في حين أن جزءاً معيناً من التضخم الذي نعيشه حالياً يمكن أن يعزى بلا شك إلى ارتفاع أسعار الطاقة، فإن هناك جزءاً كبيراً يعود إلى عامل آخر، يرتبط بسعي الشركات وراء تحقيق أرباح مفرطة.
يُعرف ذلك باسم ظاهرة الـ Greedflation والتي تشير إلى الارتفاع الزائد في الأسعار الذي يتم تسجيله حالياً في مختلف القطاعات الاقتصادية، والذي يرتبط بصورة أساسية بالأرباح المفرطة التي تحققها الشركات على حساب المستهلكين، وبما يزيد من الضغوط الاقتصادية التي يتحملها الأفراد والأسر.
تحليل كتبه الصحافي البريطاني، إد كونواي، في موقع سكاي نيوز البريطانية، ناقش مفهوم الـ “Greedflation” وتحدث عن كيفية ضغط أرباح الشركات على معدلات التضخم.
لكنه أشار -فيما يخص الوضع في بريطانيا- إلى أنه لا توجد دلائل كثيرة على أن الأرباح هي المتسبب الرئيسي في التضخم، بل يعزى ذلك إلى الضرائب الحكومية.
وأشار إلى أن بعض الاقتصاديين يجادلون بأن الشركات تستخدم أزمة تكلفة المعيشة كفرصة لتحقيق أرباح مفرطة، موضحاً أن هذه ليست مجرد نظرية خاملة؛ فالاقتصاديون في البنك المركزي الأوروبي لديهم بالفعل بعض الأدلة الإحصائية لدعمها.
وبينما يعد تحليل مؤشر أسعار المستهلك، هو المقياس التقليدي لارتفاع الأسعار، إلا أنه لا يمكن أن يوفر فهماً شاملاً لتأثير الارتفاع في الأسعار على العمال وأرباب العمل، وحجم الفائدة التي تعود على العمال مقارنةً بأرباب العمل من هذه الزيادة في الأسعار.
بينما هناك طريقة أخرى لتحليل الأرقام المتعلقة بالأسعار، وذلك من خلال النظر إلى معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي.
وعند النظر إلى الأسعار بهذه الطريقة، أي باستخدام مجموعة بيانات أخرى، يمكن حساب مدى مساهمة الأرباح في زيادة الضغط على الأسعار الذي نشهده حالياً، ومدى مساهمة الأجور فيه (أو عوامل أخرى مثل الضرائب).
وبمعنى آخر، يمكن لهذا المقياس تقديم تحليل أكثر تفصيلاً لتأثير الأرباح والأجور وغيرها من العوامل على الأسعار، وهو يساعد على تحديد أسباب الزيادة في الأسعار والتغيرات الاقتصادية المختلفة التي تؤثر فيها.
- بتحليل بيانات المركزي الأوروبي، فمن الواضح تماماً أن الأرباح كانت جزءاً كبيراً من الزيادات الأخيرة في الأسعار؛ ففي الربعين الأخيرين من العام 2022 كانت “الأرباح” مسؤولة عن ارتفاع الأسعار أكثر من ارتفاع الأجور.
- في بريطانيا، ورغم الإغراء في إلقاء اللوم على الشركات، إلا أنه لا توجد أدلة كثيرة من هذه الأرقام التي تشير إلى أن الشركات هي المتسبب الرئيسي.
- في الواقع، كانت الضرائب (أي الحكومة) أكثر مساهمة في التضخم في العام 2021 وحتى العام 2022 من الأرباح التي حققتها الشركات.
انتهاز الفرصة
لكن طبقاً للباحث بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، جاكوب كيركيجارد، فإنه:
- ليس هناك شك في أن عديداً من الشركات البريطانية قد استغلت فرصة نهاية عمليات الإغلاق بعد جائحة كورونا، والآن صدمة أسعار الطاقة، لرفع أسعارها في كثير من الحالات لأول مرة منذ عدد من السنوات.
- تفعل كثير من الشركات ذلك تحت غطاء “الجميع يفعل ذلك”!
