كان من المقرر مناقشة مشروع قانون إطاري يسمح بإعادة الأعمال المأخوذة بشكل غير قانوني من المستعمرات الفرنسية الإفريقية السابقة في مجلس الشيوخ في أبريل الماضي. إلا أنه تأجل إلى خريف 2024.
لكن يبدو أن التعديل الحكومي الجديد سيزيد من تأخير صدور قانون استعادة الممتلكات الثقافية التي نهبت أثناء الاستعمار.
وهذا التأخر أمر مؤسف لأن الالتزام الذي قطعه إيمانويل ماكرون في عام 2017، ينص على أنه “في غضون خمس سنوات سيتم استيفاء الشروط اللازمة للاسترداد المؤقت أو النهائي لأعمال التراث الأفريقي في القارة الإفريقية”.
قانون منظم
وفي عام 2018، أشار تقرير حول “استعادة التراث الثقافي الإفريقي”، أعدته مؤرخة الفن بينيديكت سافوي والاقتصادي السنغالي فيلوين سار بتكليف من الرئيس الفرنسي إلى أنه لا يزال هناك 90 ألف عمل فني إفريقي ذو قيمة تاريخية وفنية عالية في فرنسا، 70 ألف منها محفوظة في متحف كيه برانلي في باريس.
ولتصميم مشروع قانون ينظم عملية الاسترداد، كلف إيمانويل ماكرون رئيس متحف اللوفر السابق، جان لوك مارتينيز بإعداد نص يكون موضوع القانون في عام 2021.
وبهذا التكليف، نشر الرئيس السابق لمتحف اللوفر تقريرا في أبريل 2023 يغطي جميع المجالات المعنية بالرد. ويوصي باعتماد ثلاثة قوانين عامة: قانون خاص بالممتلكات المنهوبة في سياق الاضطهاد المعادي للسامية، وآخر يتعلق بالرفات البشري، والثالث يتعلق بالممتلكات الثقافية التي يطالب بها أصحابها أو التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير قانوني من المستعمرات في إفريقيا.
ومنذ ذلك الحين، صوت البرلمان لصالح النصين الأولين، على التوالي، في يوليو وديسمبر 2023. أما النص الأخير، الذي أعدته وزيرة الثقافة السابقة ريما عبد الملك، فبقي معلقا إلى حد الساعة.
ولهذا منذ خطاب ماكرون، لم يتم تنظيم سوى عملية استرداد واحدة واسعة النطاق في نوفمبر 2021، لـ 26 كنزا ملكيا من أبومي في بنين الذي نهبته القوات الاستعمارية في القرن التاسع عشر.
وفي غضون أشهر قليلة، ذهب 200 ألف زائر لمشاهدة هذه الأعمال في القصر الرئاسي في كوتونو، “مما يثبت كذب كل من يزعمون في أوروبا أن الشعوب الإفريقية غير مهتمة بتراثها”، كما أكدت آنذاك، بنديكت سافوي في تصريحها للصحافة الفرنسية.
لماذا تستغرق “حركة العودة” كل هذا الوقت؟
ويشير المؤرخ والمتخصص في الشؤون الاستعمارية، باسكال بلانشارد في تصريحه لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أن فرنسا أعادت مؤخرا أعمالا مهمة إلى السنغال ورفاتا بشريا إلى الجزائر ومجموعة كبيرة من القطع الفنية لبنين. هذا الاسترداد واسع النطاق يمثل قوة رمزية ومؤسسية. وهذا يثبت بوضوح أن هناك أيضًا رغبة في تحويل الأمر إلى واقع”.
ويتابع: “لكن هناك صعوبات واجهت حسن نية فرنسا، أهمها عملية تحديد هوية القطع الفنية الإفريقية وتاريخها. إذ للقيام بهذا، نحتاج إلى باحثين أكفاء للانغماس في البحث المتأني عن الأصول مع رصد ميزانيات مالية كبيرة وهو الأمر الذي لم يتحقق لحد الساعة. بالإضافة إلى مشروع القانون الذي يتم التصويت عليه بعد منذ عام 2017 بسبب الانسداد السياسي وعدم رغبة أحزاب اليمين في سن هذا القانون”.
علاوة على ذلك، يضيف بلانشارد، “يرفض مدراء بعض المتاحف الفكرة تماما ويطالبون الدول الإفريقية الراغبة في استرداد أعمالها بتوفير الموارد المالية لإثبات هوية الأعمال والتحقق من امتلاكها لها”.
و”الغريب”، بحسب قوله، أن “تكون فرسا سباقة لإطلاق هذه المبادرة في أوروبا لكن بلجيكا وألمانيا وسويسرا وهولندا تحركوا بشكل أسرع وأكثر دينامية من باريس لأنها مكنت المتاحف من تقرير إعادة العمل الفني دون المرور بقانون فيدرالي، مما يجعل العملية أسرع بكثير”.
إنشاء صندوق فرنسي ألماني
ولتحريك الماء الراكض، قررت فرنسا وألمانيا، في عام 2023 في إطار التعاون الثنائي، توحيد الجهود لإنشاء صندوق فرنسي ألماني لمدة ثلاث سنوات.
هذا الصندوق التجريبي الذي بلغت قيمته 2 مليون يورو خصص للبحث عن مصدر القطع والأعمال الفنية من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى الموجودة في مجموعاتها.
لكن يبقى هذا الحل “غير كافيا” يقول المؤرخ والمتخصص في الشؤون الاستعمارية لأنه “رغم تخصيص هذه الميزانية لا يتناسب عدد الباحثين العاملين في هذا المجال مع عدد الأعمال المنهوبة التي تقدر بعشرات آلاف القطع التي يجب تقفي أثرها لتحديد هويتها”.
وحتى الآن، قدمت حوالي ثماني دول طلبات رسمية إلى فرنسا. وتطالب السنغال بـ 10 آلاف قطعة، وإثيوبيا 3000 قطعة، وتشاد 10 آلاف قطعة، ومالي 16 قطعة، وبنين تريد مواصلة استرجاع باقي القطع. من جانبها، تطالب مدغشقر باستعادة تاج الملكة رانافالونا الثالثة رسميًا (المعار حاليًا من فرنسا) وساحل العاج يطالب باستعادة 148 عملاً، بدءًا من دجيدجي أيوكوي، الطبل الناطق لشعب الإبريي، الذي تمت مصادرته في عام 1916. وتتقاطع هذه الطلبات أحياناً مع طلبات أخرى تتعلق بالرفات البشري.