تأتي عودة سوريا إلى مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية منذ العام 2011 لتثير كثيراً من التساؤلات حول انعكاسات تلك الخطوة المهمة على الأوضاع داخل البلد.
وتشمل هذه التساؤلات الوضع الاقتصاد، وما تتيحه عودة دمشق للمنظومة العربية من فرصٍ واسعة بالنسبة لها، في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري بشدة جراء سنوات الصراع الأهلي والعقوبات الأميركية الغربية، لا سيما قانون قيصر، إلى جانب تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد في فبراير الماضي، فضلاً عن الأزمات الدولية وانعكاساتها المختلفة.
أحدث المؤشرات بشأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا كانت تلك التي أشار إليها البنك الدولي في مارس الماضي كالاتي:
- يتوقع انكماش الناتج الإجمالي المحلي للبلاد بمقدر 3.2 بالمئة خلال عام 2023.
- أشار البنك إلى أنه كان هناك انكماشاً العام الماضي في الناتج الإجمالي المحلي بنسبة 3.5 بالمئة
- يتوقع البنك أن يكون هناك انكماش في إجمالي الناتج المحلي بنسبة 5.5 بالمئة.
- تشير التوقعات كذلك إلى ارتفاع معدل التضخم نتيجة نقص السلع المتوفرة، وزيادة تكلفة النقل وارتفع الطلب الكلي على مواد إعادة البناء.
“تفاؤل اقتصادي” مع العودة إلى الجامعة
في هذا السياق، عبَّرَ نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب السوري، عمار الأسد، عن تفاؤله بانعكاسات عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على الاقتصاد السوري، وقال في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك اتفاقيات كثيرة موقعة على المستوى الثنائي بين سوريا ودول عربية، وبالتالي هذه الاتفاقيات ستفعل.
كما عبر عن أمله في أن تكون العودة إلى الجامعة العربية دفعة لمزيد من الاتفاقات الاقتصادية بين سوريا والدول العربية، خصوصاً في ظل تنقية الأجواء بين دمشق والأشقاء العرب، ولا سيما فيما يتعلق بملف إعادة إعمار سوريا.
وأفاد الأسد بأن الدول العربية مُطالبة بأن تكون لديها ضغوط على الدول الغربية من أجل دفع ملف إعادة إعمار سوريا، خاصة على الولايات المتحدة الأميركية، من أجل رفع الإجراءات أحادية الجانب على الشعب السوري التي تعاقب أية شركة يمكن أن تأتي إلى سوريا، وبما شكل حصاراً على الشعب السوري، وبالتالي يمكن أن يكون هناك تجمع عربي يساعد على رفع هذه العقوبات الاقتصادية مع عودة دمشق إلى الجامعة العربية.
وأشار عضو مجلس الشعب السوري إلى أن الاتفاقات المشتركة موقعة على المستوى الخليجي والعربي، وهناك اتفاقيات على الصعيد الاقتصادي كانت موقعة قبل اندلاع الأحداث والاضطرابات في 2011، ويمكن وصفها بالاتفاقيات الكبيرة، خاصة فيما يخص الشركات العقارية والتطوير العمراني والإسكان والبنى التحتية، وما إلى ذلك من اتفاقات التعاون الاقتصادي والإداري.
وفي ختام تصريحاته، أكد أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية سوف تشكل دفعة لتفعيل كثير من الاتفاقات الاقتصادية بين دمشق والدول العربية، كما أنها ستشكل أيضاً دفعة لإبرام اتفاقيات جديدة تشمل جميع المجالات، إلى جانب أنه سيكون هناك دفعة لتحرك عربي يسهم في رفع العقوبات الاقتصادية الغربية على الدولة السورية والتي عانى منها الشعب السوري ووضعته تحت الحصار، على حد تعبيره.
عقبة رئيسية
دخل قانون قيصر حيز التنفيذ في العام 2020 وهو قانون أعدته الولايات المتحدة الأميركية.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الأردني، الدكتور حسام عايش، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن عودة سوريا إلى الجامعة العربية ربما لن يمتد تأثيرها إلى جميع القطاعات، خصوصاً القطاع الاقتصادي، وذلك بسبب الإجراءات الأميركية التي تضع بعض المحاذير الاقتصادية في التعامل مع سوريا، وأهمها قانون قيصر.
