المنتدى الاقتصادي العالمي – دافوس
في لحظة محورية بالنسبة للاقتصاد العالمي، جمعت اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي للتأثير في التنمية المستدامة 2025 أكثر من 1000 من القادة العالميين – من بينهم 70 من كبار المسؤولين الحكوميين، و22 رئيسًا لمنظمات دولية، و500 من كبار التنفيذيين في قطاع الأعمال، و125 ممثلًا عن المجتمع المدني – لدفع العمل نحو تحقيق النمو الاقتصادي الشامل، والتكنولوجيا المسؤولة، والتصدي للأزمات الإنسانية وتحديات المناخ.
عُقدت الاجتماعات بالتزامن مع الجمعية العامة للأمم المتحدة وأسبوع الأهداف العالمية، في ظل تراجع التعاون متعدد الأطراف، ومع بقاء 17 بالمئة فقط من أهداف التنمية المستدامة (SDGs) على المسار الصحيح لتحقيقها بحلول عام 2030.
وبالاستناد إلى سجل المنتدى في ربط القادة وتحفيز العمل، وفرت الاجتماعات منصة حيوية للتعاون من أجل صياغة نتائج أكثر شمولية ومرونة لصالح الإنسان والكوكب والاقتصادات.
من جانبه، قال أندريه هوفمان، نائب رئيس مجلس إدارة شركة “روش هولدينغ” والرئيس المشارك المؤقت للمنتدى الاقتصادي العالمي: “نحتاج إلى تطوير أنظمة تعزز رفاهية الأعمال والمجتمع جنبًا إلى جنب مع صحة البيئة. فلا ازدهار من دون إنسانية، ولا وقت أفضل من الحاضر لإيجاد سبل لحماية الاستدامة والنمو الشامل”.
من جهته، قال بورغه برينده، الرئيس والمدير التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي: “في لحظة حاسمة يواجه فيها كوكبنا تحديات معقدة، علينا بناء القدرة على الصمود لضمان مستقبل مستدام وشامل للجميع”.
وقالت آمي بوب، المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة (IOM): “التمويل الإنساني في العالم ينفد بصراحة. وفي الوقت نفسه، نشهد أعدادًا هائلة من الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، سواء في أماكن مثل أوكرانيا أو غزة أو جمهورية الكونغو الديمقراطية. الحاجة اليوم بلغت مستوى غير مسبوق، وهناك فجوة كبيرة بين الموارد المتاحة والاحتياجات الإنسانية”.
وقال سمير ساران، رئيس مؤسسة أوبزرفر للأبحاث: “خلال 10 سنوات، سنشهد توسعًا كبيرًا في البدائل، حيث ستنشأ مجموعات إقليمية ومتوافقة في الرؤى تعمل معًا على مشروعات متنوعة تشمل الاتصال، والمناخ، والطاقة، والتمويل والتنمية الإقليمية.”
وشهدت الاجتماعات إطلاق رؤى وتقارير رئيسية من بينها تقرير التوقعات الاقتصادية لرؤساء الخبراء الاقتصاديين، ودراسات حول توسيع نطاق احتجاز الكربون، وإدارة المخاطر المناخية والصحية على الاقتصاد، وخفض البصمة الكربونية للتجارة الرقمية.
كما تضمنت فعاليات عبر الإنترنت وحوارات رفيعة المستوى تناولت التوترات الجيوسياسية، والسياسات الأميركية، وتحول الطاقة، والنمو تحت الضغوط، والقدرة على التكيف مع المناخ، واستعادة الثقة في ظل صعود التقنيات المتقدمة.
كما بحث الاجتماع غير الرسمي لقادة الاقتصاد العالمي (IGWEL) مسارات التعاون بشأن الأمن العالمي والاقتصاد الجيوسياسي والتقنيات المتقدمة في ظل مرحلة جيوسياسية متغيرة.
الجيوسياسة والقدرة على الصمود الإنساني
في عصر يشهد تحولات في التحالفات وتقلب السياسات الاقتصادية وتراجع النظام متعدد الأطراف، ركزت الجلسات على الخطوات اللازمة لتعزيز الأمن والاستقرار العالميين.
قالت شيبا كروكر، المديرة العامة للمنتدى الاقتصادي العالمي: “تأتي اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت تتعرض فيه بنية المساعدات والتنمية العالمية لضغوط هائلة. ليس الوقت مناسبًا للحلول القصيرة الأمد، بل يجب على القادة اغتنام الفرصة لإعادة البناء على المدى الطويل من خلال إعادة التفكير من الأساس لإحداث تغيير حقيقي.”
