في أروقة كلية برناردان الباريسية، وتحت أقواسها الحجرية العتيقة التي تهمس بالتاريخ، كشف المصمم الهندي راهو ميشرا Rahul Mishra عن واحدة من أكثر مجموعاته شاعريةً وعمقًا في عروض الأزياء الراقية.
وبين الطقوس الروحية والجمال الحسي، جاءت مجموعة الأزياء الراقية هوت كوتور خريف 2025-2026 كرحلة ميتافيزيقية تتتبع المراحل السبع للحب كما وردت في الشعر الصوفي، بدءًا من الانجذاب الأول وحتى الفناء ثم البعث، لم تكن المجموعة مجرّد عرض أزياء، بل طقساً بصرياً يتأرجح بين الأسطورة والتطريز، بين الجسد والروح، وبين ما يُقال وما لا يُقال.
الحب كخيط ناظم: بين الغواية والهوس
- افتتح العرض بفستان فنيّ مذهل على هيئة قلب ذهبي مجوّف يحيط بالجذع، بدا وكأنه درعٌ رقيق أو سجن من الحنين. هذه الإطلالة كانت بمثابة بيان افتتاحي قوي عن الموضوع المحوري للمجموعة، الحب بجنونه، وهشاشته، ودراميّته.
- وكما تمضي مراحل الحب، تتابعت الإطلالات كلحظات وجودية، إذ استُخدمت أقمشة شفافة مرصعة بلآلئ أو ورود دقيقة لترجمة مشاعر مثل الهوس، التوق، التفاني، الفقد، والتجدد.
- في فساتين تالية، تحولت العواطف إلى فسيفساء لونية تتراقص على أقمشة حالمة، كانت أنماط التكرار والتراكم تُحاكي تصاعد المشاعر، فالهوس كان يُجسّد في زخارف مذهّبة تتكاثف حتى تخنق حدود الفستان، وكأن الحب ذاته يفيض عن الجسد ولا يُحتمل.
الحرفية كأداة للتجلي
- ليست هذه المجموعة فحسب مثالًا على التزيين الفاخر، بل على استخدام الحرفية الهندية اليدوية كوسيط روحي، استعان ميشرا بكبار الحرفيين من ورشه في الهند، حيث تتداخل الخيوط الذهبية واللآلئ والخرز الصغير لتشكّل قصائد مرئية، الزخارف لم تكن عشوائية أو مجرد زينة، بل حروف مطرزة تُحاكي الشعر الصوفي الذي استلهم منه الفكرة.
- ظهر تأثير الفن الأوروبي أيضًا في بعض الفساتين، لا سيّما بصدى من أعمال غوستاف كليمت، حيث بُسطت الزخارف الذهبية على أقمشة داكنة، فيما ارتدت العارضات هالات شفافة كإشارات لرموز القداسة والتجلي.
شاهدي أيضاً: مجموعة Rahul Mishra هوت كوتور خريف 2025
الرمزية والزهد البصري
- وسط البذخ الفني، ظهرت لحظات صمت وجمال زاهد، مثل فستان مرصّع بأزهار اللوتس الفضية على خلفية سماوية شفافة، يوحي بالتأمل والسلام، في هذه القطع، بدا وكأن الأزياء تتنفس، تهمس أكثر مما تصرخ، وتستحضر أيقونات الطبيعة الهندية المقدسة، من المياه إلى الزهور، بوصفها رموزًا روحية وجمالية في آنٍ.
- أبرز ما في هذه الرمزية هو اختيار زهرة اللوتس، المتكررة طوال العرض. كانت اللوتس أكثر من عنصر زخرفي، إنها جسر بين الأرض والسماء، بين الألم والنقاء، بين الجسد والتنوير، وقد تحولت من شكلها الدقيق على فساتين السهرة إلى كتل ضخمة مجسّمة على الفساتين الختامية، كأنها تنبت من جسد العارضة لتقول شيئًا عن ميلادٍ جديد.
التعبير عن الحب عبر القماش
- تميّز العرض بنزعة مسرحية رومانسية واضحة، الأزياء لم تكن جامدة أو نمطية، بل جسّدت فكرة أن الحب دراما إنسانية تحتاج إلى عرض كامل لتُفهم. أحد الفساتين كان مصنوعًا من دوامة فراشات تتحرك مع خطوات العارضة، تُحاكي الرعشة الأولى للحب.
- بينما ظهرت أجنحة مطرزة كأنها تُحلّق من الظهر، أو كتلٍ من الورود اللامعة التي تتفتح فوق الصدر والذراعين، وكل قطعة حملت قصة، وكل خطوة كانت مشهدًا في المسرحية العاطفية.
