منذ الحلقات الأولى من مسلسل “ما تراه ليس كما يبدو” يتضح أنه ليس مجرد دراما عابرة، بل تجربة بصرية ونفسية تضع المشاهد أمام مرايا متعددة تعكس وجوهاً للحقيقة قد لا نراها في حياتنا اليومية، كل حكاية من الحكايات السبع جاءت كرحلة قصيرة، لكنها عميقة، تحمل في طياتها سؤالًا فلسفياً أو إنسانياً، وتجعلنا نعيد النظر فيما نعتقد أنه بديهي.
في “فلاش باك” مثلًا، نغوص مع المحقق الجنائي في متاهات الماضي لنكتشف أن الذاكرة ليست دائمًا أمينة، وأن ما نخزّنه من صور قد يكون سلاحًا ضدنا، أما “بتوقيت 2028” فتطرح رغبة الإنسان بتغيير الزمن وهوسه به، لتذكرنا بأن العبث بخيوط القدر يفتح أبوابًا لا تُغلق، وفي “Just You” نشهد صراعات داخلية بين الفرد ونفسه، حيث العزلة تتحوّل إلى مرآة تكشف هشاشتنا.
أما “هند”، فهي ليست مجرد اسم، بل رمز لشخصية غامضة تُحملنا على التساؤل: هل نعرف فعلًا من حولنا أم أننا نكتفي بما يظهر منهم؟ بينما “ديجافو” تُلقي بنا في حلقة زمنية مربكة، حيث يتكرر المشهد وكأن الواقع يختبر وعينا، وفي “الوكيل”، نجد أنفسنا وسط لعبة مصالح وضغوط، حيث يتصارع الضمير مع المكاسب، لتأتي “نور مكسور” في الختام كصرخة إنسانية، تحاول لملمة بقايا الأمل من تحت الركام.
ما يلفت النظر أن كل حكاية، على اختلاف موضوعاتها، تعود بنا إلى المعنى الأكبر: الحقيقة ليست دائمًا كما نراها، وأن المظهر قد يخفي عمقًا موجعًا أو جمالًا غائبًا، الإخراج دعم هذه الفكرة بجرأة، عبر زوايا تصوير تثير القلق، وموسيقى عززت توتر الأحداث وأحاطتها بهالة من الغموض، أما الأداء التمثيلي فقد تراوح بين الجيد والمتقن، لكنه في مجمله نجح في نقل الصراع النفسي بصدق.
باختصار، ما تراه ليس كما يبدو ليس عملاً للمتابعة العابرة، بل تجربة تترك أثرًا، وتمنحك فرصة لإعادة التفكير في واقعك، لتكتشف أن وراء كل ابتسامة سرًّا، وخلف كل مشهد رواية لم تُحكَ بعد.