بعد قرار البرلمان الأوروبي حظر دخول ممثلي شركة “هواوي” الصينية إلى مقره، على خلفية مزاعم فساد مرتبطة بأنشطة ضغط مارستها داخل المؤسسة، عاد ملف الهدايا والتبرعات التي يتلقاها النواب إلى الواجهة مجددًا، ما أعاد فتح النقاش حول معايير الشفافية والتضارب المحتمل في المصالح داخل أروقة الاتحاد الأوروبي.
ورغم أن النواب الأوروبيين غالبًا ما يتسلمون الهدايا كنوع من التقدير، إلا أن هذه المسألة تبقى موضع حساسية داخل البرلمان، حيث يجد الأعضاء أنفسهم بشكل متكرر في موقع المتلقي، ما يجعل هذا التقليد محط جدل دائم في بروكسل وستراسبورغ.
وتنص قواعد السلوك في البرلمان الأوروبي على وجوب امتناع النواب عن قبول أي هدية تتجاوز قيمتها الـ 150 يورو. وفي حال تجاوزت قيمة الهدية السقف المحدد، تنتقل المسألة إلى رئيسة البرلمان، روبرتا ميتسولا، التي تتولى دور الحكم والفيصل.
وتُدرج هذه الهدايا، سواء كانت ثمينة أو غريبة، في سجل عام يُحفظ داخل خزنة مغلقة في بروكسل، ولا يُفتح باب الخزنة إلا بطلب من أحد أعضاء البرلمان.
وقد أتيحت لنا فرصة نادرة للاطلاع على ما وراء باب تلك الخزنة التي يمكن وصفها بـ”خزنة الغرائب”.
خنجر آسيوي
من بين المقتنيات اللافتة التي وصلت إلى بروكسل، يبرز خنجر إندونيسي تقليدي يُعرف باسم “كيريس لوك 7 بانداوا”، وللتوضيح فهو لا يمت بصلة إلى خطة الاتحاد الأوروبي لتعزيز الاستثمارات الدفاعية في القارة.
وقد خاض الخنجر رحلة طويلة قبل أن يستقر في العاصمة الأوروبية، إذ قُدِّم كهدية خلال بعثة برلمانية إلى إندونيسيا، ثم سُلّم إلى نائب رئيس لجنة التنمية، الذي قام بدوره بنقله إلى رئيس اللجنة خلال أحد اجتماعاتها.
واليوم، يقبع الخنجر في أحد أروقة بروكسل، تحسبًا لأي طارئ!
من الفضاء إلى بروكسل
ذهبت وكالة الفضاء الأوروبية بعيدًا، حرفيًا، عندما أهدت ميتسولا علم الاتحاد الأوروبي الذي كان قد رُفع سابقًا على متن محطة الفضاء الدولية.
وبينما تمتلئ المكاتب البرلمانية بالأقلام التذكارية واللوحات التي لا تحظى بكثير من الاهتمام، فإن هذا العلم يشكّل استثناءً لافتًا: فهو تذكار يحمل معه جزءًا من تاريخ استكشاف الفضاء.
طامحو اليوروفيجن
من بين أكثر الهدايا غرابة التي تلقتها رئيسة البرلمان الأوروبي، أرسل المغني الإيطالي ستيفانو بيتشي في عام 2023 قرصًا مدمجًا — نعم، فهو لا يزال يستخدم هذا الشكل — يحتوي على 11 أغنية، مرفقًا بكتيّب كلمات، تحسّبًا لاحتمال أن ترغب ميتسولا في العزف أو الاستماع.
تضمّن الألبوم تحية موسيقية للرئيس الراحل ديفيد ساسولي، وهي الأغنية التي عبّر بيتشي عن رغبته في أدائها ضمن مسابقة “يوروفيجن” لذلك العام. إلاّ ثمة عقبة صغيرة حالت دون ذلك: بيتشي لم يتمّ اختياره قطّ للمشاركة في المسابقة، رغم إدراجه في أرشيف البرلمان كمشارك ضمن نسخة 2022 من يوروفيجن.
