أسهم الميم
تشهد أسواق الأسهم الأميركية موجة جديدة من الحماسة والمضاربات يقودها مستثمرون أفراد عبر منصات التواصل الاجتماعي، في مشهد يعيد إلى الأذهان فورة “أسهم الميمز” التي هزت وول ستريت قبل أعوام.
ومع تصاعد الاهتمام بأسهم شركات محددة رغم ضعف أساسياتها المالية، تظهر مؤشرات على عودة سلوكيات المضاربة المحفوفة بالمخاطر، مدفوعة بعوامل نفسية وزخم إلكتروني يعكس تغيراً في مزاج السوق وتوجهات المتداولين الأفراد
قفزت أسهم سلسلة الكعك المحلى كريسبي كريم وشركة صناعة الكاميرات جوبرو يوم الأربعاء، حيث اتجه تجار التجزئة إلى شراء الأسهم الشهيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في أحدث تفجر لظاهرة أسهم الميم، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ارتفعت أسهم جوبرو وكريسبي كريم في التعاملات المبكرة قبل أن تفقد معظم مكاسبها خلال يوم التداول. وانضمت الشركتان إلى مجموعة من الأسهم التي تحظى بشعبية لدى المعلقين على منتدى وول ستريت بيتس على ريديت – والذي كان محور هوس جيم ستوب عام 2021 ، والتي ارتفعت أسهمها هذا الشهر.
حتى بعد التخلي عن جزء من مكاسبهما المبكرة، لا يزال السهمان أعلى بنسبة تزيد عن 100 بالمئة و35 بالمئة على التوالي حتى الآن في يوليو.
ركز المتداولون على الأسهم التي كانت مستهدفة بشدة من قبل البائعين على المكشوف، في صدى آخر لجنون الأسهم في عام 2021، عندما حاول المستثمرون إلحاق الخسائر بصناديق التحوط التي راهنت ضد أسهم GameStop.
ونقل التقرير عن الخبير الاستراتيجي في مجموعة بيسبوك للاستثمار، جورج بيركس، قوله: “إن تشبيه الوضع بعام 2021 جيد فهذا هو الشعور نفسه الذي كان سائدًا آنذاك”. وأضاف: “هناك قطاعات من الأسواق تشهد ازدهارًا ملحوظًا في الوقت الحالي، وهناك نشاط مزدهر”.
نشاط متزايد
يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن موجة الهوس بأسهم الميمز عادت مجددًا إلى وول ستريت مدفوعة بعدة عوامل متداخلة، أبرزها النشاط المتزايد على منصات التواصل الاجتماعي، مضيفا: “الأسهم التي لطالما ارتبطت بهذه الظاهرة، مثل GameStop وAMC وOpendoor وKohl’s، شهدت مؤخرًا قفزات مفاجئة في أسعارها، مستفيدة من زخم التداول الجماعي الذي يقوده مستثمرو التجزئة على منصات مثل Reddit، وتحديدًا منتدى WallStreetBets”.
ويوضح سعيد أن “الشرارة الأبرز كانت بعودة شخصية مؤثرة مثل كيث جيل، المعروف باسم Roaring Kitty، إلى الواجهة بتغريدات حفزت المتداولين لإعادة استهداف تلك الأسهم، خاصة بعد تسجيل بعض منها مكاسب تجاوزت 300 بالمئة في فترات قصيرة، ما تسبب في خسائر كبيرة لصناديق التحوط التي راهنت على هبوطها”.
ويشير إلى أن “البيئة الاستثمارية الحالية تتسم بارتفاع شهية المخاطرة لدى مستثمري التجزئة، في ظل تسجيل مؤشرات الأسهم الكبرى مستويات تاريخية، ما يجعل السوق مهيأة لعودة ظاهرة أسهم الميم، بدعم من أدوات ومنصات تداول إلكترونية سهلة الاستخدام”.
