يتخيّل العلماء أن مساكن رواد الفضاء الأوائل على المريخ قد تُبنى من تربته مباشرة، لا من وحدات تُشحن من الأرض، وذلك بفضل أسلوب جديد يوظّف بكتيريا قادرة على تحويل الريغوليث إلى مادة صلبة تشبه الخرسانة.
هذا التصوّر طوّره فريق من جامعة البوليتكنيك في ميلانو، الذي اقترح نظاماً ميكروبياً مزدوجاً يعمل بصورة تكافلية لإنتاج ما يسمّونه “الإسمنت الحيوي”.
يفسّر الباحثون في دراستهم الصادرة في 2 كانون الأول/ديسمبر أن الاعتماد على مواد محلية هو الخيار الأكثر واقعية، إذ إن نقل كيلوجرام واحد من مواد البناء من الأرض يُعدّ مكلفاً بشكل هائل، بينما بناء موطن كامل سيكون شبه مستحيل في ظل التكاليف المهولة والظروف المريخية القاسية، من غلاف جوي رقيق ودرجات حرارة منخفضة إلى إشعاع كوني دائم. لذلك تُصبح الاستدامة والاعتماد على الذات مطلبين أساسيين لأي وجود بشري طويل الأمد على الكوكب الأحمر.
ويستند النهج الجديد إلى التمعدن الحيوي، وهي عملية طبيعية أسهمت في تشكيل تضاريس الأرض لدهور طويلة، حيث تعيد الكائنات الدقيقة تدوير المعادن عبر نشاطها الحيوي. استلهم الفريق هذه الفكرة من ميكروبات معروفة بقدرتها على العيش في بيئات شديدة القسوة، كالتربة البركانية والبحيرات الحمضية، على أمل أن تعمل بالطريقة نفسها في بيئة مريخية.
وبناءً على معلومات مركبات المريخ الجوالة حول تركيب الريغوليث، اختبر الباحثون أساليب متعددة للتعدين الميكروبي قبل أن يستقروا على الإسمنت الحيوي كخيار أمثل. وتقوم بكتيريا Sporosarcina pasteurii وChroococcidiopsis بإنتاج كربونات الكالسيوم في ظروف بسيطة، ما يمكّنها من ربط حبيبات التربة وتحويلها إلى مادة بناء متماسكة. وتتميّز البكتيريا الأخيرة بقدرتها على تحمل الإشعاع فوق البنفسجي وانخفاض الرطوبة، إضافة إلى قدرتها على إنتاج الأكسجين وتوفير طبقة واقية لشريكتها، بينما تقوم Sporosarcina pasteurii بالجزء الأكبر من عملية الترسّب المعدني.
هذا النظام الميكروبي يشكّل دائرة شبه مغلقة؛ فالأكسجين الناتج قد يدعم أنظمة الحياة، ويمكن استثمار النواتج الثانوية في الزراعة، ما يمنح المشروع بُعداً عملياً يتجاوز كونه مجرد تجربة مختبرية. غير أن التطبيق النهائي ما يزال معلّقاً، خصوصاً بعد تأجيل مهمة إعادة عينات ريجوليث حقيقية من المريخ لإجراء الاختبارات على تربة غير افتراضية.
ورغم هذه العقبات، يرى العلماء أن هذه الخطوة قد تكون بداية تأسيس بيئة مريخية قادرة على دعم البشر، باستخدام أبسط أشكال الحياة على الأرض لبناء موطن خارجها. الدراسة المنشورة في مجلة Frontiers in Microbiology تشير إلى أن مستقبل الاستيطان البيولوجي للكوكب الأحمر بدأ فعلياً بالتكوّن.
