بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
أفاد تقرير لـ “ناشونال جيوغرافيك” أن حفريات حديثة أشرفت عليها مؤسسة القصور الملكية التاريخية في برج لندن التاريخي كشفت عن آثار تعود إلى العصور الوسطى، موفرة رؤية فريدة عن حياة سكان البرج في ذلك الوقت. وتعد هذه العمليات أكبر الحفريات العامة في البرج منذ أكثر من 20 عامًا.
وقد تركزت الحفريات على كنيسة “القديس بطرس في الأغلال” (Saint Peter ad Vincula)، وهي كنيسة أبرشية داخل البرج.
ويعد برج لندن، المطل على نهر التايمز، من أعرق المواقع التاريخية في البلاد، التي يلفها الغموض. فقد شهد تحولات كبيرة منذ سبعينيات القرن الحادي عشر، شملت الثورات والطاعون، وسكنه العديد من الشخصيات المثيرة للجدل، بعضهم بقي فيه تحت الإقامة الجبرية. كما شهد أحداثًا غريبة، مثل اختفاء اثنين من أمراء بلانتاجنيت الصغيرين.
أهمية البرج
يقول التقرير إن نتائج الحفريات، لا تزال تخضع لمزيد من الفحوص في جامعة كارديف، لكنها تكشف تفاصيل جديدة حول أقدم ألغاز برج لندن، مقدمة رؤية شاملة عن حياة سكان لندن في العصور الوسطى داخل القلعة، بما فيهم الأثرياء، الذين كانوا يزورون الكنيسة للتضرع، إضافة إلى العادات الجنائزية في تلك الفترة، وأسلوب دفن ضحايا الطاعون تحت أرض البرج.
ويقول ألفريد هوكينز، أمين المباني التاريخية في البرج وقائد الحفريات لـ”ناشونال جيوغرافيك”: “النظر إلى برج لندن كما يراه الزوار قد يكون مضللاً بعض الشيء، فهو يبدو نظيفًا ومنظمًا للغاية، لكن هذا نتيجة أسلوب العرض والتنظيم الذي تم تبنيه في العصر الفيكتوري.”.
وكان الأمير ويليام الفاتح قد أمر ببناء البرج بعد فترة وجيزة من انتصاره التاريخي عام 1066، كجزء من جهوده لتثبيت السيطرة النورمانية على إنجلترا.
ولسنين، أعتبر البرج رمزًا للقوة الملكية، وجعله موقعه الاستراتيجي وبناؤه المنيع ملاذًا مثاليًا للملك في أوقات الاضطرابات، مثل ثورة الفلاحين عام 1381، حين فر ريتشارد الثاني إليه طلبًا للحماية.
كما كان سجنًا للشخصيات الرفيعة، مثل الملك هنري السادس في القرن الخامس عشر، الذي توفي فيه في ظروف مشبوهة.
وبالإضافة إلى ذلك، كان البرج مركزًا إداريًا لإنجلترا بأكملها، حيث احتوى على دار السك الملكية التي أنتجت جميع عملات البلاد لقرون طويلة.
وطوال الفترات المضطربة، بقيت “كنيسة القديس بطرس في الأغلال” مكان مخصصا للعبادة. وعن ذلك يقول هوكينز: ” العديد من مباني البرج الأخرى خدمت أغراضًا متنوعة، من المخازن والسجون إلى المساكن وحتى بيت للفيلة، بينما ظلت الكنيسة دائمًا كنيسة أبرشية لسكان الحصن. ويضيف هوكينز: “نظرًا لأهمية الدين بالنسبة للناس، يمكن من خلال دراسة هذا المبنى معرفة قصص جميع عناصر الموقع المختلفة”.
ويشير هوكينز إلى أن الحفريات كشفت على الأرجح أربعة مبانٍ من العصور الوسطى ذات مكانة عالية، وهي الكنائس السابقة التي بُنيت فوق بعضها البعض.
وقد امتدت الحفريات إلى حوالي 10 أقدام، وشملت نحو 650 قدمًا مربعًا من الأتربة، وهو أمر نادر، إذ عادةً لا يُحفَر أكثر من 12 بوصة. وقد وصل علماء الآثار إلى طبقات تعود إلى أوائل القرن الثالث عشر.
نتائج الحفريات
ويقول هوكينز: “إنها فرصة نادرة جدًا للحصول على هذه المعلومات.” وقد عثروا على عناصر مرتبطة بمعظم جوانب حياة الإنسان، من قطع المجوهرات إلى شظايا الزجاج الملون، وحتى أجزاء نادرة جدًا من أغطية الدفن. عادةً ما يصعب الحفاظ على الأنسجة، إلا أن ظروف الطين ساعدت على بقائها”. وسيكشف الفحص الإضافي عن طريقة نسج القماش وصنعه، موضحًا ممارسات الدفن في تلك الفترة.
كما اكتشف علماء الآثار 22 فردًا كاملًا وكمية كبيرة من البقايا العظمية، تعود من القرن الثالث عشر حتى السادس عشر، وتشير الأدلة إلى أن العديد منهم كانوا من ذوي المكانة العالية، إذ دفن معظمهم في توابيت بدلًا من الأغطية المعتادة.
ويشرح هوكينز: “عادةً، من يُدفن بالقرب من الكنيسة يكون أكثر أهمية، ومن يُدفن داخل الكنيسة يكون أهم بكثير، ومن يُدفن تحت المذبح يكون الأهم على الإطلاق”.
تم اكتشاف زوج من أواني البخور الجنائزية يُعتقد أنها تعود إلى الفترة بين 1150 و1250، وهو اكتشاف نادر جدًا، إذ لم تكن عادة وضع أواني جنائزية شائعة في إنجلترا، ولم يتم العثور على أمثلة مشابهة سوى مرتين فقط في البلاد، في أكسفورد واسكتلندا. ويشير هذا الاكتشاف إلى أن الشخص المدفون قد يكون من شمال فرنسا أو الدنمارك، حيث كانت هذه العادة أكثر شيوعًا.
من بين الألغاز التي يسعى الباحثون إلى حلها هو معرفة أصل عمال برج لندن. ويتساءل هوكينز: “هل كان مجتمع برج لندن ثابتًا، أم مجرد تجمع مؤقت لأشخاص يأتون من أماكن مختلفة؟”
كما سيكشف التحليل الإضافي ما إذا كان بعض الأثرياء المدفونين في الكنيسة قد توفوا نتيجة الموت الأسود الذي اجتاح لندن بدءًا من عام 1348.
ويعلق ريتشارد مادغويك قائلاً: “الأمر ليس مجرد حفرة في الأرض، بل إمكانية لفهم حياة الناس وأنشطة البرج، وكذلك التكنولوجيا والتجارة والاتصالات عبر إنجلترا وربما أبعد من ذلك، أمر مذهل للغاية”.