداولها في السوق.
الذهب والمساءلة والتدقيق الجنائي
وردا على الانتقادات التي طاولت المشروع، شدد سلام على أن القانون لا يتضمن أي مساس باحتياطي الذهب، مؤكدا الالتزام الصريح بالقانون الذي يحمي ذهب مصرف لبنان، ورافضا ما وصفه بالمعلومات المضللة حول بيع الذهب أو التفريط به.
كما أكد أن المشروع لا يشكل عفوا عن المرحلة السابقة، بل يتضمن للمرة الأولى آليات مساءلة ومحاسبة، تشمل كل من حوّل أمواله إلى الخارج قبل الانهيار مستغلا نفوذه أو موقعه، وكل من استفاد من الهندسات المالية أو من أرباح ومكافآت غير مبررة.
وأشار إلى أن هذه الآليات تتيح فرض تعويضات قد تصل إلى 30 في المئة من المبالغ المحوّلة أو الأرباح المحققة، في إطار السعي إلى تحميل المسؤوليات وعدم تحميل المودعين وحدهم كلفة الانهيار.
وأكد سلام التزام الحكومة باستكمال التدقيق الجنائي، مع إعادة إدراج هذا البند بشكل واضح في نص المشروع، انسجاما مع بيان الحكومة الذي نالت على أساسه الثقة.
إعادة هيكلة المصارف والثقة المفقودة
وفي ما يتعلق بالقطاع المصرفي، شدد سلام على أن لا تعافيا اقتصاديا من دون قطاع مصرفي سليم، لكنه أقر بأن الثقة بالمصارف تضررت بشكل عميق.
وأوضح أن هدف المشروع هو حماية المودعين وإعادة هيكلة المصارف من خلال تقييم أصولها وإعادة رسملتها، بما يسمح لها بالعودة إلى دورها الطبيعي في تمويل الاقتصاد المنتج، والحد من توسع الاقتصاد النقدي.
وأشار إلى أن كل يوم تأخير في إقرار القانون يعني مزيدا من تآكل الودائع وتراجع فرص الدعم الدولي، مؤكدا أن استعادة الثقة تشكل الركيزة الأساسية لأي مسار إصلاحي أو استثماري في المرحلة المقبلة.
مسؤولية الدولة ومصرف لبنان
وفي ما يخص ديون الدولة لمصرف لبنان، أوضح سلام أن الأرقام المتداولة ليست نهائية، وأن آلية ستُعتمد بين وزارة المالية والمصرف المركزي بعد استكمال التدقيق في الأصول.
وأكد أن الدولة ستتحمل مسؤوليتها في إعادة رسملة مصرف لبنان وفقا لقانون النقد والتسليف، في إطار توزيع منظم وواضح للخسائر، بعيدا عن الحلول الترقيعية.

