فضل يوم عاشوراء: فرصة للتقرب إلى الله وتكفير الذنوب

في قلب التقويم الهجري، يبرز يومٌ له وقع خاص في قلوب المسلمين، ألا وهو يوم عاشوراء، الموافق للعاشر من شهر محرم، أول شهور السنة الهجرية. ولكن متى يوم عاشوراء تحديداً؟ هو اليوم العاشر من شهر محرم، ويُحسب وفق الرؤية الشرعية لكل بلد، مما قد يجعل تحديده يختلف بيوم بين بلد وآخر.

هذا اليوم ليس مجرد ذكرى تاريخية أو مناسبة روحية، بل يمثل محطة للتأمل، التوبة، والتجديد النفسي والديني. يحتفل المسلمون بهذا اليوم بالصيام والدعاء، ويرتبط في الذاكرة الدينية بعدة أحداث عظيمة، أبرزها قصة عاشوراء التي تحكي نجاة نبي الله موسى عليه السلام من فرعون، كما يرتبط تاريخياً بحادثة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين رضي الله عنه.

في هذا المقال، سنلقي نظرة شاملة على يوم عاشوراء، مع استعراض سبب تسميته، فضل صيامه، الأدعية المخصصة له، وبعض العبارات المؤثرة المرتبطة به.

ما هو يوم عاشوراء؟

يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر محرم، وهو من الأيام المباركة في الإسلام. وقد وردت فيه عدة أحاديث نبوية تؤكد مكانته. لكن ما هو سبب صيام يوم عاشوراء الذي يدفع ملايين المسلمين حول العالم للامتناع عن الطعام والشراب في هذا اليوم؟

السبب الرئيس في صيام هذا اليوم يعود إلى ما ورد عن النبي ﷺ، حين قدم إلى المدينة ووجد اليهود يصومونه، فسأل عن السبب، فقالوا: “هذا يوم نجّى الله فيه موسى من فرعون”، فقال: “نحن أحق بموسى منهم.” فصامه وأمر بصيامه. ومن هنا، كان سبب صيام يوم عاشوراء مرتبطاً بشكر الله على نعمة النجاة، وهي رسالة إيمانية عظيمة.

الدلالة اللغوية ليوم عاشوراء

اسم “عاشوراء” مأخوذ من الرقم “عشرة”، حيث يشير إلى اليوم العاشر من شهر محرم. يشهد هذا اليوم مجموعة من الطقوس الدينية والاجتماعية التي تختلف من مجتمع مسلم لآخر، ولكنها تتوحد في إطار تقدير هذا اليوم المبارك.

قصة عاشوراء: من النجاة إلى التضحية

تتعدد قصة عاشوراء، وتُروى من زوايا مختلفة. الأولى هي القصة القرآنية التي تحكي كيف نجّى الله سيدنا موسى وقومه من فرعون. تقول الآيات في سورة يونس: “فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون… وأغرقنا آل فرعون.”

هذه القصة تُعد جوهر يوم عاشوراء، وتشكل سبب صيام يوم عاشوراء الرئيسي كما ذكر النبي ﷺ، حيث قال إنه يومٌ نجّى الله فيه موسى فصامه شكراً.

لكن قصة عاشوراء لا تتوقف عند موسى، بل لها بُعد مأساوي آخر في التاريخ الإسلامي، وهو ما وقع في معركة كربلاء في ذات اليوم. ففي العاشر من محرم عام 61 هجرياً، قُتل الإمام الحسين بن علي رضي الله عنه، حفيد النبي ﷺ، في معركة غير متكافئة ضد جيش يزيد بن معاوية، بعدما رفض مبايعته للفساد والظلم. وكان في هذه الواقعة دروس عظيمة في التضحية والكرامة والثبات.

فضل صيام يوم عاشوراء

من أبرز الطقوس المرتبطة بيوم عاشوراء هو الصيام، الذي يُعد من أعظم العبادات، وله من الفضل ما لا يُستهان به.

1. تكفير الذنوب: من أعظم فضائل صيام يوم عاشوراء أنه يكفر ذنوب السنة الماضية. ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: “صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” [رواه مسلم]. هذا الحديث الشريف يلخص فضل صيام هذا اليوم، الذي يغفر الله به الذنوب لسنة مضت. لذلك، فإن سبب صيام يوم عاشوراء يتجاوز كونه سنة نبوية، بل هو فرصة لمحو الذنوب واستعادة الصفاء الروحي.
2. زيادة الأجر: إلى جانب تكفير الذنوب، فإن صيام يوم عاشوراء يضيف إلى ميزان حسنات المؤمن. يُعتبر هذا اليوم من أفضل أيام التطوع بالصيام بعد شهر رمضان، مما يجعله محطة مهمة في رحلة المسلم نحو نيل رضا الله.
3. السنة في صيامه: من المستحب أن يُصام يوم قبله (التاسع) أو بعده (الحادي عشر) لمخالفة اليهود، وقد قال النبي ﷺ: “لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومَنَّ اليومَ التَّاسعَ.” [رواه مسلم].