من جانبه، قال صالح أحمد جامع، نائب رئيس وزراء الصومال: “نحن كصوماليين نشعر بالدهشة من تصاعد حالة عدم اليقين في المشهد الجيوسياسي. نحن مؤمنون بالنظام متعدد الأطراف ونأمل أن يصب في مصلحة الجميع ضمن نظام عالمي قائم على القواعد.”
وقالت فيكتوريا نولاند، أستاذة ممارسة الدبلوماسية الدولية بجامعة كولومبيا: “قد نجد أنفسنا نعود إلى حافة صراع القوى الكبرى إذا لم نتحدث عن هذه التحديات ونديرها بشكل جماعي.”
النمو الاقتصادي الشامل
حذر أحدث إصدار من توقعات رؤساء الخبراء الاقتصاديين للمنتدى الاقتصادي العالمي من تباطؤ النمو والاضطرابات النظامية، مع تغيّرات طويلة الأمد في مجالات التجارة، والتكنولوجيا، والموارد، والمؤسسات، ما يشير إلى بروز بيئة اقتصادية جديدة، ومن المتوقع أن يصل الدين العالمي إلى 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بحلول نهاية العقد.
كما أطلق المنتدى تقرير مسارات التجارة والعمل من أجل وظائف لائقة في الاقتصاد الرقمي بكينيا، الذي يستعرض كيفية الاستفادة من التشريعات المحلية، والممارسات التجارية، وسياسات التجارة، وأطر الاستثمار لمواجهة تحديات القوى العاملة في الاقتصاد الرقمي. بالإضافة إلى ذلك، صدر ورقة بيضاء جديدة تقدم رؤى حول الحاجة الملحة للاحتفاظ بالمواهب، وتطوير مهاراتها، وإعادة تأهيلها في عالم يتجه بسرعة نحو الرقمنة.
وقالت سعدية زاهيدي، المدير الإداري في المنتدى الاقتصادي العالمي: “ملامح بيئة اقتصادية جديدة بدأت تتشكل بالفعل، بيئة تتسم بالاضطراب في مجالات التجارة والتكنولوجيا والموارد والمؤسسات. يجب على القادة التكيف بسرعة وبروح التعاون لتحويل اضطرابات اليوم إلى قدرة على الصمود غدًا”.
من جانبه، قال ميرك دوشيك، المدير الإداري والرئيس التنفيذي للأعمال في المنتدى الاقتصادي العالمي: “في ظل المشهد المتطور بسرعة اليوم، يمكن لقادة الأعمال أن يكونوا محفزين للعمل حول أولويات مشتركة عبر المناطق والتخصصات. يمكنهم بناء شراكات عملية وإطلاق الابتكار لتلبية الاحتياجات الواقعية ودفع الازدهار الشامل.”
وقالت فيرا سونغوي، رئيسة ومؤسسة مرفق السيولة والاستدامة: “عندما لا تنمو اقتصادات مجموعة السبع بالسرعة المطلوبة، يتأثر باقي العالم قليلًا. هناك جهد عالمي جماعي يسير في الاتجاه الصحيح. النمو والتنمية ليسا خطيين، ومن التحديات تنبثق اقتراحات وحلول جيدة”.
وقالت إبرو أوزدمير، رئيسة مجلس إدارة شركة ليماك القابضة: “في السنوات الخمس المقبلة، أعتقد أن أكبر تحد سيكون التوترات الجيوسياسية. علينا أن نكون مستعدين لكل ما قد يحدث، وهذا يعني أن نكون جاهزين ومرنين وسريعين وقادرين على الصمود. دائمًا أقول إن آخر 100 متر من السباق هي العامل الحاسم، ويجب أن نواصل الجري بلا توقف لنكون مستعدين للفوز في النهاية”.
وقال آلن بلو، الشريك المؤسس ونائب رئيس المنتجات في “لينكدإن”: “يؤدي تغير المناخ إلى تحول عميق في عالم العمل. من خلال تزويد الناس بالمهارات الخضراء المطلوبة للأدوار الناشئة والمتطورة في مجالات مثل سلاسل التوريد والتصنيع، يمكننا فتح آفاق اقتصادية جديدة، وتمكين الأفراد والمجتمعات من الازدهار في مستقبل أكثر استدامة”.