وقال: “ربما تكون هناك بعض الأمور لن تقف ضدها الولايات المتحدة، مثل التبادل التجاري مع سوريا، أو أن تكون سوريا محطة ترانزيت للتجارة، وأيضاً ربما يتم استكمال مشروع الربط الكهربائي بين مصر والأردن عبر سوريا، لكن غير ذلك من تعاملات اقتصادية ربما تصطدم بقانون قيصر، مثل التعاملات الكبيرة في قطاع الطاقة والنفط، ويمكن أن يبقى التعاون الاقتصادي العربي مع دمشق في البداية قاصراً على بعض الاحتياجات الأساسية للشعب السوري”.
قانون قيصر
لكن في المقابل، أوضح خبير العلاقات الدولية، الدكتور أيمن سمير، أن الدول العربية يمكن أن تساعد سوريا بشكل كبير من خلال ضخ الاستثمارات على الأقل في المناطق الآمنة أو المناطق التي لا تعاني مشكلات أمنية سواء في الشرق أو الشمال الشرقي أو حتى في المناطق الشمالية الغربية، وباقي المناطق حول دمشق والساحل السوري والمنطقة الجنوبية.
وأضاف في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أنه أيضا يمكن للدول العربية أن تستورد من سوريا، وقد كان الاستيراد توقف من سوريا خلال الفترة الماضية، والاستيراد العربي من سوريا سيشكل دعماً للاقتصاد السوري بشكل كبير، خاصة أنه لا تزال هناك بعض المنتجات والسلع السورية مطلوبة في الأسواق العربية، وهي منتجات معروف عنها الجودة، علماً بأن هناك بعض المناطق الصناعية كتلك التي في حلب جرى تأهيلها بشكل كبير وتستطيع أن يتم التصدير منها.
وأوضح أن سوريا شاركت في بعض المعارض التجارية والصناعية، وعلى هامش هذه المعارض تم توقيع اتفاقيات بين الشركات السورية والشركات العربية المشاركة.
وأشار سمير إلى أن الدول العربية يمكنها استيراد الحبوب وتحديداً القمح من سوريا حال استقرار الأوضاع، لا سيما في ظل معاناة كثير من الدول العربية من مشكلات الحبوب بسبب انعكاسات الحرب في أوكرانيا، فمن المعروف أن سوريا كانت في فترة ما هي سلة الغذاء العربية، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن موضوع إعادة الإعمار يمكن تأجيله حالياً لأنه سيحتاج إلى أموال كثيرة.
والأمر الثاني أن إعادة الإعمار سيقوم بها غالباً القطاع الخاص، والأخير يحتاج إلى بعض درجات الأمان وتجنب المخاطرة، وهي عوامل غير متوفرة حالياً في سوريا، لكن يمكن أن تسهم بعض الشركات الحكومية العربية أو الصناديق الحكومية ببعض الجهود في مجال إعادة البناء، بالنظر إلى قدرتها بشكل أكبر نسبياً على المخاطر مقارنة بالقطاع الخاص.
إعادة الإعمار
وإلى ذلك، قال مدير مؤسسة غنوسوس للأبحاث في لندن، الدكتور عمار وقاف، إنه بالرغم من وجهة النظر المتفائلة بشأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وما يتبع ذلك من انفتاح أسواق عربية أمام منتجات سورية إما بالاستيراد أو التصدير أو التسهيلات الجمركية وبما ينشط الدور الاقتصادي العربي في سوريا، إلا أن الوضع يختلف عندما يتعلق الأمر بملف إعادة إعمار سوريا والتوقعات ليست عظيمة في ظل العقوبات الأميركية.
وأضاف في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة في اتجاه المستقبل، مشدداً على أنه بالتأكيد مجرد أن يشعر السوريون بأن هناك ضوءاً في نهاية النفق ربما يدفع ذلك السوريين إلى الاستثمار أكثر في بلدهم، وأن يتريث الشباب والعقول والكفاءات السورية في مسألة الهجرة بانتظار ما هو جديد، وهذا ما سوف يكون له انعكاسات إيجابية، لكن من غير المتوقع أن يكون هناك انقلاب جذري في الاقتصاد السوري خلال المدى القريب.