أدعية مستحبة في يوم عاشوراء

إليكِ مجموعة من أدعية يوم عاشوراء التي يمكنكِ ترديدها طوال اليوم:

• اللهم إن كان هذا اليوم يوم نجاة لموسى، فاجعلني ممن تكتب لهم النجاة في ديني ودنياي وآخرتي.
• اللهم إني أسألك بعاشوراء، أن تغفر لي ولأهلي، وأن تصرف عني كل بلاء، وتفتح لي أبواب رحمتك.
• اللهم اجعل يوم عاشوراء بداية خير لي، واغفر لي فيه ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت.
• اللهم كما نجّيت موسى، نجني من كل هم وضيق، وامنحني صبر الحسين وثبات زينب.

طلب المغفرة والرحمة

يأتي يوم عاشوراء كفرصة لاغتنام الدعاء. من الأدعية المستحبة في هذا اليوم: “اللهم اغفر لي ذنوبي كلها، دقها وجلها، أولها وآخرها، علانيتها وسرها”.

الدعاء للأمة الإسلامية

يُفضل في هذا اليوم الدعاء للأمة الإسلامية بالنصر والعافية، مثل: “اللهم اجعل هذا اليوم يوم فرجٍ للأمة الإسلامية، وانصرنا على أعدائنا، واغفر لنا ذنوبنا”.

عبارات مؤثرة عن يوم عاشوراء

الكلمات قد تكون مرآة للروح، وهذه بعض العبارات المعبرة عن يوم عاشوراء التي يمكنك مشاركتها أو كتابتها في مذكراتك:

• “في عاشوراء، نتذكر أن النجاة تأتي بعد الخوف، وأن الصبر مفتاح النصر.”
• “يوم عاشوراء ليس فقط صياماً، بل استذكارٌ للنجاة، وتأملٌ في الفقد، وتجديدٌ للإيمان.”
• “كربلاء لم تكن فقط معركة، بل درس في الكرامة لن يُنسى.”
• “عاشوراء… حيث موسى نجا، والحسين ارتقى، ونحن بينهما نبحث عن حكمة الحياة.”
• “يوم عاشوراء يومٌ يُذكرنا أن بعد العسر يُسر، وأن النجاة تأتي بالصبر والإيمان”.
• “لا تفوت فرصة صيام يوم عاشوراء، فهو يوم غفران ورحمة، وسبيل للتقرب من الله”.

الأبعاد الروحانية ليوم عاشوراء

تعزيز العلاقة مع الله

من أبرز مظاهر الأبعاد الروحانية ليوم عاشوراء أنه يساعد المسلم على التقرُّب إلى الله. الصيام والطاعات في هذا اليوم تؤدي إلى تعزيز العلاقة الروحية برب العالمين.

تقبّل القيم الإنسانية

عاشوراء يُعلم المسلم قيم التسامح والشكر والاعتماد على الله، كما يُظهر لنا قيمة الصبر، خاصة أن هذا اليوم يذكرنا بالفرج بعد الكرب.

عادات الشعوب في يوم عاشوراء

لا تتشابه طريقة إحياء يوم عاشوراء في كل البلدان، بل تختلف باختلاف المذاهب والثقافات والتقاليد المحلية، إلا أن القاسم المشترك بينها جميعاً هو روح التقديس لهذا اليوم المبارك. فبينما تفضل بعض الشعوب الاحتفال الصامت، تذهب أخرى نحو إحياء اليوم بطقوس اجتماعية وخيرية تنعكس فيها معاني النجاة، الصبر، والرحمة.

الاحتفال الصامت: روحانية بعيدة عن المظاهر

في عدد من الدول الإسلامية مثل السعودية، الأردن، المغرب، وتونس، تُمارس شعائر يوم عاشوراء بشكل هادئ بعيداً عن الطقوس الجماعية الصاخبة. يكتفي الناس فيه بـ صيام يوم عاشوراء، والإكثار من الصلاة والدعاء والاستغفار، في مشهد يعبّر عن الصفاء الداخلي والاتصال الفردي مع الله.