المناخ والطاقة والصحة
في ظل تصاعد الضغوط البيئية والاقتصادية – من تفاقم الظواهر المناخية المتطرفة إلى تدهور النظم البيئية الذي يؤثر على 3.2 مليار شخص – ركزت المناقشات بين تحالف قادة الأعمال في مجال المناخ وقادة آخرين على نماذج استثمار مبتكرة واستراتيجيات عابرة للقطاعات لتوسيع نطاق الحلول الإيجابية للبيئة من أجل النمو والمرونة والابتكار. كما تناولت الجلسات مشهد الطاقة العالمي الذي أعادت تشكيله حالة عدم اليقين الجيوسياسي، وتغير ديناميكيات الأسواق، والغموض المحيط بالطموحات المناخية.
وأكدت مجموعة الاقتصاد الدائري على دور القيادة المؤسسية في تعزيز التعاون العالمي بشأن المواد.
وشدد الأعضاء على الحاجة إلى معايير مشتركة وتبادل بيانات المواد عبر سلاسل القيمة لتتبع التقدم في تقليل البصمة المادية، وتعزيز مرونة سلاسل التوريد، وتحسين الاستدامة في ظل تصاعد المنافسة الاقتصادية الجيوسياسية.
وقدرت ورقة بحثية أن تأثيرات تغير المناخ على الصحة قد تكلف الاقتصاد العالمي ما لا يقل عن 1.5 تريليون دولار من الإنتاجية المفقودة بحلول عام 2050.
كما أظهر تقرير احتجاز واستخدام الكربون كيف يمكن لمنهجية الحد من الكربون أن تمكّن الصناعات من تحويل ثاني أكسيد الكربون المحتجز إلى وقود ومواد كيميائية ومواد بناء مستدامة.
أُعلن خلال الاجتماع عن تسعة فائزين في تحدي برنامج Nature Returns الذي تنظمه منصة Uplink – وهو برنامج استثماري عالمي يربط رأس المال بمشاريع حماية واستعادة الطبيعة – والذي يهدف إلى جذب المستثمرين الأوائل لإعادة توجيه رأس المال نحو الطبيعة.
كما أعلنت الشراكة العالمية للعمل على البلاستيك (GPAP) عن 10 فائزين في برنامجها Inclusive Plastic Action Programme 2025 لمكافحة التلوث البلاستيكي. وكشفت جمهورية الدومينيكان عن خارطة طريق وطنية للعمل على البلاستيك، بدعم من GPAP، والتي تهدف إلى تحقيق 53 بالمئة من الاقتصاد الدائري وخفض التلوث البلاستيكي بنسبة 87 بالمئة بحلول عام 2040.
وتناول تقرير أسواق الكربون في آسيا الفرص والتحديات وأفضل الممارسات للاستفادة من هذه الأسواق لتسريع التحول الأخضر في القارة.
اجتمع أعضاء مجلس إدارة التحالف العالمي لصحة المرأة لتحديد مسارات تحقيق الأثر على المستويين العالمي والوطني، بما في ذلك معالجة سرطان الثدي وعنق الرحم في كينيا، وتحديات صحة الأم في نيجيريا، وتوسيع نطاق الابتكارات الموجهة لاحتياجات صحة المرأة عالميًا.
كما رحب المجتمع بالممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار هالي بيري كسفيرة عامة لمجلس الإدارة لتعزيز تأثير التحالف وتحسين النتائج الصحية للنساء.
كما قدمت ورقة بحثية حول حلول التمويل من أجل الطبيعة إرشادات بشأن 10 حلول مالية موحدة متاحة لتعبئة رأس المال لصالح الطبيعة.
وأقر مجتمع مستقبل المياه خارطة طريق مشتركة للاستثمار والشراكة في إطار التحضير لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2026، مع الالتزام بمبادرات يقودها القطاع الخاص وإجراءات على مستوى الأحواض المائية لتعزيز مرونة المياه عالميًا.
قال سيباستيان بوكاب، المدير الإداري في المنتدى الاقتصادي العالمي: “بعد مرور عشر سنوات على اعتماد أهداف التنمية المستدامة، تواجه رؤيتنا لتحسين حياة الناس في كل مكان بما يتوافق مع كوكبنا ضغوطًا غير مسبوقة. فقد كانت صياغتها علامة بارزة على الوحدة العالمية، وهو ما يتناقض بشكل واضح مع عالم اليوم الأكثر انقسامًا.”
وقالت هالي بيري، الممثلة والمخرجة والمنتجة والناشطة وسيدة الأعمال: “أنا متحمسة للشراكة مع التحالف العالمي لصحة المرأة التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي في كفاحنا المشترك من أجل صحة النساء في منتصف العمر وما بعده. سنعمل معًا لسد الفجوات النظامية في المعرفة والرعاية والعلاج، ونسعى نحو مستقبل يتمتع فيه جميع النساء بإمكانية الوصول إلى رعاية صحية قائمة على الأدلة لفترة انقطاع الطمث. معًا، يمكن لمستقبلنا أن يكون أكثر إشراقًا – وسيكون كذلك.”
