العميد الركن عبد الله واكيم، كاتب وشاعر برزت موهبته الأدبية منذ أيام الدراسة، ولاقى تشجيعاً من أستاذه على فروضه وإلقائه المميز. خلال خدمته في صفوف الجيش اللبناني، بدأ بكتابة قصائد للجيش والوطن، ورثى زملاءه وأحبته. خص أيضاً الفنانين بكلمات أغاني، منهم وديع الصافي وسميرة توفيق وسلوى القطريب. أصدر مؤخراً كتاباً جديداً بعنوان “لي حبيبتان”، يركز فيه على الخواطر والحب. هو إبن الأرض ومتجذر فيها، ويشدد على أهميتها، متواضع، ومؤمن يكرر كلمات الشكر لخالقه، الذي منحه نعمة الكلمة.
موقع “الفن” إلتقى الشاعر والكاتب عبد الله واكيم، وكان لنا معه هذا الحوار.
أطلعنا على السبب الذي دفعك لإصدار كتاب خواطر في ظل ظروف قاسية يمر فيها لبنان؟
لا قدرة لي على تغيير مجرى الأحداث، ولكن الحياة تستمر. أصدرت خمسة كتب، و”لي حبيبتان” هو الكتاب الوحيد الذي يركز على الحب، والهدف منه هو إحداث خرق، يحمل الفرح في زمن كثرت فيه الأزمات. وقد ذكرت في مقدمة الكتاب: “أيها الأصدقاء في زمن اللامبالاة والأزمات المتراكمة والتقهقر الفكري، هلموا ندفن تعاستنا وأحقادنا وهمومنا جانباً، نخرج إلى الضوء والحرية، نتفيأ عطر القمر، ونشرب معاً نخب الحب”. وأنا أشكر الرب على نعمة الكلمة التي منحني إياها.
قلت في مقابلة سابقة لموقع “الفن”، أنك ستصدر كتاب “قوافل القداسة”، هل ما زالت الفكرة واردة؟
نعم، يفرحني أن أتمكن من إصداره، وقد خصصت له قصائد عن القديسة رفقا، والبابا القديس يوحنا بولس الثاني، والطفل يسوع، والقديسة تريزيا، والقديس نعمة الله الحرديني، والطوباوي إسطفان نعمة، وكلها قصائد ليست مرنمة ولا مغناة، إلى جانب قصائد عن الجيش اللبناني، غناها الفنانون إيلي شويري ووديع الصافي وغسان صليبا وسميرة توفيق وطوني كيوان ونهاد طربيه وسيمون عبيد وغيرهم. ونعمة الكتابة عن الجيش والقديسين، هي قمة العطاء، وأنحني أمام عظمة الرب، لأنه يعطينا الكلمة بهدف تجميل الأشياء وتحسينها.
متى برزت موهبتك في الكتابة والشعر؟
في نهاية فترة الدراسة الإبتدائية، شجعني أستاذ اللغة العربية من خلال ملاحظاته على فروض الإنشاء، وخلال إلقائي الإستظهار في الصف، ما شجعني على التنبه لموهبتي، وتنمية شخصيتي. خلال فترة خدمتي في الجيش، بدأت بالكتابة تدريجياً. وعندما تقاعدت، قررت أن أجمع ما كتبت من رثاء لضباط في الجيش وجنود وأحبة رحلوا، وقصائد حب وخواطر، عن الوطن والطبيعة والمواضيع الإجتماعية، على سبيل المثال كتابي “أسرعوا صوتوا…شعبي يعشق جلاديه”، الذي صدر عام 2013، ومحتواه ينطبق تماماً على الواقع الذي نعيشه في الوقت الحاضر.
من الواضح أن موهبة الشعر والكتابة لديك كانت متقدمة جداً، لاسيما أنك كنت ضابطاً في فترة شهدت على حروب.
