أعاد المرشح الجمهوري في الانتخابات الأميركية، الرئيس السابق دونالد ترامب، تعهداته بإجراء أكبر حملة ترحيل للمهاجرين غير الشرعيين في تاريخ الولايات المتحدة، وذلك خلال خطابه الأخير قبل أيام قليلة من يوم حسم الانتخابات الأميركية في الخامس من نوفمبر المقبل، وهو ما أثار المخاوف بشأن نشوب أزمة عمالة كبيرة، لا سيما في قطاع البناء، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف السكن والأجور.
تقرير نشره موقع “بيزنس إنسايدر” سلط الضوء على تعهد الرئيس السابق ترامب بقيادة حملة ترحيل جماعي بمجرد انتخابه، متوقعًا أن يؤدي ذلك إلى نقص كبير في القوى العاملة للبنائين، مما يزيد من الأجور والتكاليف.. واستعرض التقرير كيف يمكن أن تؤثر خطط ترامب على سوق العمل وتجعل المنازل أكثر تكلفة للمشترين.
أشار التقرير إلى أن الترحيل قد يشمل ما يصل إلى 1.2 مليون شخص، على الرغم من أن ما يصل إلى 11 مليون مقيم غير مسجل يعيشون في البلاد، بحسب تقديرات.
وذكر أنه بينما لا يزال هناك مجال للنقاش حول جدوى هذه الخطة، فإن هناك رأياً شائعاً يشير إلى أن تفريغ مفاجئ للقوى العاملة المهاجرة قد يعيق بشكل كبير البناء في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تفاقم مشكلة عدم القدرة على تحمل تكاليف الإسكان.
ونقل بيزنس إنسايدر عن الرئيس التنفيذي للرابطة الوطنية للبناء، جيم توبين، قوله:
- إذا شهدنا طردًا جماعيًا، أعتقد بأنه سيكون له تأثير مخيف على سوق العمل.
- إن المهاجرين هم عنصر حيوي في الصناعة، حيث يساعدون في تخفيف نقص كبير في العمالة الماهرة.
ولفت التقرير إلى أن تقارير معهد بناء المنازل تشير إلى أن العمال المولودين في الخارج، الذين يمثلون ما يصل إلى ثلث قوة العمل في هذا القطاع، غالبًا ما يتركزون في حرف محددة مطلوبة لبناء المنازل، مثل القوالب والتركيبات الجافة.
وقال توبين: “نرى دائماً بيانات حكومية تُظهر أننا نفتقر إلى ما بين 200 ألف و400 ألف عامل في صناعتنا، وأن نقص العمالة الماهرة يبطئ وتيرة البناء، ويزيد من تكاليف العمالة، مما يؤدي في النهاية إلى ارتفاع أسعار المنازل، وتباطؤ وتيرة بناء المنازل”.
كيف ردت حملة ترامب؟
حملة ترامب ردت على هذا الأمر؛ ففي مقابلة حديثة مع “نيويورك تايمز”، جادل المرشح لمنصب نائب الرئيس، جي. دي. فانس، بأن هناك عددًا كافيًا من العمال الأميركيين القادرين على ملء هذه الفرص.
وأشار إلى أن “هذا أحد الأشياء المجنونة التي أعتقد بأن الهجرة غير الشرعية تفعلها في مجتمعنا، حيث تجعلنا نفكر أنه لا يمكننا بناء منازل إلا بواسطة المهاجرين غير الشرعيين”.
نتائج الدراسات
وبيّن التقرير أن دراسة لمعهد جورج بوش في العام 2022 وجدت أن المناطق الحضرية في الولايات المتحدة التي شهدت أعلى نمو في عدد السكان المهاجرين سجلت أدنى تكاليف للبناء.
- تشير التجارب التاريخية إلى أنه في غياب هؤلاء العمال، من المحتمل أن ترتفع تكاليف الإسكان.
