ومثل بشير، يعاني ملايين السودانيين خطر ضياع مستقبل أبنائهم التعليمي، مع استمرار تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية والصحية في معظم أنحاء البلاد.
وأظهر تحليل جديد أجرته منظمة “أنقذوا الأطفال” من أرقام مجموعة التعليم العالمية، أن نحو 13 مليون طفل سوداني يشكلون أكثر من 75 بالمئة من أصل 17 مليونا في سن الدراسة قبل الجامعية خارج المدرسة، وهو ما اعتبرته المنظمة واحدة من أسوأ أزمات التعليم في العالم.
واقع مرير
رغم إعادة فتح بعض الجامعات والمدارس جزئيا في السودان، لا يزال الملايين محرومين من التعليم بسبب البيئة الصحية والأمنية المتردية التي أعاقت العودة من مناطق النزوح الجماعي، إضافة إلى الدمار الهائل الذي لحق بالمدارس والجامعات، ونقص الكوادر والمواد التعليمية، وقيود الوصول الأخرى المرتبطة بعوائق مالية مثل ارتفاع تكاليف النقل والرسوم الدراسية، في ظل تدهور اقتصادي كبير أدى إلى فقدان دخل 60 بالمئة من معيلي الأسر بسبب الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو عامين ونصف العام.
وبالنسبة لبشير أحمد وغيره من ملايين السودانيين الذين حالت التداعيات الكارثية للحرب دون إلحاق أبنائهم بالمدارس، فإن الوضع لا يزال “قاتما”.
يقول أحمد لموقع “سكاي نيوز عربية”: “أنا قلق جدا على مستقبل أبنائي بعد ضياع 3 أعوام دراسية من عمرهم. لا نزال نواجه صعوبة بالغة في العودة إلى الخرطوم بسبب الأوضاع المتردية هناك، حتى الذين عادوا اضطروا للمغادرة بعد أسبوعين أو 3 من عودتهم، بل إن بعضهم واجه خطر الموت بسبب انتشار الأمراض. جاري الذي كان يعمل معلما بإحدى المدارس توفي بعد أقل من أسبوع من عودته، إثر إصابته بحمى الضنك والتهابات جلدية غريبة”.
مخاوف كبيرة
مع فقدان أكثر من عامين ونصف العام من التعليم بسبب النزاع، تتزايد الفجوة التعليمية في السودان الذي يعاني الفقر وعدم الاستقرار، وقالت منظمة “أنقذوا الأطفال” إن أكثر من ثلاثة أرباع أطفال السودان الذين هم في سن الدراسة، إما في منازلهم أو في ملاجئ أو أماكن نزوح مؤقتة.
ويشمل هذا الرقم 7 ملايين طفل مسجلين لكنهم غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة بسبب النزاع أو النزوح، و6 ملايين طفل في سن الدراسة غير مسجلين ومعرضين لخطر فقدان فرصة التعليم تماما.
وفي ظل حرمان ملايين الأطفال من حقهم في التعليم بمناطق النزاع، وتردي البيئة الأمنية في الخرطوم، رأت منظمة “أنقذوا الأطفال” أن حل أزمة التعليم في السودان يكمن في إيقاف الحرب كليا، وطالبت المجتمع الدولي بمضاعفة جهوده للمطالبة بوقف إطلاق النار للسماح بوصول إنساني آمن ودون عوائق، وزيادة حجم المساعدات الإنسانية التي من شأنها مساعدة الأطفال على العودة إلى المدارس.
وقال المدير القطري للمنظمة محمد عبد اللطيف: “يُهمَل التعليم بسهولة في الأزمات باعتباره أولوية أدنى، لكن مع استمرار الصراع تهدر سنوات التعلم الأساسية للأطفال من دون أن يتمكنوا من استعادتها أبدا. بالنسبة للبعض سيعني هذا عدم إكمال الدراسة الثانوية أبدا، وبالنسبة للآخرين سيعني عدم تعلم القراءة أو الكتابة أبدا. في كل الحالات يكون التأثير مدمرا”.
وأضاف عبد اللطيف: “إذا استمر الصراع فلن يتمكن ملايين من هؤلاء الأطفال من العودة إلى المدارس، مما يعرضهم لمخاطر فورية وأخرى طويلة الأجل، بما في ذلك النزوح والتجنيد في الجماعات المسلحة والعنف الجنسي”.
جدل
نقلت وكالة السودان للأنباء (سونا) تصريحا لمدير الشؤون التعليمية بمحلية الخرطوم، ذكر فيه اكتمال انتظام الدراسة بجميع المدارس بنسبة 100 بالمئة، لكن نقابة المعلمين في المحلية اعتبرت أن تلك التصريحات “محاولة للزج بالتلاميذ والمعلمين في المهالك”.
وفي حين يبلغ عدد المدارس الثانوية بمحلية الخرطوم 54، لا تعمل منها سوى 25 مدرسة فقط، بعدد طلاب بلغ نحو ألف طالب وطالبة وفقا للنقابة.
وقالت النقابة إن 80 بالمئة من سكان المحلية لم يعودوا إلى منازلهم حتى الآن، بمن فيهم المعلمون والتلاميذ.
وأضافت: “تفتقد الخرطوم إلى كل مقومات الحياة الأساسية، فمعظم مناطقها موبوءة بالحميات والأمراض وتعاني نقصا حادا في خدمات الكهرباء والمياه النقية الصالحة للشرب”.
وأكدت النقابة حرصها على استئناف العملية التعليمية، لكنها أشارت إلى أن فتح المدارس لا يمكن أن يتم إلا بعد زوال الأسباب التي دعت إلى توقفها، وتوفير وضع أمني وصحي واقتصادي أفضل.