يبرع الممثل السوري خالد القيش في تقديم أدوار مركبة ومتنوعة، ليؤكد في كل مرة أنه ليس مجرد ممثل يؤدي النص، بل هو فنان حقيقي يغوص في عمق الشخصية، ويعيد تشكيلها بروح فريدة لا تشبه إلا ذاته.
في “حارة القبة”، قدّم القيش شخصية غازي بيك، الرجل المستبد الذي يحكم قريته بالظلم والقسوة، وتمكن من تجسيد هذا الطغيان بهدوء قاتل، فكرهه الجمهور من شدة إقناعه بالدور، ونجح في جعل الاستبداد ملامح تُقرأ على وجهه.
ثم ننتقل إلى “كسر عضم”، حيث لعب دور الرائد مروان، رجل القانون الملتزم الذي يدرك مسؤولياته ويصونها، هنا نرى النقيض الكامل لغازي بيك، ومع ذلك لم نشعر بأي تناقض في أدائه، بل رأينا فصلاً جديدًا من قدراته التمثيلية العالية.
في مسلسل “للموت”، جسد شخصية باسل، الرجل التائه الذي فقد حبيبته وفقد معها توازنه، ولم يحتج إلى كثير من الكلمات، فحزنه كان ناطقًا في ملامحه، وسكونه كان أبلغ من أي حوار.
أما في “المهرج”، فقدّم شخصية خليل، الإعلامي الباحث عن الحقيقة وسط فوضى من الضياع المهني والأخلاقي، شخصية مليئة بالتساؤلات والاضطراب، جسدها بحس إنساني عالٍ ومصداقية لافتة.
وصولًا إلى مسلسل “آسر”، الدور الذي اختصر كل ما سبق من تنوّع وغنى تمثيلي، شخصية معقدة، مشحونة بالصراعات الداخلية، التي تخلت عن القيم والأخلاق بهدف خدمة المصالح الخاصة، وتحقيق الأمنيات، والخروج من بؤرة الفقر التي كان يعيش فيها، فقدمها بأداء متقن يرسخ مكانته كأحد أعمدة الدراما السورية المعاصرة.
كل هذه الشخصيات، بكل اختلافاتها وتفاصيلها، تؤكد على قدرة القيش الفريدة في الانتقال السلس من شخصية إلى أخرى، من دون أن يفقد شيئًا من الصدق أو العمق، وهذا ما جعل قناعتنا تتعمق أكثر فأكثر بأننا أمام ممثل من طراز نادر، قادر على إبهارنا في كل مرة.
القيش ليس فقط ممثلًا بارعًا، بل مدرسة في الأداء، ورمز للتمثيل النقي الذي لا يُجامل ولا يتكلف، يمتلك موهبة ناضجة، حضورًا لافتًا، وعقلاً فنياً يُحسن قراءة الدور بذكاء، ويمنحه بُعدًا إنسانيًا حقيقيًا، وفي كل عمل يشارك فيه، يرفع من مستوى النص، ويرتقي بالمشهد، ويترك بصمته فيه. بإختصار هو ممثل يُراهن على نجاحه في كل مرة من دون تردد.