الحب كبعث لا كفناء ما بعد الأزياء: تأملٌ في الحب والفن والهوية
- اختُتم العرض بفستان أبيض مشرق، مُرصّع بآلاف من اللآلئ التي تعكس الضوء كنور داخلي، أُرفق بذيل طويل شفاف ينسدل كضوء الفجر. شكّلت هذه الإطلالة تمثيلًا واضحًا لـ”العودة” بعد الفناء، البعث بعد الألم، الصفاء بعد الاضطراب، إنها نهاية ميتافيزيقية لعلاقة لم تُفهم بالعقل، بل عُيشت بالكامل.
- في مجموعة هوت كوتور خريف وشتاء 2025-2026، أثبت راهول ميشرا أن الأزياء الراقية يمكن أن تكون فعل تأمل فلسفي، لا مجرّد استعراض بصري، بدمج الخيال الصوفي بالبراعة الحرفية، أعاد تقديم الكوتور بوصفه فعلًا إنسانيًا يتعامل مع العاطفة والهوية والذاكرة. إنها مجموعة ليست للارتداء فقط، بل للتفكّر، للتذكّر، وللحب بصيغته النقيّة، غير المشروطة.
شاهدي أيضاً: مجموعة Rahul Mishra للأزياء الراقية هوت كوتور ربيع 2025
عند حدود الخيال: حيث تتلاقى الأسطورة والحقيقة
- لم تكن مجموعة Rahul Mishra هوت كوتور خريف 2025-2026 مجرد إعادة صياغة لفكرة الحب في الموضة، بل كانت أيقونة متحركة تمزج بين الأسطورة والحقيقة، بين عالمٍ مرئي وآخر داخلي. لقد طوّع ميشرا الرموز الأسطورية الهندية، من طيور “الهُما” إلى رموز شاكرا الطاقية، ونسجها في نسيجٍ غربيّ مستوحى من فنون الأيقونات والأدب الصوفي، ليخلق بذلك لغة هجينة فريدة، مفهومة حسيًا وإن بدت غامضة عقليًا.
- في أحد الفساتين المدهشة، انبثقت خيوط ذهبية من وسط الجسد مثل شعاع يتفرع، في استعارة قوية على الولع العاطفي الذي يشع من الداخل نحو كل الجهات، وفي إطلالة أخرى، شكّلت الطيور المطرزة قافلة هوائية فوق القماش الشفاف، وكأن العاطفة تسافر من جسد العارضة إلى المشاهد.
جسدٌ يروي، وقماشٌ يُصغي
- في عرض ميشرا، لم يكن القماش مجرّد سطح، لقد تحوّل إلى ذاكرة تكتب وتُمحى، ثم تُعاد كتابتها من جديد. الأكتاف المرتفعة، القصّات المنحوتة، والطبقات المتعددة من الشيفون والتول، كلّها لم تكن تكمّل الشكل بل تكشفه، تمنح للجسد صوتًا صامتًا ليحكي عن شوقٍ أو فراغٍ أو توق.
- برزت أيضًا التفاصيل المتناهية في الصغر كعلامة مميزة. كأن ترى وردة مطرزة فوق بُنية ثلاثية الأبعاد، أو تطريزًا معدنيًا يُحاكي أثرًا قديمًا لوشمٍ على الجلد. التفاصيل لم تكن للزينة فحسب، بل كانت بصماتٍ عاطفية تُخبر حكايات غير منطوقة.
الكوكتيل والفن النقي: صراع الذاكرة والابتكار
- حتى القطع المختصرة، فساتين الكوكتيل أو السراويل المزيّنة بالتطريز الثقيل، حافظت على الطابع التأملي للمجموعة، مازجةً بين الفن النقي واللباس اليومي الفاخر، لم يتخلّ ميشرا عن الروح، حتى في التصاميم الموجّهة لواقع أكثر عملية. بل أصرّ على أن تكون كل قطعة مرآة لانعكاس شعور، لا لحاجة أو طلب سوقي.
- في هذا التوازن النادر، كشف المصمم عن فلسفته الخاصة: أن الرفاهية لا تنفصل عن المعنى، وأن الجمال يصبح أعظم حين يكون مُحمّلًا بالحكاية، لا بمجرد القيمة البصرية.
ختام شعري: الحب كفضاء متحوّل
- حين انطفأت الأضواء، وخرجت آخر عارضة، بقي أثر المجموعة عالقًا في الذاكرة لا بوصفه عرض أزياء، بل تجربة روحية وجمالية. في زمن تُستهلك فيه الصور سريعًا، اختار راهول ميشرا أن يبطئ الإيقاع، أن يدعو إلى التأمل، لا الانبهار فقط، وإلى العيش داخل الملابس، لا التزيّن بها فقط.
- إنها مجموعة لم تُقدَّم لتُنسى بعد أسبوع الموضة، بل لتُستعاد في الذهن كلّما لامس القلبُ حكاية حب، أو انفتحت الروحُ على لحظة فقد، أو توق، أو بوح.
شاهدي أيضاً: مجموعة Rahul Mishra هوت كوتور ربيع 2023
شاهدي أيضاً: مجموعة Rahul Mishra هوت كوتور ربيع 2024