بالنسبة لملايين اللاجئين السوريين المنتشرين في جميع أنحاء العالم، تَظهر إعادة قبول زعيم عصابة المخدرات في أسرة الدول العربية يوم الأحد، بمثابة انتصار لدكتاتور كان السبب الأساسي لنزوحهم وبؤسهم، وفقاً لشبكة “سي إن إن” الإخبارية.
فبعد تعليق دام 11 عاماً، رحّبت جامعة الدول العربية بعودة سوريا إلى عضويتها، ما منح الأسد شريان حياة سياسياً على الرغم من المعارضة القوية من بعض الحلفاء الغربيين الرئيسيين لدول الخليج والعديد من البلدان العربية.
وجادل المدافعون عن إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية بأنها جزء من محاولة لإيجاد “حل عربي” للأزمة السورية بعد فشل جميع الجهود الأخرى.
عودة محفوفة بالمخاطر
لكن البعض يشكك في قدرة الجامعة على إيجاد حل إنساني وعادل لأزمة اللاجئين، محذّرين من أن التقارب مع إمبراطور المخدرات بالمنطقة قد يدفع الدول المضيفة إلى فرض عودة اللاجئين السوريين على الرغم من التهديدات المحتملة على حياتهم.
وفي هذا الصدد، قال عمر الشغري، وهو لاجئ وناشط سوري مقيم في السويد: “التطبيع مع نظام الأسد والترحيب به مرة أخرى في جامعة الدول العربية قد يؤدي إلى فتح ملف إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذا أمر محفوف بالمخاطر”.
وأعرب الشغري الذي كان قد تعرّض للاعتقال والتعذيب في سجون الأسد قبل أن يتمكن من الفرار في العام 2015، عن خيبة أمله من “صمت الشعوب العربية”، الذي بحسب رأيه يسمح لحكوماتهم بالتصرف دون محاسبة.
وفرّ أكثر من 14 مليون سوري من منازلهم بحثاً عن الأمان في أعقاب الحرب التي شنّها رئيس عصابة المخدرات على الشعب السوري عام 2011. وتشير التقديرات إلى مقتل أكثر من 300 ألف مدني، ونزوح أكثر من 6.8 مليون شخص داخلياً في سوريا، ثلثهم من النساء والأطفال، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وتقول الأمم المتحدة إن السوريين فروا إلى أكثر من 130 دولة، أغلبها إلى تركيا المجاورة، والتي تؤوي أكثر من 3.6 مليون لاجئ سوري، فيما سافر آخرون إلى لبنان والأردن والعراق ومصر، وفرّ الكثيرون إلى دول أوروبية، بما في ذلك ألمانيا والدنمارك.
ووفقاً لاستطلاع أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2022 حول اللاجئين السوريين الذين يعيشون في مصر ولبنان والأردن والعراق، قال 1.7 بالمئة فقط إنهم سيعودون إلى سوريا في الأشهر الـ 12 المقبلة، فيما قال نحو 93 بالمئة إنهم لن يعودوا، وقال 5.6 بالمئة إنهم لا يعرفون.
“رعب وخوف”
وتعليقاً على نتائج الاستطلاع، قال تشارلز ليستر، زميل أقدم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، إنها “تعزّز ببساطة المنطق الأساسي الذي يجعل أزمة اللاجئين لا تزال مستعصية على الحل”.
وتابع: “يمكن لدول المنطقة أن تضغط على الأسد لقبول إعادة كل ما يريدون، لكن ذلك لن يغير الرعب الملموس الذي يشعر به اللاجئون الذين لن يختاروا العودة”.
وحتى قبل بدء التطبيع العربي مع نظام الأسد، حذّرت منظمات حقوق الإنسان مراراً وتكراراً من أن اللاجئين السوريين يواجهون خطر العودة القسرية إلى ديارهم وسط مخاوف على سلامتهم.
