منذ عقود من الزمن، والدول الأوروبية ذات العضوية في حلف الناتو تقلل من الإنفاق العسكري لمصلحة أولويات أخرى، مما أضعف جيوشها وجعلها غير قادرة للصمود أمام “الغزاة” إلا بدعم من الولايات المتحدة، كما يرى خبراء أمريكيون.
وثمة أسباب كثيرة، داخلية وخارجية، أسهمت في جعل أوروبا ضعيفة عسكرياً، وتعتمد اعتماداً كلياً على الجيش الأمريكي لحمايتها، إذا تعرضت لأي هجوم مباغت، وهو ما يبدو احتمالا أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وقالت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية إن معظم عساكر أوروبا لا تتمتع بالخبرة في التخطيط ولا في قيادة العمليات المشتركة ذات النطاق الواسع بحيث تشمل دول عدة.
وتتكون القوات الأوروبية من جيوش وطنية منفصلٍ بعضُها عن بعض، وتعتمد على الولايات المتحدة في القيادة والتنسيق ضمن إطار حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وعمدت الدول الأوروبية على تخفيض الإنفاق على الجيوش والمعدات العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، بصورة فاقت بكثير التخفيض الذي اتبعته الولايات المتحدة، وأصبحت ميزانيات الدفاع في أوروبا عبئا على دول القارة التي رأت أنه يمكن تحويل جزء من هذه الميزانيات إلى أمور أخرى ذات أولوية، مثل رعاية المسنين، وفق المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
لكن التقليصات لا تروي القصة كلها، إذ إن القدرة الحقيقية تعني أن تكون القوات مدربة ومسلحة تسليحاً جيداً، بينما ثمة مركبات قتالية أوروبية مدرعة سيئة الصيانة، كما أن السلاح لدى الجنود متدهور، وهناك ألوية عسكرية تفتقر للذخيرة وخطوط الإمداد اللازمة لخوض حرب طويلة، فضلا عن صواريخ لم تُختبر في ساحة المعركة، وكل هذا يستنزف الجيوش الأوروبية بعيدا عن أعين الرأي العام.
وفي المحصلة، يرى الخبراء العسكريون الأمريكيون أن جيوش الدول الأوروبية غير مستعدة لخوض حرب طويلة الأمد فأحرى أن تنتصر فيها.
المسألة أكبر من ترامب
أما في الخارج، فالمؤشرات كلها سلبية.
ويرى أوروبيون أن الخطر الأكبر يأتي من المرشح الجمهوري في الولايات المتحدة، دونالد ترامب، الذي قال في مقابلة صحفية في الآونة الأخيرة: إن “الحلفاء استغلونا أكثر من أعدائنا”، ويقصد الأوروبيين، مضيفاً أن “هذا الأمر لن يستمر للأبد”.
وذهب ترامب إلى حد اقتراح أن تمتنع بلاده عن مساعدة الحلفاء في الناتو الذين لا يدفعون ما عليهم من مساهمات في ميزانية الحلف، في حال انتخابه، وهذا إن حدث، فسوف يترك الأوروبيين وحدهم في مواجهة روسيا.
وبحسب “بلومبرغ”، فإن تصريحات ترامب “الاستفزازية”، تتجاوز الانقسام السياسي في واشنطن، بمعنى أن هناك تياراً عاماً في الولايات المتحدة يتبنى الأفكار نفسها.
وهذا يعني أن على الدول الأوروبية بناء جيوشها القوية، عوضاً عن الإبقاء على ميزانيات هزيلة مخصصة للدفاع، ثم الاعتماد على الولايات المتحدة.
ومما يزيد خطورة الاعتماد على الأمريكيين: صعود الصين كقوة عسكرية، مع خططها المفترضة للسيطرة على جزيرة تايوان، ما جعل الولايات المتحدة تستعد لسيناريو حربي تضطر فيه لتحويل أسلحتها بعيدا عن شمال المحيط الأطلسي لخوض حرب في شرق آسيا.
وأظهرت حرب أوكرانيا، التي تشكل أكبر صراع دموي في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، عزم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على انتزاع نفوذ في الفضاء السوفيتي السابق، وفي حال أصبحت إحدى الدول الأعضاء في حلف الناتو هدفاً له، فسوف يضطر الحلفاء للإسراع في المساعدة.
وبعد عقود من الانشغال بعمليات مكافحة التمرد في الأراضي النائية، يفكر أعضاء الناتو الأوروبيون في سيناريو لم يتم تصوره بجدية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي – ويتعلق الأمر باحتمال اندلاع حرب برية كاملة النطاق في أراضيهم.
وقد يكون من الضروري خوض مثل هذه الحملة بدون القوة النارية الكاملة للولايات المتحدة، الحليف الذي لا غنى عنه والذي استطاع أن يضمن أمن المنطقة منذ الحرب الباردة حتى الآن.
فكرة ماكرون
منذ وصوله إلى السلطة في فرنسا عام 2017، والرئيس إيمانويل ماكرون يكرر الدعوة لتعزيز الدفاعات الأوروبية، وحتى بناء جيش أوروبي.
ويقول ماكرون إن هذا الجيش سيمكن أوروبا من الدفاع عن نفسها، ولن يتركها رهينة للإرادة الأمريكية.
لكن العديد من الحلفاء في أوروبا يرفضون هذه الفكرة، على اعتبار أن حلف الناتو موجود ويعمل منذ عقود، ولا يمكن استبداله بمجرد أفكار نظرية لا وجود لها على الأرض.
ومع أن فكرة ماكرون ليست جديدة، فإنه كان أول رئيس أوروبي يتبناها.
المصادر الإضافية • وكالة “بلومبرغ” الأمريكية