رغم أن نظريات المؤامرة تجد الكثيرين ممن يؤمنون بها لدى مختلف الشعوب؛ إلا أن الشائع أن الشعوب العربية من أكثر شعوب العالم إيمانا بنظريات المؤامرة، فالسوريون على سبيل المثال، ومن خلال الملاحظة فإن النسبة قد تتجاوز 90%، ذلك أنها متبناة من قبل النظام الحاكم كونها تفيد في تثبيت الحكم والسطوة. وعليه، فالسياسي ورجل العلم ورجل الدين يتكلم بها، فمن أين سيحصل المواطن على شيء مناقض لما يقال؟!
يعتبر الإيمان المطلق بنظريات المؤامرة أحد أهم العوامل التي تجعل الإنسان على استعداد لتقبل المعلومات المكذوبة والمضللة. وهو من جهة ثانية (الإيمان بنظريات المؤامرة) يخلق نمطا من التفكير يؤدي دائما إلى نتائج بعيدة كل البعد عن المنطق، فالمفكر أو الباحث عندما يبني افتراضاته على مقدمات صحيحة ليس بالضرورة أن يصل إلى نتائج صحيحة، وإنما الأمر يحتمل الوجهين. أما إذا انطلق من مقدمات خاطئة فبكل تأكيد سوف تكون نتائج خاطئة؛ باستثناء صدف نادرة الحدوث.
عبر هذه الثغرة في التفكير والمقاربة استطاع نظام أسد من خلال تلاعبه بالمنطق تمرير رسالة تفيد بأن ثورة السويداء ليست أكثر من زوبعة في فنجان، وهي لا يمكن أن تشكل خطرا عليه حاضرا أو مستقبلا. وهذا التلاعب بالمنطق يقصد منه خلق استجابة يشوبها التردد وضعف التفاعل مع ثورة السويداء. ويمكن للمتابع أن يلاحظ بعض المقولات التي تلقفها البعض، أو استنتجها من خلال أسلوب في التفكير يفتقر إلى الدقة والموضوعية؛ وكلها تندرج ضمن هذا السياق.
الثورات السلمية لا تسقط أنظمة دكتاتورية، ونظام أسد هو الذي افتعل ثورة السويداء بهدف امتصاص غضب السوريين في الساحل والقضاء على ثورتهم قبل أن تنطلق. هاتان المقولتان هما الأهم رغم أنهما ليستا الوحيدتين. فما مدى الدقة والمصداقية التي تنطوي عليها الأحكام المطلقة في سياق هاتين المقولتين؟
يتساءل أصحاب نظرية “النضال السلمي لا يسقط دكتاتورا”: وهل حصل ذلك عبر التاريخ؟! أي؛ هل حصل وأسقطت ثورة سلمية نظاما دكتاتوريا عبر التاريخ؟ يبدو هذا التساؤل مستغربا لغزارة الأمثلة المتاحة؛ القريب منها والبعيد. ولعل أقربها سقوط النظامين التونسي والمصري، وقبلها تهاوي الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية عقب انهيار الاتحاد السوفييتي تحت وطأة الثورات السلمية، وقبلهم أيضا؛ يتذكر الجميع رائد النضال السلمي “المهاتما غاندي” الذي استطاع أن يطرد الاحتلال البريطاني من الهند بعد أن قاد أشهر ثورة سلمية ضد المستعمر.
لو أن الثورات السلمية لا تسقط أنظمة لما جند نظام أسد آلاف الشبيحة لقمع المظاهرات السلمية التي عمت أرجاء سوريا عام 2011، ولما جند كل إمكاناته لتحويلها إلى ثورة مسلحة ليتسنى له البطش بها من خلال ما يمتلكة من موارد البطش والترهيب، ولما ارتعدت أوصاله مع الهتافات الأولى لثوار السويداء ومع تبنيها بشكل واضح من قبل الأغلبية الساحقة من أهالي السويداء.
من جهة أخرى، مادامت الثورة السلمية لا تشكل خطرا هل يجرؤ النظام السوري أن يترك المتظاهرين وشأنهم؟ وهل يجرؤ أن يتخلى عن سياسته بتهديد باقي السوريين القابعين في مناطقه بأنهم سوف يسحقون في حال جربوا أن يتظاهروا تأييدا لثورة السويداء؟ وأخيرا؛ هل يجرؤ أن يبطش بثوار السويداء وهو الذي دخل بسبب سياسة البطش التي انتهجها من قبل في دوامة يصعب الخروج منها؟
أما فيما يخص الافتراض الثاني. أي، افتعال أزمة للقضاء على أزمة أخطر؛ فهو افتراض يهدف إلى تقزيم ثورة السويداء وإظهار ثوارها كدمى يمكن التحكم بها. وهذا افتراض لا تدعمه الأدلة أو ردود الأفعال والحقائق، فنظام أسد رغم أنه على المستوى الرسمي يحاول التظاهر بعدم الاكتراث ليعطي لمقولة “إن ثورة السويداء ليست أكثر من زوبعة في فنجان” بعض المصداقية، إلا أن الحملة الشعواء التي أطلقها عبر أبواقه توحي بغير ذلك.
هناك حقيقة يعلمها الجميع تكفي وحدها لنسف هذا الافتراض وقلبه رأسا على عقب، فالنظام السوري منذ انطلاقة الثورة السورية وهو يحاول استرضاء أهالي السويداء وتحييدهم، وهو من أجل هذا قدم الكثير من التنازلات المعروفة من قبل الجميع. ومع الحراك الأخير قدم نظام أسد لثوار السويداء قائمة طويلة من المغريات في مقابل إيقاف حراكهم الثوري. هذه المغريات لو أن ثوار السويداء قبلوا بها ربما كانت سببا لتأجيج ثورة في الساحل السوري الذي لطالما اشتكى أبناؤه بأنهم الأكثر حرمانا من الخدمات في مقابل باقي السوريين، وخاصة أهالي مدينة السويداء.
أن تؤمن شريحة واسعة من السوريين بأن ثورة السويداء مجرد فقاعة كما يروج أبواق نظام أسد قد يجعلها كذلك. ليس لأن هذه الشريحة سوف تتقاعس عن دعم ثورة السويداء وحسب، وإنما لأن ثوار السويداء ومن يتحضر من البقية أن يحذوا حذوهم قد يصابون بالإحباط نتيجة شعورهم بالخذلان.
ثورة السويداء ترياق حياة لثورة السوريين التي أصبح عمرها اثني عشر عاما. المطلوب فقط أن ينظر إليها السوريون ويتعاملوا معها على أنها كذلك.