صحيح، لذا أصر على أنها موهبة من الرب، والضابط إنسان له مشاعره، لكن الفارق الوحيد هو قدرة التعبير، وهي نعمة لا يملكها الجميع. إبداعية الكلمة يعطيها الخالق، وقد أعبر بكلمتين عن فكرة معينة، فتنال إعجاب المستمعين. لقد قدمت للفنان ملحم زين “شو جابك ع حينا يا صغيرة”، وللفنانة سلوى القطريب “شو حلوة الغبرة على تيابك”، وإقترح أحدهم أن تخصص قيادة الجيش لي مكتباً، لأكتب فقط، وهذا وسام أفتخر به. الكتب التي أصدرها أبيعها فقط لسبب واحد، وهو لتغطية كلفة الطبع، ولو سمحت لي الظروف، لا أتردد بتقديمها لمن يرغب.
هل من الممكن أن نرى نوعاً مختلفاً من الإصدارات للعميد عبد الله واكيم؟
الأمر يتوقف على الإلهام، وقد يكون عن السياسة بمنحاها الجميل، لأن من واجبات الشاعر أن ينبّه إلى المخاطر المحدقة بالوطن، لاسيما أن الشعراء كان لهم دور لافت خلال الثورات في العالم، على سبيل المثال الثورة الفرنسية وغيرها، وساهم حينها الشعراء في إطلاق مبادئ سامية، ودعوا للتوجه إلى الأعمال الخيّرة.
عنوان كتاب “لي حبيبتان” جريء ومتميز، فالعادة جرت أن يعترف الرجل بحبيبة واحدة، ما تعليقك؟
صحيح العنوان غريب، وسأقول لك السبب، ومن هي الحبيبة الثانية: “كتبت لي أمي تقول أمس زارتني صبية وإشتكت، عاتبتني يا أمي وبكت، قالت سلخوه عني، فزادت هماً على همي، وكتبت أنا إلى أمي بلغيها، قولي لها الأمر بعد ما إنتهى، أحببتها، ولم نزل كأني كأنها، لا تسمعي حبيبتي، أنا قد هجرت الليالي، كرهت الجمال، سئمت الحياة بلا جهاد، وجئت النار والمدفع، جئت أقاتل، وفي يدي القنابل، ألتحم السماء، سريري الخندق، وجهك الضياء. يا حبنا الأزرق لبناننا يحتاج لفتية تغامر، لن يطفأ السراج، من غيرنا سياج، فلتصدح الحناجر. لا تدمعي حبيبتي، غداً أعود إليكِ بهدية أسمر الوجه، مع قُبل شهية، قد تغارين منها يا شقية، أنا لي حبيبتان، أنتِ والبندقية”.
كيف يمكن تصويب الإنهيار الفكري الذي نشهده؟
أنا أقول أعطني إنساناً قبل أن تعطيني وطناً، هناك العديد من الأخطاء التي إرتكبت، فالإنسان ضعيف، ويجب تزويده بالأخلاق والقيم. الوطن يبقى، وعلى الإنسان أن يتقن التصرف. وأنا آسف لإلغاء خدمة العلم للشباب والصبايا، لأنها وسيلة لتدريبهم على فكرة الشراكة في الوطن، وأهمية إدارة المنزل بالنسبة للشابات، هي أهم من كل العلوم. لذا إلتحاق الشاب، بعد إتمام دروسه، والخضوع لتدريبات عسكرية وتلقينه العادات الطيبة، تساهم ببناء وطن، وإلا عبثاً يتعب البناؤون. وأنا أشدد على مبدأ المحاسبة “إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا”. إقترحت خلال لقاء إعلامي إلغاء الدستور، وتعليم أغاني وديع الصافي التي تتناول الوطن والأرض والإبن، وعلاقة الإنسان بالأرض، ولا بد من التذكير بمساوئ بُعد الإنسان عن الأرض. وأود أن أشير إلى أن الهاتف الخلوي له حسنات وله سيئات، فأصبح التركيز على جهاز صغير بين اليدين. وأتمنى أن يمنح الرب شعب لبنان والسياسيين الوعي، ليصل لبنان الجميل بشعبه وطبيعته وبيئته وإنسانه إلى بر الأمان، وتحياتي إلى موقع “الفن” الكريم.