جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعمه لمبعوثه إلى السودان معرباً عن “صدمته” برسالة من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان دعا فيها إلى تبديله.
رغم الهدنة المُعلنة في السودان، لا يزال صوت الرصاص يخرق الهدوء في أكثر من مدينة، على وقع تردي الأوضاع الإنسانية للمواطنين.
وبعد أن نزحوا إلى الخرطوم على وقع مواجهات قبلية شهدتها دولتهم، يتجه عشرات الآلاف من سكان جنوب السودان للعودة إلى بلدهم.
يصف هؤلاء أنفسهم بأنهم عالقون في عنق الزجاجة، فهم ليسوا بمأمن في الخرطوم بسبب الصراع القائم، ولا يمكنهم العودة إلى قراهم، فباتوا لاجئين قرب الحدود المشتركة.
ويشعر الكثيرون في جنوب السودان بالقلق بشأن ما يمكن أن يحدث إذا استمر القتال في الجوار.
وتقول وول نقوك: “هربنا إلى السودان بسبب العنف في بلدنا، لكن ها هي الحرب تلاحقنا أينما ذهبنا”.
وعلى الحدود، أعدت النساء الطعام في أواني طهي كبيرة بينما كان المراهقون يتجولون في المنطقة.
وبعد أيام من وصول نقوك وعائلتها، على حد قولها، تعرض رجل للضرب حتى الموت بالعصي في معركة بدأت بنزاع على المياه.
وأسفرت سنوات القتال بين القوات الحكومية والمعارضة في جنوب السودان عن مقتل ما يقرب من 400 ألف شخص وتشريد الملايين إلى أن تم توقيع اتفاقية سلام منذ ما يقرب من خمس سنوات.
ويمتلك جنوب السودان احتياطيات نفطية بمليارات الدولارات ينقلها إلى الأسواق الدولية عبر خط أنابيب يمر عبر السودان في أراضٍ تسيطر عليها الأطراف المتحاربة.
ومع ذلك، فإن الشاغل الأكثر إلحاحًا هو عشرات الآلاف من سكان جنوب السودان الذين يعودون دون أدنى فكرة عن كيفية عودتهم إلى ديارهم في مدنهم وقراهم.
تجديد الدعم للمبعوث الأممي إلى السودان
سياسيًا، جدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش دعمه لمبعوثه إلى السودان معرباً عن “صدمته” برسالة من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان دعا فيها إلى تبديله.
وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك في بيان إن “الأمين العام مصدوم من الرسالة التي تلقاها (الجمعة) من الفريق أول عبد الفتاح البرهان” الذي يخوض حرباً منذ الخامس عشر من نيسان/ أبريل مع خصمه ونائبه السابق محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع.
وتابع دوجاريك أن “الأمين العام فخور بالعمل الذي أنجزه فولكر بيرتيس ويؤكد ثقته الكاملة في ممثله الخاص”.
ولم ينشر الجيش ولا الأمم المتحدة نسخًا رسمية من الرسالة التي دعت إلى عزل بيرتيس من منصب الممثل الخاص للأمين العام.
وتظاهر الآلاف من المؤيدين للجيش والإسلاميين ضد بيرتيس وبعثة الأمم المتحدة في السودان، بعد أن احتجوا مرارًا العام الماضي على “التدخل الأجنبي” مطالبين بإقالة المبعوث الأممي.
واندلعت احتجاجات مماثلة في مدينة بورسودان شرق البلاد.
وبيرتيس موجود حاليًا في نيويورك من غير أن ترد أي معلومات حول موعد عودته إلى السودان حيث لم تصدر السلطات تأشيرات للأجانب منذ بداية الحرب.
وحذر المبعوث الإثنين أمام مجلس الأمن من أن “النزاع يتخذ منحى عرقيًا متزايدًا، ما يهدد بإطالة أمده مع ما يعنيه ذلك من تبعات على المنطقة”، موضحاً أنه “في بعض أنحاء البلاد، أعادت المعارك إحياء التوترات المجتمعية أو تسببت بنزاعات بين المجموعات” العرقية.
وأسفرت الحرب التي اندلعت في 15 نيسان/ أبريل بين الجيش وقوات الدعم السريع عن مقتل أكثر من 1800 شخص، وفق منظمة “أكليد” غير الحكومية.
كما أجبرت أكثر من مليون سوداني على النزوح داخل البلد المصنف من بين الأفقر في العالم، فيما لجأ ما لا يقل عن 300 ألف آخرين إلى دول الجوار التي تشهد بدورها أزمات، وفق معطيات الأمم المتحدة.
استمرار الاشتباكات
ميدانيًا، تتواصل المعارك العنيفة في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع في اليوم الخامس من وقف لإطلاق النار أعلن الوسطاء الجمعة أنه يشهد “تحسنًا ملحوظًا”، فيما دعا الجيش السوداني “كل القادرين” إلى حمل السلاح.
وقال الجيش في بيان: “إننا نهيب بكل المحالين الى التقاعد في القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وكل القادرين على حمل السلاح بالتوجه الى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم”.
وأكد البيان أن الحرب التي يخوضها الجيش “هي حرب مدن لا حدود زمنية لها”.
ومنذ الدقائق الأولى للهدنة التي جاءت بعد خمسة أسابيع من اندلاع الحرب، أفاد سكان في الخرطوم لوكالة فرانس برس بوقوع ضربات جوية وقصف بالمدفعية.
وكان أعنف يوم على الأرجح الأربعاء عندما أعلنت قوات الدعم السريع إسقاط طائرة للجيش الذي رد بضرب مدرعات.
وقال الوسطاء السعوديون والأميركيون في بيان الجمعة إن ذلك اليوم شهد “انتهاكات جسيمة” لوقف إطلاق النار من قبل الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو.
وحذرت واشطن من أنها ستفرض “عقوبات”.
وينص الاتفاق على “آلية للمراقبة” لكن حتى الآن لم يتم الاعلان عن اتخاذ أي إجراء بحق أحد الطرفين.
وفي مستشفيات الخرطوم ودارفور، المنطقتين الأكثر تأثرًا بالحرب، فأغلبها أصبح خارج الخدمة. وتلك التي لم تتعرض للقصف تعاني نقصًا في مخزون الأدوية والأدوات الطبية أو تم احتلالها من قبل أحد الطرفين.
والوضع حرج خصوصًا في دارفور المنطقة الغربية الواقعة على الحدود مع تشاد، والتي سبق أن شهدت حربًا دامية خلال بداية الألفية الثالثة.
وقال شهود إن “معارك بكل أنواع الأسلحة” وقعت الجمعة في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.