مراسلو الجزيرة نت
غزة- إذا فكرت في السير على بعد كيلو متر إلى الغرب من السياج الفاصل بين غزة ومناطق سيطرة الاحتلال الإسرائيلي قبل حرب عام 2014، فعليك أن تحسب خطواتك جيدا، فقد لا تعود حيا، أو تصاب برصاص قناص يصوّب تجاه كل ما يتحرك في المناطق الحدودية الأكثر سخونة.
وهذه المناطق كانت تراقبها فرقة عسكرية من الجيش الإسرائيلي تمنع أي مظهر مدني أو عسكري على الجانب الفلسطيني من السياج وبامتداد يزيد على كيلومتر.
بعد مرور 9 سنوات على الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة عام 2014، واستمرت 50 يوما، يستذكر المزارع منير حمدونة من سكان مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، كيف تسبب قناص إسرائيلي في إعاقة دائمة لشقيقه الذي استهدفه على الحدود الفاصلة بينما كان يعمل في أرضه.
وفي لقاء مع الجزيرة نت، عبّر حمدونة عن ارتياحه حيث تمكّن من الوصول إلى أرضه بعد سنوات عديدة من حرمانه منها وبعد الخوف على حياته التي قد ينهيها الرصاص دون تمييز بين مقاوم أو مزارع يمارس مهنته لأكثر من 40 عاما، وقد سمح له الوضع الجديد بزراعة أرضه والتنقل في تلك المناطق دون خوف.
شارع “العودة”
وصف المزارع الستيني الوضع ما بعد 2014 قائلا “أصبحنا نشعر بالأمن لأن نقاط الضبط الميداني التابعة للمقاومة تنتشر على طول الحدود وعلى شارع العودة.
ويطلق الغزّيون على هذا الشارع أيضا باللغة العامية “شارع جَكَر” -وتعني المعاندة وإقرار الشيء نكاية- وقد أقامته المقاومة الفلسطينية عقب العدوان على غزة عام 2014، والتي أسمتها إسرائيل عملية “الجرف الصامد”، وقابلتها المقاومة باسم “العصف المأكول”، وهي الحرب الأطول التي شنتها إسرائيل على القطاع وراح ضحيتها 2322 شهيدا.
يبلغ طول شارع “العودة” 64 كيلو مترا على امتداد الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، ويبعد عن السياج الإسرائيلي الفاصل مسافة بين 200 و300 متر، وبذلك يكون الشارع قد حدّ بشكل كبير من المنطقة الفاصلة التي فرضتها إسرائيل على مدار عقود على تخوم القطاع وجعلتها مقتلة للفلسطينيين وحقلا محفوفا بالمخاطر.
إذا ما تجولت بسيارتك على طول الشارع الممتد بمحاذاة السياج، ترى سكان تلك المناطق الحدودية يتجولون في حقولهم الزراعية، بينما تنتشر “قوات حماة الثغور” التابعة للمقاومة.
وتنتشر تلك القوات بالمئات على طول الحدود، وانتقلت بعيد الحرب إلى نقاط أكثر تقدما باتجاه السياج، في خطوة لتثبيت الوضع الجديد، مما مكن المواطنين من الذهاب إلى أراضيهم وزراعتها التي تقدر مصادر معنية مساحتها بعد شارع “العودة” بأكثر من 30% من مجموع مساحة الأراضي الزراعية في قطاع غزة.
وتلك المناطق الخضراء يقصدها في الأوقات الاعتيادية الهادئة فضلا عن المزارعين الكثير من رعاة الأغنام وصائدي الطيور دون قلق أو خوف.
نقاط الرصد
عطفا على ذلك، أنشأت المقاومة الفلسطينية نقاط رصد متعددة على طول حدود القطاع لمسافات قريبة جدا من الثكنات العسكرية لقوات الاحتلال.
وأوضحت المقاومة في العديد من المناسبات أنها أدت إلى تحقيق “أفضلية في السيطرة الأمنية والمعلوماتية للمقاومة الفلسطينية”، إضافة إلى أن هذه المواقع العسكرية أصبحت ملاصقة للجدار الذي أنشأته إسرائيل على امتداد تلك الحدود، وأكبرها “موقع فلسطين” التابع لكتائب القسام، أقصى شمال القطاع والمتاخم لمستوطنة “نتيف هعسراه” وموقع “إيرز” العسكري.
إحباط عمليات التسلل
في سياق متصل، قال أبو أحمد أحد ضباط قوات “حماة الثغور” التابعة للمقاومة للجزيرة نت: “وجودنا في مناطق التماس مع العدو يشكل صمام أمان لشعبنا في نقطة متقدمة على تخوم القطاع، إضافة إلى أننا نشكل عينا متقدمة للمقاومة لرصد تحركات العدو والإحباط المبكر لأي نية عدوانية تخريبية أو أمنية لقوات العدو”.
وأوضح قائلا “قمنا بإحباط أكثر من 1300 عملية تسلل عبر السياج الحدودي بين عامي 2016 و2022، وكانت تشكل خطرا أمنيا واجتماعيا على شعبنا، وتمكنا من ضبط الكثير من المشبوهين ومروجي المخدرات، بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في الأجهزة الأمنية”.
ولفت أبو أحمد إلى أن وجود “حماة الثغور” في تلك المناطق على امتداد شارع “العودة” “يقدم الدعم المعنوي واللوجستي والحماية للمزارعين وأصحاب الأراضي، ويسهّل حركة وتنقل المواطنين والمزارعين والرعاة وسكان المناطق الشرقية والشمالية في عموم القطاع”.
وبالعودة لأعوام مضت، فإن هذه الأراضي والمساحات الجديدة بين شارع “العودة” والسياج الفاصل، التي باتت مناطق آمنة نسبيا ويتحرك فيها الغزيون للعمل والتنزّه، هي ذاتها المناطق التي انطلقت عليها “مسيرات العودة” في 30 مارس/آذار 2018 في يوم الأرض.
ولجأ أهالي القطاع المحاصرين إلى هذه التظاهرة السلمية مطالبين بفك الحصار المفروض عليهم منذ عام 2006، واستمرت تلك المسيرات على مدار عام كامل، وانتهت بفرض تسهيلات إضافية لصالح سكان قطاع غزة.