وول ستريت – أسهم أميركا
يشهد الاقتصاد الأميركي مرحلة من الغموض وعدم اليقين، بعدما أدى الإغلاق الحكومي إلى توقف تدفق البيانات الرسمية التي يعتمد عليها المحللون لتشخيص حالة الاقتصاد وتقدير مساره في الشهور المقبلة. فيما تتعالى التساؤلات في الأوساط المالية حول كيفية قراءة السوق بلا أرقام ولا مؤشرات رسمية، وسط تزايد الحاجة إلى بدائل يمكن الركون إليها في غياب تلك الإحصاءات الحيوية.
يدفع هذا الفراغ المعلوماتي المؤسسات المالية والمستثمرين إلى البحث عن إشارات من خارج القنوات التقليدية، في محاولة لرسم ملامح الاتجاه الاقتصادي الحقيقي. وفي خضم هذا الوضع، قد تبرز تقارير الشركات المدرجة في وول ستريت بوصفها نافذة جديدة يمكن أن تعكس نبض النشاط الاقتصادي من الداخل، لا سيما في قطاعات المصارف والتكنولوجيا والتجزئة.
تُدرك الأسواق أن موسم الأرباح الحالي لن يكون مجرد محطة مالية دورية، إنما يشكل اختباراً لمتانة الاقتصاد الأميركي في وجه الضباب السياسي والإداري؛ ذلك أن نتائج الشركات الكبرى لا تُقاس فقط بالأرباح والخسائر، بل بما تحمله من دلائل عن سلوك المستهلكين، وتكلفة التمويل، وحركة الاستثمارات، واتجاهات الطلب الكلي في الاقتصاد الأكبر عالمياً.
وسط هذا المشهد المتشابك، يطرح تقرير لصحيفة “بيزنس إنسايدر” سؤالاً محورياً: هل يمكن لموسم الأرباح أن يكون بمثابة شريان الحياة للبيانات الذي كان خبراء الاقتصاد يبحثون عنه وسط إغلاق الحكومة؟
ويضيف:
- أدى إغلاق الحكومة إلى توقف مؤقت لتقارير البيانات الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاديون لتقييم الوضع الراهن واتجاه الأمور.
- لكن مع حلول موسم الأرباح، ستصدر مجموعة كبيرة من البيانات، وإن كانت خاصة بشركات محددة.
- المجموعة الأولى من الشركات التي ظهرت هي البنوك الأميركية الكبرى، والتي تتبنى منظوراً فريداً بشأن عادات الإنفاق والاقتراض لدى الملايين من الأميركيين الذين تخدمهم.
- تُعد صحة المقترضين (سواءً كانوا مستهلكين أو شركات) أحد الجوانب الرئيسية التي يجب مراقبتها.
- أي مؤشر على تدهور هذه الفئة قد يكون مؤشرًا على وجود مشاكل في المستقبل.
- من ناحية أخرى، فإن رغبة العميل في الحصول على قروض إضافية تُشير أيضاً إلى وضعه المالي.
لا غنى عن البيانات
من جانبه، يرى رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets جو يرق، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:
- نتائج أرباح الشركات الأميركية لا يمكن أن تُغني عن البيانات الاقتصادية.
- لكن النتائج في الوقت ذاته تشكل دعماً مهماً لقطاع الأسهم الأميركية.
- أداء الشركات خلال الربعين الأول والثاني من العام كان قوياً وتجاوز التوقعات.. ومن المرجح أن تستمر هذه النتائج الإيجابية أيضاً في الربع الثالث.
- موسم إعلان الأرباح الذي بدأ، ويُظهر بوادر إيجابية رغم بعض التقلبات في الأسواق.
- تقلبات الأسواق جاءت بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب للرسوم الجمركية وتصاعد الحرب التجارية مع الصين.
ويضيف يرق أن التوجه الواضح من قبل الفيدرالي الأميركي نحو خفض الفائدة بمقدار يتراوح بين 25 و50 نقطة أساس خلال الاجتماعين المقبلين، سيكون عامل دعم قوي لأسواق الأسهم في المرحلة الحالية.
فيما يؤكد كذلك أن الاقتصاد الأميركي ما زال متيناً، وأن السياسات الاقتصادية الراهنة تسعى إلى الحفاظ على هذا الزخم. أما بخصوص الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، فيوضح أن الرئيس ترامب يستخدمها كأداة تفاوض وضغط اقتصادي أكثر من كونها مواجهة دائمة، متوقعاً أن تشهد الفترة المقبلة انفراجاً وتقدماً في مسار التفاهم بين الجانبين.
