روسيا وأميركا
أطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب من جديد تهديد يستهدف روسيا بشكل غير تقليدي، ملوحاً بسلاح اقتصادي حاد: رسوم جمركية ثانوية تصل إلى 100 بالمئة، قد تطال ليس فقط موسكو بل الدول التي تتعامل معها تجارياً، وهو ما يفتح الباب أمام سيناريوهات دولية معقدة وتبعات اقتصادية عالمية.
يعكس هذا التحرك الأميركي المفاجئ مزاجاً متقلباً وإحباطاً متنامياً في واشنطن تجاه تعنت الكرملين واستمرار العمليات العسكرية في أوكرانيا. وبينما يبدو التهديد الجمركي جزءاً من محاولات ترامب لفرض جدول زمني للتوصل إلى اتفاق سلام، فإن الأطراف الدولية، لا سيما موسكو وحلفاؤها التجاريون، تترقب تفاصيل هذا التهديد وسط تساؤلات عن قدرته على تغيير قواعد اللعبة دون إشعال صراعات اقتصادية أوسع.
أحدث التطورات
- هدد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، روسيا بفرض رسوم جمركية ثانوية بنسبة 100 بالمئة إذا لم تنته الحرب في أوكرانيا قريبا.
- الرئيس الأميركي أعلن أيضاً عن اتفاق مع حلفاء الناتو لإرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف.
وقال ترامب خلال اجتماع مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته مطلع الأسبوع: “نحن مستاؤون للغاية من روسيا.. أشعر بخيبة أمل تجاه الرئيس بوتين، لأنني ظننت أننا سنتوصل إلى اتفاق قبل شهرين”.
وأضاف: “سنفرض تعريفات جمركية صارمة للغاية إذا لم نتوصل إلى اتفاق خلال 50 يوماً.. تعريفات بنسبة 100 بالمئة تقريباً، ويمكن وصفها بأنها تعريفات ثانوية”. وقال إن هذه التعريفات ستكون “مؤثرة” و”قوية جداً”.
ويشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية إلى أن ترامب كان قد أثار في السابق احتمال تطبيق ما يسمى بالتعريفات الجمركية الثانوية، والتي ستفرض رسوماً على الدول التي تتاجر مع موسكو، حيث أصبح يشعر بإحباط متزايد إزاء تعنت بوتن في محادثات السلام.
تحذيرات متكررة
وبحسب تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، فإنه:
- هذه ليست المرة الأولى التي يصدر فيها ترامب مثل هذا التحذير ضد خصم.
- قال ترامب في مارس الماضي إن الدول التي تشتري النفط والغاز من فنزويلا ستواجه ضريبة بنسبة 25 بالمئة، وفي مايو هدد بفرض رسوم مماثلة على الدول التي تستورد النفط الإيراني .
- فرضت “الرسوم الجمركية الثانوية” على فنزويلا ضغوطا شديدة على الصين بشكل خاص باعتبارها أكبر مستورد للنفط الفنزويلي.
- لكن تعليقات ترامب يوم الاثنين تشكل تصعيدا لتهديداته ضد روسيا بتحديد موعد نهائي في سبتمبر.
- في شهر مارس، قال ترامب : “إذا لم نتمكن أنا وروسيا من التوصل إلى اتفاق لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا… وإذا اعتقدت أن ذلك كان خطأ روسيا، فسوف أفرض رسوما جمركية ثانوية على النفط، على كل النفط القادم من روسيا”.
- لم يكن واضحا يوم الاثنين ما هي المنتجات التي ستتأثر بالتهديد الأخير لترامب بشأن الرسوم الجمركية الثانوية.
ضغط سياسي على الكرملين
من موسكو، يقول رئيس وكالة تنمية التجارة الدولية، تيمور دويدار، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- العقوبات الثانوية الشديدة تصل إلى حدّ يجعل فرضها على اقتصادات كبرى أمراً ذا تبعات عالمية.
- لا يزال التفاوض الرسمي معلقاً، إذ تنتظر موسكو تنازلات من واشنطن أولاً.
- الغرب لا يُظهر أي مرونة ملموسة في المطالب الروسية.
- الاقتصاد الروسي، رغم الضغوط، مستعدٌ للاستمرار في الصراع ما دامت الحملة مستمرة.
ويقول إنه “إذا تمّ تمرير قرار من الكونغرس أو من الرئيس ترامب لفرض عقوبات استثنائية وثانوية على دول تتعامل مع روسيا في قطاعي الطاقة والنقل، بما في ذلك فرض رسوم تصل إلى 100 بالمئة على صادراتها إلى السوق الأميركية، فإننا أمام قرارٍ صعب جداً”. ويضيف: “لا يمكننا تخيّل فرض مثل هذه الرسوم على دول كبرى مثل الهند أو الصين؛ هذا الأمر قد يؤدي إلى اضطراب هائل في الأسواق العالمية”.
