تشير الأبحاث إلى أن جزءاً كبيراً من إدراك الإنسان يحدث خارج نطاق الوعي المباشر، فقد أظهرت دراسات واسعة في علم الأعصاب الاجتماعي وعلم النفس المعرفي أن الدماغ يعمل باستمرار على توقّع نوايا الآخرين، وتقييم الثقة والأمان، اعتماداً على المعلومات الحسية وإشارات الجسد، وغالباً ما يبدأ ذلك قبل أي تفكير واعٍ، وتعتمد هذه الآليات على مسارات عصبية سريعة تهدف إلى حماية الفرد وتحقيق الانسجام الاجتماعي، ولهذا السبب تسبق الاستجابات الجسدية عملية التفكير المتعمّد.
واللافت أن قوة هذا النظام ترتبط بدرجة الانتباه وليس بمستوى الذكاء، فبحسب دراسات حول الإحساس الداخلي والوعي العاطفي، يميل الأشخاص الذين يلاحظون الإشارات الجسدية الدقيقة، مثل تغيّر التوتر أو التنفّس أو وضعية الجسد، إلى اتخاذ أحكام أدق في ظروف يسودها الغموض، كما أن تجاهل هذه الإشارات لا يجعل القرارات أكثر عقلانية، بل يحرم الدماغ من معلومات يستخدمها فعلياً في الخفاء.
وتتمثل الخلاصة في أن صفاء التفكير لا يعني رفع صوته، بل توسيع وعيه ليشمل ردود فعل الجسد، فعندما تتعلق القرارات بالتعامل مع الآخرين أو بالمخاطر أو بعدم اليقين، فإن القدرة على قراءة الإشارات الفسيولوجية تعزّز الدقة وجودة الحكم والتحكم العاطفي. ولا يتعلق الأمر بمقارنة الحدس بالمنطق، بل بفهم الإدراك كما صُمم ليعمل.