لكن الخبير الاقتصادي ينبه إلى أن “السياق الاقتصادي مختلف هذه المرة، فالدعم الذي وفرته السيولة الرخيصة خلال فترة الجائحة تراجع بفعل ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم، ما قد يحدّ من استمرارية هذه الحركات السعرية على المدى الطويل”. ورغم ذلك، يشير إلى أن “بعض هذه الأسهم أظهرت تحسنًا نسبيًا في أساسياتها، وهو ما قد يمنحها دعمًا لمزيد من التداول المضاربي لكن بدرجة أعلى من الحذر”.
ويختتم سعيد حديثه بالقول: “عودة أسهم الميمز تعكس تحديًا واضحًا بين مستثمري التجزئة الذين يسعون لتحقيق أرباح سريعة ويرون في ذلك نوعًا من الثأر ضد صناديق التحوط، وبين المؤسسات التي تحاول تقليص خسائرها عبر تغطية مراكز البيع. إنها ظاهرة تجمع بين العوامل المالية والنفسية والاجتماعية الرقمية، وظلت حاضرة على نحو متقطع منذ طفرتها في 2021، لكنها لم تختفِ أبدًا”.
حمى أسهم الميمز
وتنتشر حمّى أسهم الميم إلى عدد متزايد من الأسهم المضاربية، ما يُبرز شهية المتداولين الأفراد للمراهنات عالية المخاطر، حتى في ظل وصول السوق إلى مستويات قياسية، بحسب بلومبيرغ.
بدأ الحديث على منصات التواصل الاجتماعي يتركز أولاً على شركة Opendoor Technologies ، لكنه سرعان ما توسّع ليشمل أسماء أخرى منخفضة القيمة مثل Kohl’s وGoPro وKrispy Kreme، مما أدى إلى ارتفاعات صاروخية لأسهم هذه الشركات.
بحسب نائب رئيس قسم الاستثمار في شركة Franklin Templeton Investment Solutions، ماكس جوخمان، فإن:
- المتداولون الهواة الذين يقومون بهذه المراهنات المحفوفة بالمخاطر لا يهتمون كثيراً بأساسيات الشركات، بل بما يقوله المؤثرون على الإنترنت عنها.
- في كثير من الأحيان، مع أسهم الميم بشكل عام، ما تفعله الشركة ليس بنفس أهمية من يدعم السهم.. المؤثرون الماليون باتوا يمتلكون جماهير ضخمة.. قد ينشر أحدهم مقطع فيديو على تيك توك حول سهم يُعجبه، وسرعان ما تجد أكثر من 100,000 مستثمر يضخون أموالهم فيه.
ووفقًا لشركة Citadel Securities، سجّل المتداولون الأفراد صافي شراء للأسهم النقدية (أي دون استخدام أدوات مشتقة أو مراكز اقتراض) على مدى 19 جلسة تداول متتالية — وهي أطول سلسلة شراء متواصلة منذ ذروة فورة أسهم الميم في عام 2021.
كما أظهرت البيانات أن متوسط نسبة مشاركة المستثمرين الأفراد في تداول أسهم شركات التكنولوجيا التي لا تحقق أرباحًا بلغ 23% خلال آخر 10 أيام تداول — وهو أعلى مستوى يُسجَّل منذ أن بدأ مكتب التداول في غولدمان ساكس تتبّع هذا المؤشر، وارتفعت هذه النسبة إلى 25% خلال الأسبوع الجاري.
ويشير التقرير إلى أن العديد من الأسهم أصبحت محط الأنظار مؤخرًا بسبب ارتفاع مستويات البيع على المكشوف، مما يشير إلى أن المستثمرين الأكثر خبرة يراهنون ضدها. ويتطلع المتداولون الأفراد إلى الاستفادة من ما يُعرف بـضغط البيع على المكشوف، حيث يُجبر البائعون على المكشوف على الانسحاب من صفقاتهم بإعادة شراء الأسهم، مما يرفع سعرها.
- ارتفعت أسهم شركة العقارات الرقمية “أوبن دور” بنسبة هائلة بلغت 312 بالمئة خلال ستة أيام بعد إشادات من المستثمر إيريك جاكسون، لكنها بدأت بالتراجع مجددًا. كان السهم يتداول بأقل من دولار مؤخراً، مما عرّضه لخطر الشطب. يوم الأربعاء، تم تداول أكثر من 360 مليون سهم، أي 240 بالمئة من متوسط الثلاثة أشهر الماضية.
