الذهب
يعيش الذهب لحظة غير مسبوقة من الزخم العالمي، مدفوعًا بتقلبات اقتصادية، ومخاطر جيوسياسية، وعودة شهية المستثمرين والأفراد إلى ما يُوصف تقليديًا بـ”الملاذ الآمن”. فوفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، بلغت مشتريات الذهب العالمية في الربع الثاني من 2025 نحو 1249 طنًا، وهو رقم ضخم يعكس عودة ثقة غير معهودة منذ سنوات بهذا المعدن الأصفر.
لكن، السؤال الأبرز المطروح اليوم: هل سيواصل الذهب رحلة الصعود؟ وهل يقترب بالفعل من ملامسة حاجز 4000 دولار للأونصة كما تتوقعه بعض المؤسسات المالية الكبرى، أم أن الحذر الذي تعبر عنه جهات أخرى أكثر واقعية؟
موجة شراء تاريخية: قفزة بنسبة 78% في استثمارات الذهب
تُظهر البيانات الأخيرة أن العالم اشترى 15.3 مليون أونصة من الذهب لأغراض الاستثمار خلال ثلاثة أشهر فقط، أي بزيادة قدرها 78 بالمئة على أساس سنوي. أما إجمالي قيمة ما تم إنفاقه على الذهب خلال هذه الفترة فبلغ 132 مليار دولار، وهي قيمة لم تُسجل من قبل في التاريخ الحديث.
وبحسب مجلس الذهب العالمي، جاءت هذه المشتريات موزعة على النحو التالي:
- 477 طنًا من الذهب تم شراؤها بغرض الاستثمار.
- 366 طنًا استخدمت في صناعة المجوهرات.
- 79 طنًا في القطاع التكنولوجي.
- فيما تجاوزت مشتريات البنوك المركزية حاجز 5000 طن منذ بداية العام.
أندرو نايلور: “الذهب يعود إلى واجهة الاستثمار الاستراتيجي”
قال أندرو نايلور، رئيس قسم الشرق الأوسط والسياسة العامة في مجلس الذهب العالمي، خلال حديثه الى برنامج بزنس مع لبنى على سكاي نيوز عربية إن “الطلب على الذهب ارتفع بأكثر من 3 بالمئة في الربع الثاني”، معتبرًا أن هذا الارتفاع يعكس تغيرًا في سلوك المستثمرين الذين يعيدون النظر في أدوات التحوط التقليدية.
وأضاف نايلور أن التوترات الجيوسياسية، وضغوط التضخم، وتباطؤ النمو العالمي، جميعها “تعيد الاعتبار للذهب كمكوّن استراتيجي في المحافظ الاستثمارية، سواء لدى الأفراد أو البنوك المركزية”. وأوضح أن هناك “عودة إلى الذهب باعتباره أصلًا سياديًا ونقديًا وسائلًا لتأمين السيولة”.
نايلور: البنوك المركزية تتحوط بالذهب لحماية ثرواتها
تضارب في توقعات الأسعار: بين 3300 و4000 دولار
وفي وقت تزداد فيه المشتريات، تختلف الرؤى حول المستقبل السعري للذهب:
- غولدمان ساكس وفيديليتي للاستثمار يراهنان على ارتفاع الذهب إلى 4000 دولار للأونصة بحلول نهاية 2026.
- في المقابل، تتوقع مؤسسات أكثر تحفظًا مثل HSBC وسيتي غروب ألا يتجاوز الذهب 3300 دولار خلال العام الحالي.
هذا التباين يعكس التوتر بين من يرون الذهب محصنًا من اضطرابات الأسواق، ومن يرون أن عودة الاستقرار الاقتصادي قد تقوّض موجة الصعود الحالية.
بعد ارتفاعاته التاريخية .. من يحرك سوق الذهب؟
الذهب والمجوهرات: تراجع جزئي في ظل الارتفاع القياسي للأسعار
ورغم ازدهار الطلب الاستثماري، شهدت مبيعات المجوهرات الذهبية تراجعًا نسبيًا، خاصة في الأسواق التقليدية مثل الشرق الأوسط وآسيا. وأرجع نايلور ذلك إلى “وصول أسعار الذهب إلى مستويات قياسية”، ما جعل الكثير من الأفراد يحجمون عن الشراء بغرض الزينة.
إلا أن هذا الانخفاض لا ينعكس على السوق ككل، بل يمثل مجرد تحول في طبيعة الطلب: من التزين إلى التحوط.
البنوك المركزية: اللاعب الصامت الذي لا يتوقف عن الشراء
تُظهر البيانات أن البنوك المركزية باتت تمثل حوالي 20 بالمئة من إجمالي الطلب العالمي على الذهب، وهو رقم ضخم يعكس تحوّل الذهب إلى مكون أساسي في استراتيجيات الاحتياطي النقدي للدول.
وبحسب نايلور، فإن حوالي 85 بالمئة من البنوك المركزية التي شملها استطلاع مجلس الذهب العالمي أكدت أنها ستواصل شراء الذهب خلال السنوات المقبلة، في خطوة تهدف إلى “حماية الثروات الوطنية من تقلبات العملات الأجنبية، وضغوط السوق”.
أسعار الفائدة: العامل الحاسم في مستقبل الذهب
يُجمع الخبراء على أن مسار الذهب في النصف الثاني من 2025 سيكون مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمسار أسعار الفائدة العالمية. فمع اتجاه بعض البنوك المركزية نحو التيسير النقدي وخفض الفائدة، قد يتعزز موقف الذهب كأصل جذاب مقارنة بأصول الدخل الثابت.
لكن، في حال جاءت بيانات النمو أقوى من المتوقع ودفعت بالبنوك إلى تأجيل خفض الفائدة، فقد نشهد ضغوطًا مؤقتة على أسعار الذهب، رغم الأساسيات القوية التي تدعمه.
الذهب لم يعد “ترفًا”.. بل استراتيجية
في ضوء الأرقام والتوجهات الراهنة، يبدو أن الذهب يستعيد دوره التاريخي كـ”أصل سيادي واستثماري”، لا سيما مع ازدياد الشكوك المحيطة بالاقتصاد العالمي، وتقلّب العملات، واستمرار الأزمات الجيوسياسية في أكثر من إقليم.
قد لا يكون الصعود المقبل دراميًا كما حصل في النصف الأول من هذا العام، لكن كل المؤشرات توحي بأن الذهب لن يعود إلى الظل قريبًا. فسواء كنت مستثمرًا فرديًا أو بنكًا مركزيًا، فإن الذهب بات أحد أركان المعادلة الجديدة للثقة.
الذهب ثاني أفضل الأصول أداء.. والبنوك متفائلة رغم التراجعات