ويختم جو يرق تصريحاته بالتأكيد على أن نتائج الشركات الأميركية في الربع الثالث مرشحة لأن تكون قوية، مما سيدعم استمرار الأداء الإيجابي للأسهم الأميركية خلال المرحلة المقبلة.
ويشير تقرير لـ “رويترز” إلى أن المستثمرين في وول ستريت يبحثون عن أدلة اقتصادية من أرباح البنوك وسط ضبابية البيانات.
ونقل التقرير عن الرئيس التنفيذي لشركة هورايزون لخدمات الاستثمار، تشاك كارلسون، قوله: “يرتكز جزء كبير من التفاؤل على نمو الأرباح المتوقع.. إذا بدأنا نشهد بعض الثغرات في ذلك، فلن يكون ذلك جيدًا للسوق بشكل عام”.
وتتسع دائرة الترقب في وول ستريت لتشمل ليس فقط البنوك وشركات التكنولوجيا، لكن أيضاً شركات السلع الاستهلاكية والتجزئة، التي تُعد مرآة مباشرة للقوة الشرائية للأسر الأميركية. إذ يرى محللون أن تراجع مبيعات هذه الشركات أو تباطؤ نموها قد يكون مؤشراً مبكراً على فتور في الإنفاق الاستهلاكي.
كما تتابع الأسواق عن كثب تصريحات الإدارات التنفيذية للشركات الكبرى خلال مؤتمرات إعلان النتائج، إذ غالباً ما تحمل هذه التصريحات إشارات دقيقة إلى توقعاتهم بشأن الطلب العالمي، وتكاليف التشغيل، وسلاسل التوريد.
وتمثل هذه المرحلة الحالية اختباراً مزدوجاً لثقة الأسواق: فمن جهة، يواجه المستثمرون غياب الشفافية الإحصائية التي توفرها الحكومة، ومن جهة أخرى، يُعوَّل على الشركات المدرجة لتقديم صورة واقعية عن أداء الاقتصاد.
دور رئيسي
وإلى ذلك، يشير رئيس قسم الأسواق المالية في شركة FXPro ميشال صليبي لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أن:
- نتائج أرباح شركات التكنولوجيا أمر بالغ الأهمية في هذه المرحلة.
- من المتوقع أن يلعب موسم الأرباح دوراً محورياً بالنسبة للاقتصاديين والمستثمرين، خاصة في ظل توقف صدور البيانات الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي.
- غياب البيانات الحكومية، مثل بيانات التوظيف والتضخم ومبيعات التجزئة، يخلق فراغاً معلوماتياً كبيراً أمام الاقتصاديين، ما يجعل تقارير الشركات المدرجة مصدراً واقعياً لرصد النشاط الاقتصادي في الوقت الفعلي.
ويتابع: “أرباح الشركات أصبحت بمثابة مؤشر اقتصادي بديل، وخصوصاً نتائج كبرى الشركات والبنوك مثل جي بي مورغان، وولمارت، وأمازون وإنفيديا، وغيرها من شركات التكنولوجيا العملاقة، لأنها تعكس بشكل مباشر سلوك المستهلك، وحجم الإنفاق الاستثماري، وتكاليف التمويل، وحالة سلاسل التوريد”.
ويشدد صليبي على أن “المحللين والاقتصاديين يركزون على اتجاهات الإيرادات وهوامش الأرباح لتقييم مدى تأثير التضخم وارتفاع الفائدة، إضافة إلى التوجيهات المستقبلية التي تقدمها هذه الشركات والتي تعتبر أداة استشرافية مهمة لتحديد اتجاه الاقتصاد في غياب البيانات الرسمية”.
ويستطرد “تكمن أهمية موسم الأرباح الحالي في أنه يشكل، في ظل الإغلاق الحكومي، محطة مراقبة حرجة ليس فقط لأداء الشركات، بل أيضاً لقياس مدى مرونة الاقتصاد الأميركي أمام الضغوط السياسية والمالية، وهو ما قد يسهم في توجيه توقعات الاحتياطي الفيدرالي خلال الفترة المقبلة، خصوصًا إذا ظهرت إشارات ضعف في الاستهلاك أو تراجع في الاستثمار”.
وفي المحصلة، يبدو أن موسم الأرباح يتجاوز هذه المرة حدوده التقليدية، ليصبح أداة إنذار مبكر تكشف نبض الاقتصاد الأميركي في زمن الغموض الإحصائي، وتحدد اتجاه الأسواق بين استمرار الزخم أو بداية التحول.
Capital.com: نتائج أغلب شركات S&P 500 تجاوزت التوقعات