- من المحتمل أن الشركات الكبرى الرائدة هي التي قادت الطريق (لارتفاع الأسعار) في عديد من القطاعات.
ويشير في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أن “هذه الظاهرة موجودة أيضاً في بلدان أوروبية أخرى”، مشدداً على أن هذا متوقع بشكل دائم من الشركات التي تعمل على تحسين الربح، إذ يتم رفع الأسعار إذا تمكنوا من الإفلات من العقاب دون خسارة العملاء، لكن هذا قد لا يحدث، وبالتالي من غير المحتمل أن تظل الأسعار على ما هي عليه.
ويتابع: في المملكة المتحدة على وجه الخصوص، هناك نقص في عديد من السلع، وبالنظر إلى كيف أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى كسر العلاقات التجارية التقليدية مع بقية أوروبا، ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن ترتفع معدلات الأرباح في المملكة المتحدة في ظل ارتفاع الأسعار، وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل أن يكون هذا دائماً، حيث ستفقد الشركات القدرة على رفع الأسعار دون خسارة المبيعات مع تدهور الوضع الاقتصادي للمستهلكين.
تحديات واسعة
ويعاني الاقتصاد البريطاني من تحديات كبيرة مع ارتفاع التضخم وتراجع معدلات النمو، حيث تعتبر بريطانيا هي الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي لم تعد إلى أوضاع ما قبل انتشار وباء كورونا.
ورفع صندوق النقد الدولي في وقت سابق توقعاته لأداء الاقتصادي البريطاني خلال العام الجاري 2023 من توقعات سابقة بانكماش 0.6- بالمئة إلى انكماش بنسبة 0.3- بالمئة في التقرير الأخير. بينما يعتقد الصندوق بأن المشهد في عمومه لا يبدو مبشراً بالنسبة للندن.
- تُسجل بريطانيا معدل تضخم “هو الأعلى في غرب أوروبا”.
- بلغ معدل تضخم أسعار المستهلكين في البلاد 10.1 بالمئة في مارس، متراجعاً بشكل طفيف من 10.4 بالمئة في فبراير، بحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني.
- ارتفعت أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية بنسبة 19.1 بالمئة على أساس سنوي في مارس (أكبر زيادة منذ أغسطس 1977).
الشركات البريطانية ورفع الأسعار
وفي السياق، يقول الخبير الاقتصادي بصحيفة “فاينانشال تايمز” أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- لا تخفي معظم الشركات البريطانية الكبرى أنها مضطرة لرفع الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف التشغيل والطاقة والمواد الأولية.
- انعكس ذلك على معظم الشركات الخدمية أيضاً، ورأينا ذلك واضحاً هذا الأسبوع حينما اعترضت الشركات على تحذير محافظ بنك إنجلترا من رفع الأسعار.
- برر محافظ البنك تحذيره قائلاً: “إذا حاولت الأسعار أن تتغلب على التضخم، فسوف يزداد التضخم”.
ويشير القاسم إلى أن “الاقتصاد البريطاني يبدو أنه سوف يمكث لفترة أطول في حفرة التراجع الاقتصادي التي انزلق إليها بفعل التضخم العنيد وارتفاع الأعباء التي تواجهها الأنشطة المختلفة. وهذا يؤدي الى تصاعد حالات الإفلاس التي وصلت إلى أعلى مستوى في 4 سنوات، وتأتي المؤشرات على خلاف ما تعد به الحكومة من تحقيق النمو وكبح جماح التضخم.
ويلفت إلى أن بات جلياً أن التضخم في بريطانيا أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا، حيث هبط مؤشر أسعار المستهلكين منذ شهور. وفي الولايات المتحدة، ارتفعت الأسعار 5 بالمئة في مارس الماضي، وهو أقل معدل خلال عامين تقريباً.
وفي منطقة اليورو، تراجع مؤشر أسعار المستهلكين خلال الشهر نفسه إلى 6.9 بالمئة، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2022.
ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن “الاقتصاد البريطاني يعاني من أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي التي ضربت العلاقات التجارية للشركات مع دول الكتلة الأوروبية، كما قلصت من حجم البورصة البريطانية، التي خسرت الكثير من عمليات التسوية”.