وتأتي هذه الخطوة، كما يوضح كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي يوحنان تسوريف، خلال حديثه إلى برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية” في سياق مراجعة طويلة الأمد داخل الصناعات الدفاعية الإسرائيلية، وفي ضوء دروس حرب الأيام الإثني عشر، التي شهدت إطلاق إيران نحو 600 صاروخ وأكثر من 1000 مسيّرة، ما أغرق المنظومات الدفاعية الإسرائيلية التقليدية، وأظهر ثغرات حقيقية في قدرتها على الصمود أمام الهجمات الكثيفة.
يمثل الليزر بالنسبة لإسرائيل حلاً منخفض الكلفة، إذ لا تتجاوز “طلقة الليزر” نصف دولار، مقارنةً بعشرات آلاف الدولارات التي تكلفها صواريخ الدفاع الجوي، وهو ما يشكل، وفق تسوريف، نقلة جوهرية في إدارة المخزون الدفاعي واستدامة القدرة على الصدّ.
تحول تقني يعيد ضبط معادلة الدفاع
يشير تسوريف إلى أن منظومة “الشعاع الحديدي” ليست وليدة الحرب الأخيرة مع إيران، بل هي نتيجة مسار طويل من المحاسبة والتفكير الاستراتيجي داخل الصناعات الأمنية الإسرائيلية، بحثاً عن وسيلة توفر حماية فعّالة للجو الإسرائيلي من دون تحميل الخزينة أعباء إضافية.
فالمنظومة قادرة على العمل بشكل متواصل دون الحاجة لذخيرة تقليدية، وهو ما يعني – وفق المنطق الإسرائيلي – دفاعا شبه دائم بكلفة منخفضة للغاية مقابل “هجمات الإغراق” التي طورتها إيران ووكلاؤها.
الاستجابة لثغرات الحرب السابقة
بحسب تسوريف، أدى هجوم إيران الأخير إلى كشف نقطتين أساسيتين:
1. قدرة طهران على إغراق الدفاعات الإسرائيلية بعدد هائل من المقذوفات.
2. استنزاف سريع للمخزون الصاروخي الإسرائيلي والأمريكي الموجود داخل إسرائيل.
هذه المعطيات جعلت الحاجة إلى سلاح لا يعتمد على الذخائر التقليدية أكثر إلحاحاً. وهنا يأتي دور الليزر القادر على اعتراض الأهداف خلال ثانية أو نصف ثانية من كشفها، مستفيداً من سرعة الضوء التي تمنحه تفوقاً زمنياً وحركة فورية تجاه التهديدات.
قدرة على مواجهة التهديدات القصيرة والمتوسطة المدى
يوضح تسوريف أن الليزر الجديد قادر على مواجهة “كل أنواع الأسلحة والمسيرات من المادة المتوسطة والقريبة”، أي تلك التي تنطلق من غزة، جنوب لبنان أو مناطق قريبة من الحدود الإسرائيلية.
أما الصواريخ البعيدة المدى التي تطلقها إيران من العمق، فيؤكد أنها تجاوزت حتى الآن قدرة المنظومة، إلا أن عمليات تطوير إضافية جارية لزيادة مداها واعتراضها في المستقبل.
إيران والحرب الثانية.. هل إسرائيل على وشك الضربة؟
تداولت صحيفة “يديعوت أحرونوت” نقلاً عن دبلوماسي أوروبي توقعات بأن إسرائيل قد تشن ضربة على إيران خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة، مع الإشارة إلى أن واشنطن لن تسمح بضربة واسعة قريباً حفاظاً على خطتها في غزة.
لكن تسوريف يرفض هذه التقديرات، قائلاً إنه لا يعرف كيف توصّلت الصحيفة إلى هذه المعلومات، ويصف مدة 12 شهراً بأنها “فترة طويلة”قابلة لتغيرات سياسية وإقليمية عديدة.
حماية السماء بأقل كلفة
يرى تسوريف أن الدافع الحقيقي وراء تطوير الليزر ليس الحرب مع إيران بحد ذاتها، بل البحث عن أرخص وسيلة لحماية إسرائيل من تهديدات الصواريخ المتزايدة ومن دون تكاليف ضخمة، بعدما ثبت أن كل تكنولوجيا الدفاع السابقة – كـ”القبة الحديدية” و”مقلاع داود” و”آرو” – كانت ذات كلفة مرتفعة في الاعتراض.
ويعتبر تسوريف أن الليزر قد يعفي إسرائيل من الاستخدام المكثف للمنظومات الأخرى، أو يقللها على الأقل، الأمر الذي يشكل تغييراً استراتيجياً في إدارة الدفاع الجوي.
وأشار تسوريف أن تطوير الليزر بدأ “منذ سنوات طويلة قبل أي تهديد من الطرف الإيراني”، مؤكداً أن إيران بالفعل “وصلت إلى هدف معين” خلال الحرب، لكنها لم تحقق الدمار الذي كانت تريده: “حجم الدمار الذي سببته ليس من النوع الذي يغيّر قدرة إسرائيل على التغلب عليه… كان هناك عدة مبانٍ فقط”.
حسابات الحرب المقبلة: السياسة أولاً
عاملان رئيسيان يحددان قرار الحرب
يفصّل تسوريف أن قرار إسرائيل بشأن مواجهة محتملة مع إيران سيُحكم بعنصرين رئيسيين:
1. التطورات الإقليمية والدولية، خصوصاً ما يتعلق بمستقبل التفاهمات بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الإيراني.
2. نوايا الحكومة الإسرائيلية المقبلة، إذ تتجه إسرائيل إلى انتخابات خلال أشهر، وقد تجلب معها حكومة جديدة بأولويات مختلفة تماماً قد تؤثر في توجهات المواجهة.
ويشدد تسوريف على أن إسرائيل اليوم أمام عدة جبهات مفتوحة، وأن رغبتها الأساسية هي إغلاقها تباعاً.
فإذا جرى تطبيق قرار مجلس الأمن في غزة والوصول إلى “المرحلة الثانية”، قد تغلق هذه الجبهة أولاً، ومن ثم يأتي دور لبنان، الذي يعتبره تسوريف مرتبطاً عضوياً بجبهة غزة.
وبالنسبة لإيران، فإن أي تغيير في سلوك النظام أو خطواته النووية سيكون عاملاً حاسماً في قرار الحرب أو تجنبها.
لاعب أساسي في ضبط الإيقاع
يضع تسوريف الإرادة الأمريكية في صلب كل الحسابات، إذ يرى أن الرئيس اللاميركي يسعى إلى تجنب الحروب، ويعمل على “تهدئة” الملفات الإقليمية، بما في ذلك سوريا.
ويؤكد أن إسرائيل ستتمشى مع الموقف الأمريكي “مادام لا يضع أمنها في خطر”، وهو معيار أساسي في السياسات الدفاعية الإسرائيلية.
ومنظومة “الشعاع الحديدي” ليست مجرد تحديث تقني، بل تمثل محاولة إسرائيلية لإعادة صياغة مفهوم الدفاع الجوي بالكامل، في مواجهة تهديدات الصواريخ والمسيّرات المتنامية.
ووسط مشهد إقليمي معقّد، وضغوط سياسية داخلية، وتغيرات محتملة في أولويات الحكومات المقبلة، يبقى الثابت الوحيد – وفق تسوريف – هو أن التهديد الإيراني حاضر، وأن إسرائيل تتحضر له على مستوى تقني وسياسي في آن واحد.