وفي وقت سابق من هذا العام، اعتبرت الدنمارك، التي تستضيف أكثر من 35 ألف لاجئ سوري، أن الكثير من المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد قد أصبحت آمنة.
وقوبل الإعلان بإدانة من منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك منظمة هيومن رايتس ووتش، التي قالت إن “على الدنمارك الامتناع عن الترويج” لما يقوله إمبراطور المخدرات بالمنطقة.
وأوضحت هيومن رايتس ووتش قبل شهرين فقط: “على الرغم من تراجع الأعمال العدائية الفعلية في السنوات الأخيرة، إلا أن الحكومة السورية تواصل إخضاع المواطنين لنفس الانتهاكات التي دفعتهم إلى الفرار في المقام الأول، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة والتعذيب”.
عمليات إعادة اللاجئين القسرية
وشدّد “ليستر” على أن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في “استهداف أعداد أقلّ من اللاجئين المعرّضين للخطر بشدة للعودة القسرية”.
وأردف: “لقد رأينا هذا بالفعل في لبنان وتركيا، وبشكل محدود في الأردن، ومن المحتمل أن تكون هذه مجرد البداية”.
ونبّه إلى أن عمليات إعادة اللاجئين القسرية تعرّض الضحايا “لخطر شديد للغاية من قبل النظام، أو الجهات (الميليشيات) المرتبطة به”.
وفي تركيا، حاول الرئيس رجب طيب إردوغان، وضع حد لقضية اللاجئين في البلاد، وهي خطوة قال محللون إنها تهدف إلى تعزيز شعبيته قبل انتخابات “مصيرية” سوف تجري بعد أيام قليلة.
وفي وقت سابق من هذا العام، قال أردوغان إن المزيد من السوريين سوف يعودون إلى ديارهم “مع تحسن البيئة الأمنية في شمال سوريا”، حسبما ذكرت وسائل الإعلام المحلية، لافتاً أن نحو 550 ألف لاجئ عادوا حتى الآن إلى مناطق “خالية من الإرهاب وآمنة” في شمال سوريا.
وأدانت هيئات حقوقية مسعى تركيا لإعادة السوريين إلى ديارهم، قائلة إن الأوضاع في سوريا ليست آمنة.
التطبيع يزيد الضغط على اللاجئين
وقال نظام الأسد في بيان مشترك مع السعودية الشهر الماضي، إنه يعمل مع شركائه “لتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين”، كما أوضح أنه يعمل على “إنهاء معاناتهم وتمكينهم من الرجوع بأمان إلى وطنهم”.
وبناء على ذلك قد لا يكون لدى السوريين خيار سوى العودة القسرية، خاصة بعد عودة رئيس عصابة المخدرات إلى الجامعة العربية.
وفي هذا الصدد، يرى إتش.إيه هيليير، باحث الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أن “اللاجئين السوريين يواجهون بالفعل ضغوطاً للعودة إلى بلادهم، وذلك رغم من الواضح أن القيام بذلك غير آمن بالنسبة لهم، وأن ذلك يتم جراء ضغوط دول ثالثة (غير مستضيفة) تفضّل عدم بقائهم”.
وختم كلامه، قائلاً: “كلما استمر التطبيع مع الأسد، كان الضغط أكبر بشأن إجبار اللاجئين على العودة”.
وبالنسبة للشغري، فيقول إنه بات يخشى على نفسه وعلى اللاجئين السوريين الآخرين في أوروبا.
وتابع: “بعض الدول الأوروبية، خاصة تلك التي يحكمها اليمين، لن تتردد في إعادة السوريين إذا رأوا أي فرصة سانحة لفعل ذلك”.
وشدد على أنه سوف يرفض العودة أسوة ببقية اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، مضيفاً: “سوف نختبئ في الغابة، وتحت الأرض، وفي أي مكان ممكن”.
وأضاف: “إعادتي إلى سوريا، تعني تقطيعي إلى إرب صغيرة قبل أن أخرج حتى من مطار دمشق”.