- بالنسبة لشركة كولز فقد تم اقتراض 48 بالمئة من الأسهم المتاحة للتداول لبيعها على المكشوف، وقد أدى ذلك إلى تداول بعض الأحاديث على منصات التواصل الاجتماعي حول ارتفاع السهم نتيجةً لضغط البيع على المكشوف.. تراجعت الأسهم 18 بالمئة الأربعاء. وكانت الشركة قد أثارت الجدل مؤخراً بعد إقالة مديرها التنفيذي على خلفية مخالفات شخصية.
- قفزت أسهم شركة “جو برو” لصناعة الكاميرات القابلة للارتداء بأكثر من 75 بالمئة هذا الأسبوع، بينها صعود تاريخي بنسبة 73 بالمئة صباح الأربعاء. تبلغ القيمة السوقية للشركة نحو 247 مليون دولار، وتستقطب اهتمام المستثمرين الأفراد نتيجة لارتفاع نسبة البيع على المكشوف إلى حوالي 10 بالمئة. كما تواجه الشركة نزاعا على براءات الاختراع مع منافستها Insta360.
- سجلت أسهم “كريسبي كريم” ارتفاعًا أسبوعيًا بـ44 بالمئة بعد قفزة بنسبة 35 بالمئة صباح الأربعاء، مدفوعة بإقبال كبير على خيارات الشراء تجاوز المليون عقد. جاء ذلك رغم توقف الشركة عن توزيع الأرباح الفصلية وإنهاء شراكتها مع “ماكدونالدز” لأسباب تتعلق بالتكاليف، ومع بقاء حوالي 30 بالمئة من أسهمها معروضة للبيع على المكشوف.
عوامل نفسية
يقول رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro، ميشال صليبي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- “شهدنا في الآونة الأخيرة عودة قوية لأسهم الميمز، والتي جاءت مدفوعة بعدة عوامل نفسية وسوقية أعادت إشعال شهية المخاطر لدى المستثمرين الأفراد، خاصة عبر منصات مثل Reddit وX“.
- هذه العودة ارتبطت بتجدد الحماس لدى المجتمعات الاستثمارية، وبرز ذلك من خلال نشاط ملحوظ في منتديات تهتم بهذا النوع من الأسهم.
- أوضح صليبي أن أسهم مثل GameStop و AMC تشهد تداولات مكثفة، كما لعب ظهور رموز وشخصيات كانت مؤثرة سابقا دورا في تحفيز الزخم وتشجيع الأفراد على الانخراط مجددًا في هذه الأسواق.
- من بين العوامل المهمة أيضا، نلحظ ضعف السيولة المؤسسية وتراجع التداول التقليدي على الأسهم الكبرى، ما دفع العديد من المستثمرين للبحث عن فرص مضاربية ذات عوائد سريعة.
- وبسبب حالة الترقب العامة المرتبطة بأسعار الفائدة والتضخم، فإن الكثير من المستثمرين ابتعدوا مؤخراً عن أسهم القيمة واتجهوا نحو الأسهم ذات التقلبات العالية والمخاطر المرتفعة.
ويضيف صليبي عاملا يقوله إنه لا يمكن تجاهله، وهو أن أسهم الميمز كانت ولا تزال هدفًا لصناديق التحوط واستراتيجيات البيع المكشوف، ما يجعلها مغرية في حال حصول ضغط شرائي مفاجئ، مما يجبر هؤلاء على تغطية مراكزهم بسرعة، مما يدفع الأسعار للارتفاع بشكل كبير.
كما أن تحسن المعنويات العامة في السوق، وعودة الأداء القوي للمؤشرات التقنية، ولّدت شعوراً متزايداً لدى المستثمرين بإمكانية تجاوز المخاوف السابقة، وهو ما انعكس في ارتفاع شهية المخاطر، ودفع بالاهتمام نحو أصول ذات تقلبات تراكمية مثل العملات المشفرة وأسهم الميمز.
توراكس: الأسواق ستشهد تقلبات حادة في المرحلة المقبلة