- وفقاً لدراسة صدرت في وقت سابق من هذا العام، ارتفعت أسعار المنازل في المقاطعات المتأثرة بعمليات الطرد من 2008 إلى 2014، حيث أدت “برنامج المجتمعات الآمنة” إلى طرد أكثر من 300 مهاجر غير موثق خلال تلك الفترة.
بينما تشير حملة ترامب إلى أن تشديد الهجرة سيساعد في تخفيف مشكلة عدم القدرة على تحمل تكاليف الإسكان من خلال إزالة مصدر واحد من الطلب.
الهجرة ليست السبب
بينما تجادل مؤسسة Center for American Progress بقولها إن صعوبة العثور على مسكن بأسعار معقولة لدى الأميركيين لا تعزى إلى الهجرة. ولو كانت هذه الصعوبة قائمة على الهجرة، لتوقعنا أن تكون الزيادات الكبيرة في تكاليف الإسكان مرتبطة بشكل إيجابي بزيادات في عدد العمال المولودين في الخارج في قوة العمل، لأن الدخل ضروري لدفع تكاليف السكن.
ولكن هذا الارتباط غير موجود. ففي حين اتجه عدد العمال المولودين في الخارج إلى الارتفاع منذ عام 2014، فإنه لم يواكب التغيرات في تكاليف الإسكان. ويتضح هذا من البيانات التي تقارن نمو أسعار المساكن بالتغيرات في عدد العمال المولودين في الخارج في قوة العمل، والتي نشرتها المؤسسة.
- بعد الركود الاقتصادي في العام 2020، ارتفعت أسعار المساكن بشكل كبير، في حين انخفض عدد العمال المولودين في الخارج.
- لم يعد عدد العمال المولودين في الخارج إلى مستواه قبل الركود إلا في نوفمبر2021، بعد أن بدأت الزيادات السريعة في الأسعار.
- في أبريل 2022، بدأ معدل نمو أسعار المساكن في الانخفاض بشكل حاد، على الرغم من استمرار ارتفاع عدد العمال المولودين في الخارج.
- ومع ارتفاع عدد العمال المولودين في الخارج بحلول العام 2024، انخفض معدل الزيادة في أسعار المساكن إلى ما دون المستويات المسجلة منذ عام 2014، عندما كان عدد العمال المولودين في الخارج أقل بكثير.
التعريفات
وفي سياق متصل، ذكر تقرير “بيزنس إنسايدر” أنه في الوقت نفسه، تدفع منصة ترامب أيضًا مبادرة سياسة أخرى من غير المرجح أن تساعد في خفض تكاليف الإسكان، وهي الرسوم الجمركية، حيث وعد المرشح برفع الرسوم على جميع الواردات إلى الولايات المتحدة، مما قد يصل إلى 60 بالمئة على الواردات الصينية.
ونقل التقرير عن توبين قوله: “إذا كنت ستضيف رسوماً على مواد البناء، فإن هذه التكلفة ستنتقل ببساطة إلى مالك المنزل أو المستأجر”، مشيرًا إلى عدم وجود دليل على أن الرسوم الجمركية ستزيد بشكل كبير الإنتاج في الولايات المتحدة.
القطاعات الأكثر تأثراً
من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن حملة الرئيس السابق دونالد ترامب على الهجرة والمهاجرين ليست بالجديدة، مرجحًا أن الهدف منها هو استقطاب فئة معينة من الأميركيين، وتصدير صورة تفيد بأن المهاجرين يأخذون أماكن وفرص الأميركيين.
