لم يكن يحمل كرة أو يرتدي قميص المنتخب، بل كان أبا يحاول تأمين وجبة لأطفاله الخمسة في مدينة تعيش على أنقاض حرب مستمرة.
رحل “الغزال الأسود” كما كان يحب أن يلقب في الوسط الرياضي عن 41 عاما، تاركا وراءه مسيرة رياضية استثنائية في ملاعب فلسطين، وصورة أب فلسطيني تحول من نجم في الميدان إلى ضحية إنسانية في طابور الإغاثة.
من الملاعب الشعبية إلى المنتخب الوطني
ولد سليمان أحمد زايد العبيد في 24 مارس 1984 في مدينة غزة، وبدأ حياته الرياضية في فرق المدارس والساحات الترابية في أحياء المدينة المحاصرة.
وسرعان ما خطف الأنظار، فانتقل إلى ناديه الأم خدمات الشاطئ، ثم إلى الضفة الغربية حيث تألق في صفوف شباب الأمعري بين عامي 2009 و2013.
في موسم 2010 / 2011، قاد الأمعري إلى أول ألقابه في دوري المحترفين، وتوج في العام نفسه بكأس الشهيد ياسر عرفات.
وعاد العبيد إلى خدمات الشاطئ ولعب له لموسم واحد، ثم التحق بصفوف نادي غزة الرياضي وحصل معه على لقب هداف الدوري الممتاز في قطاع غزة (المحافظات الجنوبية) في موسم 2015 / 2016، مسجلا 17 هدفا.
ومن ثم رجع العبيد إلى فريقه الأم خدمات الشاطئ، وحاز معه على لقب هداف الدوري الممتاز في موسم 2016 / 2017، بعد أن أحرز 15 هدفا. ليصبح الهداف التاريخي للنادي.
نجم على الصعيدين المحلي والدولي
على المستوى الدولي، خاض العبيد 24 مباراة بقميص المنتخب الفلسطيني “الفدائي” ، وترك بصمة لا تنسى حين سجل هدفا من ضربة خلفية مزدوجة في مرمى اليمن في بطولة اتحاد غرب سيا عام 2010.
كما سجل في مباراة ودية ضد إندونيسيا، وشارك في تصفيات كأس التحدي الآسيوي 2012 وكأس العالم 2014.
وبجانب مسيرته الرياضية، حصل على دورة مدربين معتمدة من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وكان يستعد للانتقال إلى التدريب، لولا أن الحرب كانت أسرع من أحلامه.
في طابور الجوع
في 6 أغسطس 2025، وبينما كان ينتظر في أحد نقاط توزيع المساعدات الأميركية جنوب قطاع غزة، أصيب العبيد برصاصة أطلقها قناص إسرائيلي، بحسب مسعفين وشهود عيان.
حاول الأهالي إسعافه، لكن الإصابة كانت قاتلة. وقال أحد الشهود :”كان واقفا بهدوء.. فقط ينتظر الطعام لعائلته”.
الجيش الإسرائيلي لم يعلّق على الحادثة، فيما تتزايد الانتقادات الدولية بشأن استهداف المدنيين في نقاط المساعدات وسط تحذيرات أممية من انهيار شامل في النظام الإنساني داخل القطاع.
من النجم إلى رمز
بالنسبة لكثيرين في غزة، لم يكن العبيد مجرد لاعب كرة قدم. حيث أطلق عليه المشجعون ألقابا عديدة، منها “بيليه غزة”، و”الجوهرة السمراء”، و”هنري فلسطين”.
واختزلت صورته الأخيرة – رجل في الأربعين من عمره، ينتظر مع مئات آخرين تحت الشمس بحثا عن الطعام –معاناة جيل كامل في القطاع.