رسوم ترامب الجمركية
تشهد الساحة التجارية العالمية توتراً متزايداً مع تصاعد التهديدات والرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاتحاد الأوروبي ودول أخرى.
أثارت هذه الخطوات ردود فعل واسعة النطاق تدفع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم استراتيجياته التجارية، وتعزيز التعاون مع شركاء دوليين يواجهون نفس الضغوط، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة ترد على السياسات الحمائية الأميركية.
في هذا السياق، يستعد الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون مع الدول الأخرى المتضررة من الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب، وذلك في أعقاب سلسلة من التهديدات الجديدة التي وجهت إلى الاتحاد الأوروبي وشركاء تجاريين آخرين للولايات المتحدة، بحسب تقرير لـ “بلومبيرغ”.
وقال كبير المفاوضين التجاريين بالاتحاد الأوروبي، ماروس سيفكوفيتش، للصحافيين يوم الاثنين على هامش اجتماع وزراء التجارة، إنه في حين أن هناك دائماً اتصالاً منتظماً مع البلدان الأخرى، وخاصة بين مجموعة السبع، فإن خطر اندلاع حروب تجارية أوسع يعني “وجود هذا الشعور الجديد بالإلحاح”.
وأفادت بلومبرغ نيوز سابقاً بأن الاتصالات مع دول، منها كندا واليابان، قد تشمل إمكانية التنسيق.
وتأتي هذه الجهود في الوقت الذي طال أمده في محادثات التجارة بين كندا والاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة، وما زالت عالقة بشأن العديد من القضايا التي تتراوح من السيارات إلى الزراعة.
مع اقتراب موعد فرض الرسوم الجمركية العقابية بعد أسبوعين فقط، وقلة الدول القادرة على توقيع اتفاق مع ترامب، فإن بعض حلفاء أميركا الاقتصاديين يعيدون النظر في اعتمادهم الطويل الأمد على الحواجز التجارية المنخفضة أمام أكبر اقتصاد في العالم.
وقالت مسؤولة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، تيريزا ريبيرا: “علينا استكشاف مدى وعمق تعاوننا في منطقة المحيط الهادئ مع الدول الأخرى”. وسلطت الضوء على استمرار محادثات الاتحاد الأوروبي التجارية مع الهند، والتي من المتوقع أن تُستكمل بنهاية العام.
موقف محرج
من بروكسل، يقول خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- الاتحاد الأوروبي يواجه موقفاً محرجاً عقب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30 بالمئة على البضائع الأوروبية المستوردة إلى الولايات المتحدة.
- “الإحراج الأوروبي تعمق بعد تصريحات ترامب التي ألمح فيها إلى أن أي رد أوروبي بفرض رسوم على البضائع الأميركية سيقابله رفع إضافي في الرسوم المفروضة على السلع الأوروبية، بنسبة تتناسب مع تلك التي يفرضها الاتحاد الأوروبي”.
- دول الاتحاد تحاول الآن الضغط على الإدارة الأميركية عبر فتح قنوات تفاوض مع واشنطن، كما تسعى لتنسيق مواقفها مع دول أخرى متضررة من الرسوم الأميركية، في محاولة لتشكيل جبهة موحدة أمام القرار الأميركي.
ويضيف: “حتى الآن، من المقرر أن تدخل الرسوم الجديدة حيّز التنفيذ في الأول من أغسطس المقبل، وهناك مفاوضات جارية بين الجانبين الأوروبي والأميركي.. إلا أن هذه المحادثات تواجه صعوبات كبيرة، لأن الرئيس الأميركي يهدف بالأساس إلى تقليص العجز التجاري مع الاتحاد الأوروبي”.
ويحذر بركات من أن “استمرار هذه الحرب التجارية سيؤدي إلى تداعيات سلبية على الطرفين، بل وعلى الاقتصاد العالمي ككل”، متسائلًا: “هل يقتنع الرئيس ترامب بأن فرض رسوم جمركية مرتفعة لن يخدم مصلحة بلاده، بل قد يضر بها وبالاقتصاد العالمي؟”، قبل أن يختتم بقوله: “من الصعب توقع تراجع ترمب عن قراره في الوقت الراهن”.
العلاقات التجارية
بحسب مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، فإن:
- علاقات الولايات المتحدة التجارية والاستثمارية مع دول أوروبا تُعدّ الأكبر والأكثر تعقيداً في العالم.
- تُهيمن العلاقات الاقتصادية الأميركية عبر الأطلسي على علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 27 دولة.
- تُمثل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعةً سوقًا تضم ما يقرب من 500 مليون مستهلك.
- ظلَّت التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي متوازنة تقريباً على مر الزمن، كما أن المستويات العالية جداً للاستثمار الأجنبي التي تُسهم بها كلٌّ منهما في أسواق الأخرى تعني أن الاقتصاد عبر الأطلسي هو بلا شك الأكثر تكاملًا في العالم.
ووفق المجلس الأوروبي، فإن:
- يتمتع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأكبر علاقات تجارية واستثمارية ثنائية والعلاقات الاقتصادية الأكثر تكاملاً في العالم.
