بتكوين
شهدت أسواق العملات المشفرة، بقيادة البتكوين، تحوّلًا هيكليًا لافتًا في النصف الأول من عام 2025، مع بروز مؤشرات قوية على أن الأصول المشفرة لم تعد مجرد أدوات مضاربة، بل باتت عنصرًا أصيلًا في المحافظ الاستثمارية العالمية.
البتكوين، الذي لامس سعره مستوى 123 ألف دولار هذا العام، نجح في توليد ما يفوق 15 ألف مليونير جديد، وفق تقديرات تحليلية متطابقة، ليواصل أداءه الاستثنائي في سياق صعود مدفوع بجملة من العوامل التنظيمية والطلب المؤسسي المتنامي، وسط تراجع في قوة الدولار وقلة المعروض من العملة.
التحول من الهامش إلى المركز: البتكوين يصوغ واقعًا ماليًا جديدًا
منذ نشأته كأداة بديلة بعد أزمة 2008، تطوّر البتكوين تدريجيًا إلى ما يشبه النظام الموازي للأسواق المالية التقليدية. ووفقًا لما أكده جاد حريري، استراتيجي الأسواق في First Financial Markets خلال حديثه إلى برنامج “بزنس مع لبنى” على سكاي نيوز عربية، فإن ما نشهده اليوم هو امتداد طبيعي لمسار طويل بدأ في الظل، لكنه بات في قلب المشهد المالي العالمي.
“البتكوين والعملات المشفرة تمثل فلسفة مالية جديدة، ظهرت كبديل مضاد للمنظومة التقليدية، في أعقاب الانهيارات البنكية التي شهدها العالم بعد 2008″، بحسب حريري.
ويرى أن الارتفاعات المسجّلة خلال العام الجاري ليست غير مبرّرة، بل “منطقية بالنظر إلى العوامل الأساسية التي تدعمها، من تشريعات وتنظيمات أميركية، مرورًا بتراجع الدولار، وصولًا إلى الانكماش الهيكلي في المعروض بفعل تقسيمات المكافآت”.
من 12 دولارًا إلى 123 ألفًا: مسار تاريخي غير تقليدي
يشكّل البتكوين ظاهرة استثمارية خارجة عن السياق التقليدي، فوفق حسابات مباشرة، فإن استثمارًا بقيمة 1000 دولار فقط في البتكوين عام 2013 كان من الممكن أن يتحوّل اليوم إلى 9 ملايين دولار، باستثناء العمولات وتكاليف الحيازة.
هذا النموذج ليس نظريًا، بل مسنود إلى منحنى سعري حاد تراوح بين صعود كبير وتراجعات تصحيحية بعد كل عملية تقسيم للمكافآت، والتي تحدث كل أربع سنوات، وتؤدي إلى خفض كمية البتكوين المتاحة للمعدّنين، ما يقلّص المعروض ويدفع بالأسعار نحو الارتفاع.
“كل تقسيم يؤدي إلى زيادة الطلب نتيجة انخفاض العرض، وهذا ما يفسر نمط الارتفاع المتكرر بعد كل دورة”، بحسب حريري.
مثال ذلك، صعدت العملة من 650 دولارًا عام 2016 إلى 19 ألف دولار، ثم من 8000 دولار عام 2020 إلى قرابة 70 ألفًا، قبل أن تتراجع مجددًا، ثم تعاود الصعود مع تقسيم أبريل 2024، لتسجل اليوم أكثر من 123 ألف دولار.
حريري: الطريق أمام البتكوين مفتوحة إلى المليون دولار
دور المؤسسات والبنوك في تسريع الاعتماد
اللافت في الدورة الراهنة هو التبدل الكبير في موقف المؤسسات المالية التقليدية. ففي حين كانت البنوك الكبرى من أكثر الأطراف الرافضة للأصول المشفرة، بدأت اليوم تدخل تدريجيًا في بيئتها التشغيلية.
جي بي مورغان، على سبيل المثال، يدرس إمكانيات إقراض الأفراد من خلال رهن الأصول المشفرة، وهي خطوة يراها حريري بمثابة تأكيد على أن “البنوك تسير نحو التكيّف مع النظام المالي الجديد”، ما يعزز الشرعية المؤسساتية للبيتكوين.
تشريعات أميركية داعمة وبيئة تنظيمية محفّزة
لم يكن صعود البتكوين الأخير ناتجًا فقط عن آليات السوق، بل جاء أيضًا بدعم سياسي وتنظيمي لافت. الولايات المتحدة أقرت مؤخرًا حزمة تشريعات تهدف إلى تنظيم الأصول المشفرة، ما أعطى المستثمرين مزيدًا من الثقة، وسهّل دخول المؤسسات المالية الكبرى إلى هذا السوق.
حريري يرى أن هذا العامل التنظيمي بالغ الأهمية، لأنه “يرسّخ دور البتكوين كأصل استثماري شرعي وليس مجرد أداة مضاربة”، مشددًا على أن دخول الحكومات إلى هذا الحيز المالي يعني تحوّله إلى مكوّن أساسي في السياسات المالية المستقبلية.
التوقعات المستقبلية… طموحات تتجاوز المنطق التقليدي
أمام هذه المؤشرات، تبدو التوقعات المستقبلية لأسعار البتكوين غير مسبوقة في جموحها:
- ARK Investment ترجّح بلوغه 2.4 مليون دولار بحلول 2030.
- Standard Chartered تتوقع أن يلامس 200 ألف دولار في 2025.
- Fidelity، وهي من أكبر المؤسسات الاستثمارية العالمية، توقعت – بجرأة – أن يصل البتكوين إلى مليار دولار للوحدة الواحدة بحلول 2038.
هذه الأرقام، رغم غرابتها، لا تأتي من فراغ، بل تستند إلى تحليل دورات السوق، والانكماش الهيكلي في العرض، والنمو المتزايد في الطلب المؤسسي والشرعي، وفق حريري الذي لا يستبعد نظريًا “أن نرى أسعارًا عند حدود مليون أو حتى ملياري دولار في المستقبل”.
تحذيرات واضحة للمستثمرين الأفراد
رغم كل الزخم، لم يغفل حريري التنبيه إلى مستوى المخاطر المرتفع المرتبط بالاستثمار في البتكوين، لا سيما للأفراد غير المحترفين، إذ قال:
“أنا لا أعارض دخول المستثمرين الأفراد، لكن ينبغي ألا تتجاوز نسبة الأصول المشفرة 5 بالمئة إلى 10 بالمئة من إجمالي المحفظة، مهما بلغ رأس المال”.
كما حذّر من الأخطار المرتبطة بضعف البنية التحتية لبعض المنصات، والهجمات السيبرانية، وضياع المفاتيح الخاصة بالمحافظ المشفرة، وهي كلها تحديات لا تزال تتهدد قطاع العملات المشفرة رغم توسّعه.
الأصول المشفرة في طور التحوّل إلى دعامة مالية عالمية
في ضوء هذه المؤشرات المتراكمة، يبدو أن العملات المشفرة، وعلى رأسها البتكوين، دخلت مرحلة جديدة من النضج، تتجاوز الطابع التقني أو المضاربي، نحو إعادة رسم خارطة توزيع الثروة عالميًا.
وقد يكون السؤال الآن ليس: هل ستواصل البتكوين صعودها؟ بل: ما الشكل الذي سيتخذه الاقتصاد العالمي حين تصبح الأصول المشفرة إحدى ركائزه؟
Changer تتوقع سعراً قياسياً لبتكوين في 2025