هذا النهج يعبّر عن رؤية روحانية ترى في الصمت والهدوء وسيلة لتعظيم اليوم، حيث تُعزَّز فيه علاقة العبد بربه دون وسيط، ودون الحاجة إلى مظهر اجتماعي معين. كثير من النساء، في هذا السياق، يجدن في عاشوراء وقتاً للتأمل، لكتابة النوايا، أو ترتيب الأهداف الروحية للعام الجديد.

مظاهر اجتماعية: من التكافل إلى التثقيف

على النقيض من ذلك، هناك بلدان تُحيي يوم عاشوراء بطابع اجتماعي بامتياز، مثل مصر، العراق، إيران، تركيا، الهند، السودان، ولبنان، حيث يتحول اليوم إلى مناسبة جامعة، تتعدد فيها المظاهر الإنسانية والثقافية.

1. توزيع الطعام والشراب

في مصر، يُحضّر طبق تقليدي يُسمى “عاشوراء” من القمح والحليب والمكسرات، ويُقدَّم للأهل والجيران والفقراء، كنوع من الصدقة والتكافل. في السودان، يُطهى “العصيدة” وتُوزّع على الفقراء، بينما في الهند وباكستان تُنظم مواكب تُوزَّع فيها المياه والحلوى على المارة في الطرقات.

2. إقامة الندوات والدروس الدينية

تُنظم في العديد من الدول الإسلامية ندوات ومحاضرات دينية في المساجد والمراكز الثقافية، تتناول قصة عاشوراء، وأسباب صيام هذا اليوم، وأبعاد واقعة كربلاء من زاوية أخلاقية وتاريخية. وتعدّ هذه اللقاءات فرصة ذهبية لتعليم الأجيال الجديدة دروسًا في الصبر، العدالة، والإيمان.

3. المآتم الحسينية ومجالس العزاء

في دول مثل العراق، البحرين، إيران، ولبنان، خصوصًا عند الطائفة الشيعية، يُخصَّص يوم عاشوراء وما قبله من أيام لما يُعرف بـ”عشرة محرم”، وهي فترة يُسترجع فيها حدث استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنه في كربلاء، من خلال مجالس حزن، وعروض مسرحية رمزية، وأناشيد دينية (لطميات)، وشعائر تذكّر بالألم والتضحية.

وبينما يرى البعض في هذه المظاهر طريقة للتعبير عن الولاء والصمود، يفضل آخرون الاقتصار على المعاني الروحية العامة التي يوحي بها اليوم.

عادات نسائية مميزة

في بعض المجتمعات، تبرز المرأة بدور فاعل في هذا اليوم:

• في المغرب، تقوم النساء بتحضير مأكولات تقليدية وتقديمها للأطفال والجيران في أجواء من الفرح البسيط.
• في تركيا، تُعد السيدات طبق “عاشوراء آش” وهو مزيج من الفواكه المجففة والقمح والبهارات، في تقليد يعود إلى الدولة العثمانية، ويُوزّع على البيوت.
• في العراق، تسهم النساء في تنظيم مواكب الطعام للزوار، وتُنصب الخيام لإكرام الغرباء باسم الحسين.

أفضل 10 نصائح لاستغلال يوم عاشوراء

إليك أفضل النصائح لاستغلال يوم عاشوراء بالطريقة الصحيحة:

1. البدء بالصيام مع نية صادقة.
2. القيام بالدعاء وخاصة الأدعية المأثورة.
3. التصدق على الفقراء والمحتاجين.
4. الإكثار من الاستغفار والتسبيح.
5. قراءة أجزاء كثيرة من القرآن الكريم.
6. إقامة صلاة النوافل طلباً للأجر.
7. زيارة الأقارب لتعزيز صلة الرحم.
8. الابتعاد عن المشاحنات والغضب.
9. تحفيز الأطفال على فهم أهمية عاشوراء.
10. نشر معلومات دينية عن أهمية اليوم.

عاشوراء ليس فقط تاريخاً نمرّ عليه في التقويم، بل هو تجربة روحية متكررة، نستحضر فيها معنى النجاة، ونتعلّم من قصص الأنبياء والصالحين. هو فرصة للتصالح مع أنفسنا، ومصالحة الماضي، وتحديد مسار جديد للحياة.

خذي من هذا اليوم وعداً لنفسكِ: أن تعودي إلى الله بقلب جديد، أن تستمدي من زينب صلابتها، ومن موسى يقينه، ومن الحسين شجاعته. واصنعي من يوم عاشوراء مساحة روحانية تتجددين فيها كل عام.

مواضيع ذات صلة