- تمثل هذه البلدان مجتمعة ما يقرب من 30 بالمئة من التجارة العالمية في السلع والخدمات و43 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
- في العام 2024 تجاوز حجم التجارة عبر الأطلسي في السلع والخدمات 1.68 تريليون يورو. ويُعدّ كلٌّ من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الشريكين التجاريين الرئيسيين في السلع لبعضهما البعض.
- في العام نفسه بلغت قيمة تجارة السلع بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة 867 مليار يورو.
- الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بصادرات الاتحاد والشريك الثاني (بعد الصين) فيما يتعلق بواردات الاتحاد الأوروبي.
جبهة مضادة
من برلين، يقول خبير العلاقات الدولية الاقتصادية، محمد الخفاجي، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- اتجاه الاتحاد الأوروبي لتعزيز التعاون مع الدول المتضررة من رسوم ترامب يهدف إلى تشكيل جبهة مضادة لسياسات الرئيس الأميركي التجارية الحمائية.
- هذا التحالف المحتمل يجمع دولاً مثل الصين وكندا والمكسيك وحلفاء آسيويين، ويهدف إلى تنسيق السياسات التجارية وتنويع سلاسل الإمداد والبحث عن أسواق بديلة لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
- تمثل هذه الخطوة رسالة واضحة لترامب تؤكد أن الحمائية تحظى برفض دولي واسع وقد تؤدي إلى عزلة اقتصادية لأميركا.
ويشدد على أنه “يمكن لهذا التحالف التأثير على ترامب بشكل كبير لعدة أسباب؛ أبرزها القوة الاقتصادية المجمعة التي يمتلكها الاتحاد الأوروبي والصين، ذلك أن فرض رسوم جمركية متبادلة مع هذا التكتل سيضر بشكل كبير بالشركات والمستهلكين الأميركيين، كما حدث سابقاً مع الرسوم المتبادلة بين أميركا والصين التي ألحقت خسائر بالجانبين”.
كذلك، يسهم تحالف الدول المتضررة في تقليل نفوذ الولايات المتحدة في المنتديات الدولية مثل منظمة التجارة العالمية، مما يعزز عزلة واشنطن سياسياً. إضافة إلى ذلك، وجود جبهة موحدة يمنح هذه الدول قوة تفاوضية أكبر، قد تجبر ترامب على إعادة النظر في سياساته الحمائية والبحث عن حلول أكثر توازناً. ويُعد فرض رسوم انتقامية من دول مثل كندا والاتحاد الأوروبي رداً على رسوم الصلب والألمنيوم الأمريكية دليلاً على هذا التأثير، بحسب الخفاجي.
ومن المقرر أن يؤجل الاتحاد الأوروبي خطته لفرض رسوم جمركية على الولايات المتحدة بقيمة 21 مليار يورو من صادراته السنوية إلى أوروبا يوم الثلاثاء على أمل التوصل إلى اتفاق بعد أن أعلن دونالد ترامب أنه سيفرض على الكتلة رسوما جمركية بنسبة 30 في المائة اعتبارا من الأول من أغسطس، بحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوم الأحد إن تطبيق الرسوم الجمركية على صادرات أميركية سنوية بقيمة 21 مليار يورو إلى الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الدجاج والدراجات النارية والملابس، والتي كان من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في 15 يوليو، سيتم تعليقها حتى “أوائل أغسطس”.
تقييد مساحة المناورة
مستشار المركز العربي للدراسات، أبوبكر الديب، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- فكرة بناء جبهة مضادة لترامب من خلال تكثيف تعاون الاتحاد الأوروبي مع الدول المتضررة من الرسوم تعني ببساطة خلق توازن وضغط جديد قد يقيد مساحة المناورة التي يستخدمها ترامب حالياً لفرض رسوم جمركية دون تكاليف كبيرة عليه.
- عندما يربط الاتحاد الأوروبي نفسه بدول مثل كندا والمكسيك وكوريا الجنوبية التي تعاني أيضاً من قيود أميركية، تتوسع قدرة الرد الجماعي بشكل أكبر (..).
- هذا التكتل إذا نسق سياسات الرد، قد يشكل كتلة تجارية تقارب تريليون ونصف دولار من الصادرات الموجهة للسوق الأميركية. وهذا من شأنه أن يخلق مخاوف حقيقية لدى قطاعات صناعية أميركية كبيرة تعتمد على استيراد المواد الخام والأجزاء والسلع الوسيطة.
ويضيف: إذا تحركت هذه التكتلات بشكل منظم وفرضت قيوداً مضادة أو قدمت تسهيلات متبادلة، فإن مسار التفاوض سيتغير، وترامب سيجد نفسه مضطراً للدخول في تنازلات تكسر فكرة الرسوم العقابية المتفرقة.. غير أن نجاح هذا السيناريو لا يكون مضموناً إلا إذا تمكن الاتحاد الأوروبي من منع أية دولة من كسر الصف عبر صفقات ثنائية، لأن ترامب يعتمد دائماً سياسة اللعب على الانقسامات الثنائية لفرض شروطه.
القبي: ترامب يستهدف ضرب الوحدة الأوروبية برسومه الأخيرة