قليلون هم من يخلون من الضغوط المرتبطة بالعمل والتي يمكن أن تؤثر على الصحة العقلية، فقد مر الكثيرون بمواقف مرهقة في مكان وظائفهم، بدءًا من توقعات الأداء غير الواقعية إلى الرؤساء المتطلبين أو الشخصيات القوية وما إلى ذلك.
وتتزايد الضغوط المرتبطة بالعمل التي تؤثر على الصحة العقلية للموظفين، حيث يقضي الفرد العادي حوالي 90 ألف ساعة في العمل، ما يعادل ثلث حياته. وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من 10 بالمئة من العمال يتغيبون عن العمل بسبب القلق والاكتئاب، مما يعكس تأثير البيئة العملية على الرفاهية النفسية.
ويُظهر تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي، اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن تحديات العمل، مثل التوقعات غير الواقعية والمشكلات الصحية وارتفاع تكاليف المعيشة، تسهم جميعها في زيادة الضغوط النفسية.
في السنوات الماضية، كانت الصحة العقلية تُعتبر مسألة خاصة داخل المنظمات.
ولكن منذ دعوة منظمة الصحة العالمية في عام 2001 إلى تحسين البيئات التي تؤثر على الصحة العقلية، بدأ تغير ملحوظ في كيفية تعامل الشركات مع هذه القضية، خاصة بعد جائحة كوفيد-19، التي زادت من الوعي بأهمية الصحة النفسية في مكان العمل.
- تظهر النتائج المترتبة على العودة للعمل بعد الصدمات الجماعية، مثل جائحة كوفيد-19، أن غياب الموظفين والاستقالات الهادئة قد تكون عواقب سلبية للصحة العقلية، مما يحمل تكاليف تشغيلية ومالية على أصحاب العمل.
- تتوقع الأبحاث أن يبرز جيل Z في هذا السياق، حيث يعبرون بشكل أكبر عن مخاوفهم المتعلقة بالصحة العقلية، ويتطلعون إلى دعم أصحاب العمل في هذا المجال.
- من الناحية الاقتصادية، يُقدَّر أن 12 مليار يوم عمل تُفقد سنويًا عالميًا بسبب الاكتئاب والقلق، مما يكبد الاقتصاد خسائر تصل إلى تريليون دولار في الإنتاجية.
- كما تشير الأبحاث إلى أن الشركات التي تدير صحة موظفيها بشكل جيد تُظهر أداءً أفضل بمعدل 2.5 مرة مقارنة بالشركات التي تعاني من سوء الإدارة في هذا المجال.
استراتيجيات التحسين
لتعزيز الصحة العقلية، يشير التقرير إلى أهمية إشراك القيادة في المبادرات المتعلقة بالصحة النفسية، حيث أن الثقافة المؤسسية تنطلق من القمة. يجب تمكين المديرين من حماية الصحة العقلية للموظفين من خلال التدريب والموارد المناسبة.
وتتطلب البيئة الصحية أكثر من مجرد توفير موارد فردية لإدارة الإجهاد، بل تحتاج إلى ثقافة تدعم مشاركة المخاوف وتشجع على التفاعل المفتوح بين الموظفين.
من الضروري أيضًا دعم الروابط الاجتماعية في مكان العمل، حيث يلعب “أصدقاء العمل” دورًا مهمًا في تقديم الدعم خارج التسلسل الهرمي التقليدي. يجب أن يحرص الموظفون على التوافق مع مهمة المنظمة، حيث أن الشعور بالسيطرة على العمل يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتمكينهم وتحقيق الصحة النفسية الجيدة.
علاوة على ذلك، ينبغي النظر إلى النمو المهني كجزء من تعزيز العافية. غياب مسار واضح للصعود الوظيفي قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للموظفين.
لذا، تعتبر المناقشات الودية بين المديرين والموظفين ذات أهمية كبيرة في تحسين العلاقات وتعزيز التوازن في القوى داخل مكان العمل.
يمكن لمكان العمل أن يكون بيئة مثمرة لدعم الصحة العقلية. توفر الدكتورة عائشة مالك، أخصائية الصحة العقلية في منظمة الصحة العالمية، رؤى حول كيف أن العمل اللائق يسهم في تحسين الصحة النفسية من خلال توفير شعور بالثقة والإنجاز. مع وجود حوالي 60 بالمئة من السكان في العمل، يتاح لنا فرصة كبيرة لمعالجة الصحة العقلية بشكل شامل.