أما المفارقة الأبرز، فتمثّلت في أغنية قال بيتشي إنه “ألّفها” مع البابا فرنسيس، مستندًا في ذلك إلى اقتباسات من خطابات الحبر الأعظم، في ما يشبه تعاونًا فنيًا “عن بُعد” ذات طابع روحي فريد.
الفن الحديث
ضمن فئة الهدايا الفنية، تلقّت رئيسة البرلمان الأوروبي نسخة لتمثال نسائي عارٍ، وذلك من قبل أنيتا ديميتريو، رئيسة البرلمان القبرصي، كهدية رسمية.
القطعة مستوحاة من تمثال أثري معروض في متحف بيريدس، وتحمل طابعًا ثقافيًا واضحًا — إلا أنها قد لا تكون النوع المعتاد من الهدايا التي يتوقّع أحدهم أن يجدها في مكتب برلماني رسمي.
اعلانعودة أيام الراديو
أعادت هيلينا دالي، المفوضة الأوروبية المكلفة ملف المساواة، الحديث عن وسائل الإعلام التقلدية إلى الواجهة حين عرضت مؤخرًا حقيبة طوارئ مخصصة لـ72 ساعة، احتوت — إلى جانب مستلزمات أخرى — على جهاز راديو محمول. وأثارت المبادرة التي كانت تهدف للتوعية بالاستعدادات الفردية، جدلًا واسعًا، واعتُبرت لدى البعض مبالغًا فيها.
غير أن الصورة تبدلت بسرعة بعد الانقطاع الواسع للتيار الكهربائي الذي ضرب شبه الجزيرة الإيبيرية الأسبوع الماضي، حين بدا أن العودة إلى بعض وسائل التكنولوجيا القديمة قد لا تكون فكرة سيئة على الإطلاق.
وليس هذا بجديد على الأوساط السياسية، إذ سبق أن تلقى أعضاء البرلمان الأيرلندي أجهزة راديو محمولة كهدايا من منظمات حقوق الموسيقى الأيرلندية. ويبدو أن أجهزة الراديو لا تزال تحتفظ بمكانتها… لا سيّما عند الطوارئ.
تذكارات “كروية”
تلقت ميتسولا مجموعة من الهدايا ذات الطابع الرياضي، أبرزها قميص موقّع من المنتخب الإسباني لكرة القدم للسيدات، أُهدي إليها قبل عام من فوز الفريق بكأس العالم.
اعلانوفي ذات السياق، وصل إلى ميتسولا قميص آخر موقّع من نادي “دينامو كييف” الأوكراني، فيما أضاف فريق الرغبي التابع للبرلمان الأوروبي لمسته الخاصة، من خلال تقديم مقتنيات تذكارية بمناسبة أول مشاركة تاريخية له في بطولة كأس العالم.
الخمر والكتب والمقتنيات التذكارية
بعض أنواع الهدايا لا تفقد بريقها مع مرور الوقت. ففي البرلمان الأوروبي، لا تزال المشروبات الكحولية تتربّع على عرش الهدايا المفضّلة لدى النواب، من زجاجات الويسكي الاسكتلندي إلى نبيذ بوردو والشمبانيا الفرنسية. ففي عالم السياسة، كما في الحياة، وحين تعجز عن اختيار الهدية المناسبة، يبقى الخيار الأبسط أمامك هو: زجاجة خمر.
وليس الخمر وحده من يحتل الرفوف، اذ تصطفّ إلى جانبه آلات موسيقية تقليدية من مختلف الدول: الفيولا براجيسا من البرتغال، الكافال من مولدوفا، والقيثارة العربية المغربية، قطع موسيقية تعبّر عن الهويات الثقافية المختلفة.
ولا تخلو الصورة من الهدايا الثانوية: سلاسل مفاتيح، دبابيس، مجسمات تذكارية صغيرة، وأوراق تكفي لملء خزانة ملفات كاملة.
اعلانفي المحصّلة، تبدو “خزنة الغرائب” أشبه بسوق للسلع المستعملة… سوق يشبه إلى حدّ بعيد أسواق بروكسل الشعبية، ولكن خلف أبواب مغلقة.