وأشار إلى أنه كان هناك مشروع قانون لتحسين حياة المهاجرين وتقنين أوضاعهم، ولكن بعد أن وافق مجلس النواب على هذا المشروع، دعم ترامب أنصاره داخل مجلس الشيوخ والنواب لوقف هذا مشروع القانو، مشدداً على أن هناك قطاعات كثيرة داخل الولايات المتحدة الأميركية لا تعمل دون مهاجرين وتتأر بهم، منها على سبيل المثال:
- القطاع الزراعي، لا سيما وان جمع المحاصيل الزراعية يحتاج إلى أيدي عاملة كثيرة خاصة في ولايات مثل تكساس وكاليفورنيا وفلوريدا، حيث يعتمد هذا القطاع بشكل كبير على المهاجرين خاصة وأن الأميركيين لا يعملون فيه بالشكل المطلوب.
- الصناعات الخدمية في الفنادق والمطاعم، فعلى سبيل المثال في مدينة نيويورك التي تعتمد بشكل كبير على المهاجرين من أميركا الجنوبية.
- قطاع تكنولوجيا المعلومات لم يقتصر فقط العمل به على المهاجرين لكن هناك عدد كبير من التأشيرت التي يتم إصدارها وتمنح لهذا القطاع كل عام لاستقطاب العقول سواء من الهند وغيرها.
وأوضح أن تعهد ترامب بقيادة أكبر حملة طرد في تاريخ الولايات المتحدة إذا أعيد انتخابه، لن يحدث عملياً، معللاً ذلك بأنه يحاول استخدام مثل تلك الدعوات في الحملة الانتخابية الخاصة به فقط، واصفاً الأمر بأنه خطاب انتخابي بحت لا يمت إلى الواقع بأي صلة.
بينما استبعد تأثر قطاع البناء ودفع ثمن حملة ترامب على الهجرة، موضحًا أن هذا القطاع ربما يعد الأقل تأثراً بالمهاجرين، وأن عادة هذا القطاع ما يكون به الكثير من الحرفيين الأميركيين وأصحاب التخصصات الأخرى، مؤكدًا أنه قطاع منظم جدا بالولايات المتحدة.
وأشار إلى أنه على مدى عقود هذه المجموعات من المهاجرين تأتي إلى الولايات المتحدة الأميركية وتقيم، وأن الديمقراطيون دائمًا ما يعملون على تقنين أوضاع هؤلاء المهاجرين، خاصة وأنه بمجرد تقنين أوضاعهم يقومون بدفع الضرائب، بينما في حالة عدم تقنينها يستغلون كل الخدمات دون دفع ضرائب، ويتحولون إلى عبء على المنظومة الصحية في الولايات المتحدة.
تأثر الإنتاج
خبير المخاطر المالية من الولايات المتحدة، محي الدين قصار، أوضح في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الحملة الانتخابية لدونالد ترامب قائمة على ترهيب الأميركيين من الأجانب، وبالتالي ترهيب الطبقة العمالية الأميركية من منافسة العامل الأجنبي له.
ووصف دعوات ترامب بأنها زوبعة غير حقيقية، موضحًا أن العمال المهاجرين عادة ما يكونوا قليلي التدريب، وأن أميركا بحاجة لمن هم لديهم خبرات عالية، مؤكدًا أن هؤلاء ليسوا منافسين سوى في مهن مثل الفلاحة والبناء وهي مهن بالأصل العمال الأميركيين لا يعملون بها.
وتوقع أن يؤدي إغلاق الهجرة حال تطبيقه بهذا الشكل إلى تأثر الإنتاج في قطاعات معينة تعتمد على القوى العاملة المهاجرة مثل قطاع البناء ما قد يؤدي إلى زيادة تكاليف السكن.
واستبعد أن يستطيع ترامب تنفيذ ذلك، مؤكدًا أنها مجرد “لعبة انتخابية تُمارس على المشاريع الوطنية للطبقة العمالية الأميركية” وأن إغلاق الحدود الأميركية سيضغط على العمالة ويؤدي إلى رفع الأسعار وبالتالي يؤثر على الرواتب الحقيقية، وهو ما لن تسمح به الطبقة الرأسمالية التي تحتاج إلى هذه العمالة لتخفف من ارتفاع الرواتب.