يجب أن تُعتبر جهود تعزيز الصحة العقلية في العمل استثمارًا حيويًا من قبل أصحاب العمل، حيث يمكن لهذه المبادرات أن تحول مكان العمل إلى بيئة داعمة ومواتية، مما يعزز الرفاهية العامة ويحقق نتائج إيجابية على المدى الطويل.
عوامل أساسية
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، إن تحسين الإنتاجية في بيئة العمل يتطلب اهتمامًا بعدد من الأمور والقطاعات لتعزيز معدلات الإنتاج وخلق بيئة عمل قوية.
وأشار إلى أن:
- التعليم يمثل أحد أهم عوامل زيادة الإنتاج، حيث إن العلاقة بينه وبين الإنتاجية وطيدة. من خلال رفع المستوى التعليمي واستقطاب الكفاءات العلمية، يمكن تحسين معدلات الإنتاجية وتوفير الموارد اللازمة لذلك.
- العنصر البشري، باعتباره أهم مورد اقتصادي، يجب أن يحظى بالاهتمام. فقد لاحظنا في دول مثل أوروبا مشكلات في توافر العمالة المهرة، مما أدى إلى استيراد العمالة من الخارج. لذا، فإن العمل على تطوير مهارات العمالة بصورة دورية يعد ضروريًا لمضاعفة الإنتاجية وزيادة العوائد على الاستثمار.
وشدد شعيب أيضًا على أهمية تحديث الآلات والمعدات بشكل دوري، حيث إن ترك بيئة العمل تتضمن آلات متقادمة يقلل من معدلات الإنتاجية ويخلق بيئة غير مشجعة.
أما على صعيد القطاعات التي تدعم رفع الإنتاجية، فقد أشار إلى ضرورة التركيز على مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، لما لها من قدرة على تسريع العمل وتسهيل الإجراءات، مما يحد من مظاهر البيروقراطية. كما يجب الاهتمام بمجالات البرمجيات وصناعاتها المختلفة، حيث تمثل جوانب داعمة لتحسين الإنتاجية عبر تطبيق أحدث الأنظمة والبرمجيات.
أخيرًا، تناول شعيب ملف الطاقة، مشددًا على أهمية البحث عن بدائل صديقة للبيئة، خصوصًا في ظل التغيرات المناخية التي تواجهها الدول وندرة موارد الطاقة.
بهذه التصريحات، يبرز شعيب أهمية التكامل بين التعليم، تطوير العنصر البشري، تحديث المعدات، والاستثمار في القطاعات الحديثة لضمان تحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية.
بيئة العمل الداخلية
وفي حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تناولت الخبيرة الاقتصادية حنان رمسيس عدة جوانب داعمة لتحسين الإنتاجية في بيئة العمل الداخلية، بدءًا من عنصر القيادة.
وأوضحت أن القيادة يجب أن تتوافر بها مجموعة من المعايير لضمان تحسين بيئة العمل والمناخ العام، أهمها العدالة في المعاملات بين جميع الموظفين، مما يسهم في تعزيز الثقة والاحترام. كما أشارت إلى ضرورة وجود مرونة في التعامل، مما يخلق بيئة عمل مرنة تشجع على زيادة الإنتاجية.
كذلك، أكدت على أهمية خلق روح التعاون بين الموظفين، وتحقيق الشفافية وتبادل الآراء والمعلومات، حيث أن هذه العناصر تسهم في خلق بيئة عمل صحية ومريحة. ولفتت إلى أن توفير تقارب في وجهات النظر يساعد أيضًا على تحسين التفاعل بين الموظفين.
وأشارت رمسيس إلى ضرورة إطلاق مبادرات تحفيزية مثل “الموظف المثالي” لتعزيز روح التنافس بين الموظفين، مع ضرورة وجود نظام مكافآت لتحفيز الأداء دون إثارة الجدل. كما شددت على أهمية تحديد المسؤوليات والواجبات بوضوح.
ختامًا، تناولت رمسيس أهمية إقامة فعاليات ومناسبات بين الموظفين لتعزيز الروابط الاجتماعية، والتخلص من الحواجز بين الفرق المختلفة، مما يساعد على بناء مناخ إيجابي وروح تعاون قوية في بيئة العمل.
#اقتصاد عالمي
#العمل