وُلد شكرالله مالويان في الثامن من نيسان/أبريل عام 1869 في مدينة ماردين التي كانت ضمن ولاية ديار بكر في الإمبراطورية العثمانية، وهو من أسرة أرمنية كاثوليكية. عندما بلغ الرابعة عشرة، أُرسل إلى معهد رهبنة السيدة مريم في بزمّار في لبنان لإكمال دراسته اللاهوتية والفلسفية حيث قضى فترة طويلة.
أنهى دراسته وعُمد للكهنوت في السادس من آب/أغسطس عام 1896، واختار لنفسه اسم «إغناطيوس» تكريمًا للقدّيس إغناطيوس الأنطاكي.
خدم بعد ذلك بين عامي 1897 و1910 في أبرشية الإسكندرية المصرية (الإسكندرية والقاهرة) كقسّ للرعية الأرمنية الكاثوليكية، ومن ثم انتقل إلى القسطنطينية (إسطنبول) كمساعد للبطريرك الأرمني الكاثوليكي.
في 22 تشرين الأول/أكتوبر عام 1911 رسِم رئيس أساقفة لماردين، لتبدأ خدمته في تلك الأبرشية التي كانت تضم مجتمعًا أرمنيًا كاثوليكياً في منطقة عرفت بتنوّعها الديني والعرقي.
النشأة والخدمة
ماردين (مسقط رأس المطران مالويان) كانت مدينة ذات طابع متعدد المذاهب، إذ تضم أبرشيات أرمنية كاثوليكية، سريانية كاثوليكية، أرثوذكسية، وغيرها، وكانت تقع في قلب ما يُعرف اليوم بشرق تركيا. خلال السنوات التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، ومع تصاعد التوترات السياسية في السلطنة العثمانية بعد ثورة الأتراك الشباب، بدأت أوضاع الأقليات المسيحية تتدهور تدريجيًا وبدأ الخطر يحوم حولهم.
الطريق إلى الشهادة
في مطلع شهر أيار/مايو، جمع المطران كهنته وأبلغهم بخطورة الوضع. في 3 حزيران/يونيو 1915، جرّ الجنود الأتراك المطران مالويان مكبلاً بالسلاسل إلى المحكمة مع سبعة وعشرين شخصية أخرى من الأرمن الكاثوليك. في اليوم التالي، احتُجز خمسة وعشرون كاهناً وثمانمائة واثنان وستون مؤمناً. خلال المحاكمة، طلب قائد الشرطة، ممدوح بك، من مالويان اعتناق الإسلام. أجاب بأنه لن يخون المسيح وكنيسته أبداً، كما أخبره أنه مستعد لتحمل جميع أنواع سوء المعاملة، وحتى الموت، وفي هذا ستكون سعادته. ضربه ممدوح بك على رأسه بمؤخرة مسدسه وأمر بإيداعه السجن. قيد الجنود قدميه ويديه، وألقوه أرضاً وضربوه بلا رحمة. مع كل ضربة، كان المطران يقول: “يا رب، ارحمني، يا رب، ثبتني”، وطلب من الكهنة الحاضرين الغفران. عندها، عاد الجنود إلى ضربه وخلعوا أظافر قدميه.
زيارة والدته
في التاسع من حزيران/يونيو، زارته والدته وبكت على حاله. لكن المطران الشجاع شجعها. في اليوم التالي، جمع الجنود أربعمائة وسبعة وأربعين أرمنيًا، وسلك الجنود مع القوافل الطريق الصحراوي.
مشهد لا يفسّر قبل الإعدام
شجع المطران أبناء رعيته على الثبات في إيمانهم، ثم ركع الجميع معه، ودعا الله أن يتقبلوا الشهادة بصبر وشجاعة. منح الكهنة المؤمنين الغفران. أخرج المطران قطعة خبز وباركها، وتلا كلمات القربان المقدس وأعطاها لكهنته ليوزعوها على الناس.
روى أحد الجنود هذا المشهد: “في تلك الساعة، رأيت سحابة تغطي السجناء، وفاحت منهم جميعًا رائحة عطرة. كانت على وجوههم ملامح فرح وسكينة”، إذ كانوا جميعًا سيموتون حبًا في يسوع. بعد ساعتين من السير، جائعين وعراة ومقيدين، هاجم الجنود الأسرى وقتلوهم أمام أعين إغناطيوس. بعد مذبحة القافلتين، جاء دور المطران مالويان. طلب ممدوح بك من مالويان اعتناق الإسلام مجددًا فأجابه بحزم: “لقد قلت لك إني سأعيش وأموت من أجل إيماني وديني. أفتخر بصليب إلهي وربي”. استشاط ممدوح بك غضبًا، فسحب مسدسه وأطلق النار على مالويان. قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، صرخ بصوت عالٍ: “يا إلهي، ارحمني؛ في يديك أستودع روحي”.
التكريم والقداسة
في 7 تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، وصف البابا يوحنا بولس الثاني المطران مالويان مباركاً باعتباره شهيداً «مات من أجل الإيمان» وأعلنه طوباوياً. وفي 31 آذار/مارس عام 2025، أعلن البابا فرنسيس إتمام الإجراءات الخاصة بتقديسه. وقد حدّد يوم أمس 19 تشرين الأول/أكتوبر 2025 موعداً لإعلان قداسة مالويان في حفل رسمي بساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان، برئاسة البابا ليون الرابع عشر.