بقلم: يورونيوز
نشرت في
شرع فريق من العلماء البريطانيين في مشروع علمي رائد يهدف إلى تركيب الجينوم البشري من الصفر داخل المختبر، في خطوة تهدف إلى تعميق الفهم لآليات عمل الحمض النووي (DNA) وفتح آفاق جديدة لتطوير علاجات طبية مبتكرة لأمراض مستعصية.
ويحمل المشروع، الذي يحمل اسم “الجينوم البشري الاصطناعي” (SynHG)، طموحًا كبيرًا لتطوير تقنيات قادرة على تصنيع أجزاء طويلة من الشيفرة الوراثية البشرية، ومن ثم إدراجها داخل خلايا حية لدراسة طريقة عملها وتفاعلاتها.
ويأمل الباحثون أن تساهم النتائج المتوقعة في تمهيد الطريق أمام جيل جديد من العلاجات الجذرية، مثل خلايا بشرية مقاومة للهجمات المناعية أو للفيروسات المعقدة، ما قد يفتح المجال لزراعتها في أجسام مرضى يعانون من أمراض مناعية ذاتية أو أضرار مزمنة في الكبد ناجمة عن التهابات فيروسية طويلة الأمد.
وقال البروفيسور جيسون تشين، قائد المشروع من مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس البحوث الطبية (MRC) في مدينة كامبريدج: “المعرفة التي سنكتسبها من تركيب الجينوم البشري يمكن أن تكون مفيدة مباشرة في تطوير علاجات لأي مرض تقريبًا”.
ورغم أن العلماء تمكنوا من قراءة الحمض النووي منذ عقود – مع إعلان أول مسودة للجينوم البشري قبل 25 عامًا – فإن القدرة على “كتابة” الجينوم لا تزال تحديًا تقنيًا كبيرًا، مقارنة بالتطور السريع لتقنيات القراءة.
ويبدأ المشروع الجديد بتركيب أجزاء من أحد الكروموسومات البشرية واختبارها داخل خلايا جلدية بشرية، بمشاركة فرق بحثية من جامعات كامبريدج، كِنت، مانشستر، أوكسفورد، وكلية إمبريال في لندن.
وكان فريق البروفيسور تشين قد نجح مؤخرًا في تركيب الجينوم الكامل لبكتيريا إي كولاي، التي تحتوي على نحو 4.5 مليون زوج قاعدي، في حين أن الجينوم البشري يتجاوز الثلاثة مليارات زوج قاعدي، ما يعكس التحدي الضخم أمام المشروع.
وقال الدكتور جوليان سيل، الباحث في نفس المعهد، إن “الجينوم البشري ليس مجرد مجموعة جينات مصطفّة. ثمة مناطق واسعة تُعرف بـ “المادة المظلمة” للجينوم لا نعرف وظيفتها بعد، وإذا استطعنا تركيب الجينوم وفهمه، سنتمكن من فك أسراره بالكامل”.
ويتضمّن المشروع أيضًا محورًا بحثيًا موازيًا لدراسة الأبعاد الاجتماعية والأخلاقية المترتبة على تصنيع الجينومات في المختبر، تقوده البروفيسورة جوي زانغ من جامعة كِنت. وقال الدكتور سيل: “رغم أن تطبيق العلاجات الفعلية لا يزال بعيدًا، إلا أن الوقت حان لبدء النقاش حول ما نريده من هذه التكنولوجيا وما يجب تجنّبه”.
ورحّب البروفيسور إيان براسينغتون، المتخصص في أخلاقيات التكنولوجيا الجينية بجامعة مانشستر، بالمشروع، مشيرًا إلى إمكانية استخدام نتائجه مستقبلاً في تصنيع ميتوكوندريا اصطناعية (وهي العضيات التي تمد الخلايا بالطاقة)، ما سيساعد النساء الحاملات لأمراض ميتوكوندرية على تجنّب نقلها إلى أطفالهن دون الحاجة إلى متبرعات بالبويضات، وهو ما “سيقلّص العبء على عدد كبير من النساء”.
لكنه حذر أيضًا من المخاطر المحتملة، مثل إنتاج بكتيريا معدّلة وراثيًا قادرة على تفكيك البتروكيماويات أو معالجة التلوث النفطي، مشيرًا إلى أن “تسرّب مثل هذه الكائنات إلى البيئة قد يكون كارثيًا”.
مخاوف أخلاقية: أطفال حسب الطلب؟
ومن بين المخاوف التي أثيرت، خطر استخدام التكنولوجيا لإنجاب “أطفال مصمّمين”، حيث يمكن للآباء تعديل خصائص وراثية لأطفالهم قبل ولادتهم، ما يطرح تساؤلات حول حدود السيطرة الأبوية. وأشار براسينغتون إلى احتمال أن يقوم بعض المشاهير بترخيص أجزاء من حمضهم النووي ليتمكن الآخرون من نسخه.
كما حذّر من سيناريوهات قد تتيح استنساخ الحمض النووي لشخص ما واستخدامه لإنجاب طفل دون علمه أو مشاركته الجسدية، ما يفتح الباب أمام تعقيدات أخلاقية وقانونية غير مسبوقة.
ورغم هذه المخاوف، ختم براسينغتون بالقول: “معظم السيناريوهات المتعلقة بالأطفال المصممين تعتمد على تكنولوجيا لا تزال بعيدة التحقق. لست قلقًا للغاية حاليًا، لكن يجب أن نكون يقظين”.