يرى دويدار أن مثل هذا القرار في الوقت الراهن “شعبوي أكثر منه عملي”، وهو جزء من ضغط سياسي على الكرملين لانتزاع تنازلات من موسكو في الحرب ضد الغرب حول أوكرانيا.
ويضيف: “حتى الآن، يبقى ملف التنازلات الرسمية معلقاً على جانب موسكو.. نحن ننتظر تحركاً بهدف سحب القوات من أوكرانيا، والتوقف عن استخدام الدولة الأوكرانية كواجهة لمضايقة الأمن والمصالح الروسية في المنطقة”.
ويتابع: “الكتلة الغربية – بقيادة واشنطن، الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع – لم تبذِل أي حراك إيجابي تجاه وقف العملية العسكرية..الموقف الغربي المطالب بوقف إطلاق نار دون شروط غير مقبول لدى موسكو.. والوضع العسكري مستمر”.
وينبه في السياق ذاته أن “الاقتصاد الروسي، رغم تحوّله نحو اقتصاد حربي، ما زال قادراً على الاستمرار لفترة طويلة ما لم نُنهِ المواجهة”.
ويردف قائلاً: “الغرب يمول هذه الحرب بمبالغ طائلة، لكن لا يستطيع -عملياً- القضاء على روسيا استراتيجياً. في المقابل، تخسر أوكرانيا يومياً مدنًا وقرى، بينما القوات الروسية تواصل تقدمها على الجبهات”.
اتصال سادس بين بوتين وترامب.. لا تقدم
الموقف الروسي
ولجهة الموقف الروسي من تهديدات ترامب الأخيرة، يشير تقرير لشبكة “إن بي سي”، إلى أنه:
- ربما توقع الرئيس دونالد ترامب ارتعاشة خوف روسية بعد تهديده بفرض ” رسوم جمركية باهظة للغاية ” إذا لم توافق موسكو على وقف إطلاق النار في أوكرانيا.. لكن يبدو أن تعليقاته أثارت استياءً عاماً.
- المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، قال يوم الثلاثاء إن بلاده تحتاج إلى الوقت لتحليل تصريحات ترامب ووصفها بأنها “خطيرة للغاية”.
ونقل التقرير عن السياسي القومي البارز، ليونيد سلوتسكي، قوله على تيليغرام يوم الثلاثاء، إن ترامب “لم يعلن عن أي إجراءات فورية مناهضة لروسيا أو مصادرة الأصول الروسية المحظورة بشكل غير قانوني”، مضيفاً أن الرئيس الأميركي كان يحاول تحقيق التوازن بين الدعم الغربي لكييف وتجنب المواجهة مع الكرملين.
الضغط على موسكو
بدوره، يقول مستشار المركز العربي للدراسات، أبو بكر الديب، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن فرض رسوم ثانوية على روسيا وحلفائها يمكن أن يزيد من الضغط الاقتصادي ويضيّق القنوات المالية أمام موسكو، لكنه بمفرده لا يكفي لإجبارها على تقديم تنازلات في أوكرانيا. فروسيا منذ 2014 ترزح تحت عقوبات اقتصادية كبيرة، وقد طوّرت منذ 2022 شبكات التحايل المالي وأصبحت أكثر اعتماداً على الصين والهند، مع استخدام أنظمة تسوية مالية بديلة.
ويضيف: “الرسوم الثانوية تستهدف معاقبة الشركات والبنوك الدولية التي تتعامل مع روسيا، وهو ما يرفع النزاع المحتمل مع دول مثل الصين وتركيا والهند، التي لديها مصالح اقتصادية قوية ولن تتخلى عنها بسهولة. من منظور الكرملين، هذه الحرب مسألة أمن قومي وليست مجرد حسابات مالية”.
كما يؤكد أنه “حتى في حال وقوع الأضرار الاقتصادية، فإن الأولوية الجيوسياسية لمعالجة الملف الأوكراني تبقى هي الغالبة.. كما أن روسيا تتمتع بملف قوي في مجال الطاقة والمعادن، يتيح لها توجيه الضغوط الاقتصادية إلى أوروبا قبل أن تتأثر هي”.
ويعتقد الديب بأن “نجاح تهديدات كهذه يرتبط بتأييد الكونغرس الأميركي وتعاون واضح من الاتحاد الأوروبي. أما إذا تحرك ترامب بمفرده، فقد تظهر ثغرات قانونية يمكن للشركات التغلب عليها بسهولة”.
ويختم حديثه قائلاً: “النتيجة الأساسية: هذه الرسوم تعتبر أداة رمزية للضغط، لكنها ليست حلًّا شاملًا لأزمة أوكرانيا. إنما يتطلب الأمر تفاوضًا حقيقيًا، وضمانات معقولة، ومكاسب متبادلة تضمن التوصل إلى تسوية مستدامة، وليس الاعتماد فقط على سلاح العقوبات”.
ترامب يفتح جبهة جديدة.. ورسومه تهز جسور الأطلسي