وقال يسبر برودين، الرئيس التنفيذي لمجموعة INGKA | IKEA: “هذه أهم رسالة نوجهها من تحالف الرؤساء التنفيذيين لقادة المناخ، ونركز هذا العام على مطالبة قادة الحكومات بمساعدتنا في إزالة العقبات لتحقيق اقتصاد ذكي مناخيًا. الذكاء المناخي يعني الذكاء في الموارد والتكاليف، وهناك فرص في الاقتصاد الجديد”.
وقالت ريبيكا بودرو، الرئيسة والمديرة التنفيذية لشركة Oberon Fuels: “تاريخيًا، كانت الحروب تُشن بسبب الملح، حتى ظهر اختراع الثلاجات. ليس أن العالم توقف عن استخدام الملح – بل نستخدمه أكثر – لكن التكنولوجيا قلصت من سيطرته. والأمر نفسه ينطبق على النفط؛ فالمسألة ليست التوقف عن استخدامه، بل تنويع المصادر ووجود خيارات بديلة لكسر هيمنة النفط.”
وقال سومانث سينا، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة ReNew: “أصبحت قضية القدرة على تحمل التكاليف وأمن الطاقة في هذه الأوقات الجيوسياسية المتقلبة أكثر وضوحًا وأهمية. هذه العوامل هي التي تدفع التحول في قطاع الطاقة، وربما بشكل أسرع في بعض أنحاء العالم.”
وقال يوهان روكستروم، مدير معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (PIK): “لن يكون هناك مستقبل مناخي قابل للإدارة ما لم نتخلَّ عن الوقود الأحفوري، ونزيل الكربون من الغلاف الجوي، ونعود إلى الحدود الآمنة لكوكبنا. نحن بحاجة إلى أن يستعيد الكوكب دوره كحامٍ لنا، حتى نتمكن من التعافي بعد تجاوز هذه الحدود.”
التكنولوجيا والابتكار
مع التقدم السريع للتقنيات المتطورة، ركزت المناقشات على بناء الثقة، ودعم أصحاب المصلحة، وضمان نشر التقنيات بمسؤولية.
أعلن المنتدى عن إضافة 12 موقعًا صناعيًا مبتكرًا جديدًا إلى شبكة المصانع الرائدة العالمية، حيث تستفيد هذه المواقع من التقنيات الرقمية لتحقيق نتائج متميزة في الإنتاجية، ومرونة سلاسل التوريد، وتنمية المواهب، والاستدامة، والتركيز على العملاء، ليصل إجمالي الشبكة إلى 201 منشأة رائدة.
كما تم إطلاق مبادرة التعاون بين الإنسان والآلة خلال الاجتماع، والتي تقدم إطارًا لعمليات ذكية تتمحور حول الإنسان لتعزيز الإنتاجية وتمكين العاملين.
قال جويل كابلان، رئيس الشؤون العالمية في ميتا: “بناء النماذج الأساسية يتطلب رأس مال هائل. نحن محظوظون في الولايات المتحدة بوجود عدد محدود من الشركات التي تمتلك هذه الإمكانيات. ومع ذلك، ستأتي العديد من الفوائد أيضًا من المطورين الأصغر حجمًا. وهذا أحد الأسباب التي دفعتنا إلى جعل Llama مفتوح المصدر، لتوفير فرص للمطورين لبناء المزيد من الوظائف والميزات”.
وقال سيباستيان نايلز، رئيس الشؤون القانونية في Salesforce: “تصبح التكنولوجيا أقل توفرًا للمواطنين والمستهلكين إذا كان الإطار التنظيمي غير داعم ولا يشجع الشركات أو الجهات التي تمتلك أفضل التقنيات على نشرها في تلك المنطقة”.
يذكر أن اجتماعات التأثير في التنمية المستدامة 2025 قد عُقدت في الفترة من 22 إلى 26 سبتمبر في نيويورك، وجمعت أكثر من 1000 قائد عالمي من قطاعات وجغرافيات متنوعة.
وتأتي هذه الاجتماعات قبل الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي 2026، وهي جزء من عمل المنتدى على مدار العام لتسريع التقدم في مجالات النمو والمرونة والابتكار من خلال الحوارات والإجراءات متعددة الأطراف.