أنشأ الجبهة الإسلامية القومية، وتسلل بها إلى مؤسسات الدولة حتى قاد انقلاب عام 1989 مع عمر البشير.
في عهده صار السودان مركزا للتطرف، وتحالف مع إيران وتنظيم القاعدة مما أدى إلى عزله دوليًا وانهيار نظامه. ورغم سقوط حكمه ووفاته عام 2016، ظل إرثه المتمثل في تحالف الإسلاميين والعسكر يحكم السودان حتى اليوم.
وصف علي هندي، مسؤول وحدة الدراسات الإفريقية في مركز “تقدم”، المشهد بأنه “أحد المشاكل الرئيسية هو وجود التيار الإسلامي ووجود حكم العسكر”، مؤكداً أن هذه الثنائية أنتجت “نسيجاً سياسياً مشوهاً” وفتحت الباب أمام تحالفات إقليمية خطيرة أدت إلى عزلة السودان وحروبه الداخلية.
وقال هندي لـ”سكاي نيوز عربية”: “الشارع السوداني كان يمر بمرحلة.. ودخله الحراك الإسلامي ودخله في هذه الأزمة”، مشدداً على أن اضمحلال الأفق المدني رافق استغلال تيارات إيديولوجية للسلطة.
إرث مستمر أم زمن انتهى؟
بين الذين رأوا في الترابي مهندس أزمة وما زال “فكره ينهش الحاضر”، من شدد على حجم الأثر السلبي أمثلة بالغة الوضوح. الكاتب والباحث السياسي فايز السليك ذهب إلى حد وصف فكر الترابي بأنه “قتل به 2 مليون ونصف في جنوب السودان و300 ألف في دارفور”، وهي عبارة تصب في إطار الاتهام لتأثير سياسات أدت إلى عنف واسع وجرائم مأساوية.
وأضاف السليك أن الترابي “لو كان يعيش اليوم.. سوف يغير من سياسته”، في إشارة إلى أن بعض مواقف الرجل كانت نتاج ظرف تاريخي وربما قابلة للمراجعة لو تغيرت المعطيات، لكن أثرها الفعلي ظل باقياً.
من جهته، عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة “التيار” السودانية، اعتبر أن الخطأ لم يبدأ مع انقلاب 25 أكتوبر 2021 بل هو تراكم تاريخي.
وقال ميرغني لـ”سكاي نيوز عربية”: “الخطأ لم يبدأ في 25 أكتوبر.. الخطأ بدأ منذ الخميس 11 أبريل 2019 عندما أتيحت فرصة لأن يكون هناك شراكة بين القوى المدنية وبين الجيش”، معتبرا أن الشراكة المبكرة كانت “ملغومة” ومهدت لتسلسل أفضى إلى تمدد عسكريّ داخل مؤسسات الدولة وتهيئة المسرح لانقلاب سهل التنفيذ.
أما وليد مكرم، المستشار السياسي لرئيس حركة تحرير السودان، فقد ركّز بدوره على واقع اليوم وإمكانية الانتقال إلى حكم مدني.
قال مكرم لـ”سكاي نيوز عربية” إن احتمالات قبول العسكريين بالتسليم “صعبة حالياً”، مضيفاً: “المناخ السياسي السوداني حالياً أصبح لا يسمع بهذا الأمر… أنا أتصور أنه مثل هذا الأمر لا بد أن يأتي من التأسيسية”.
رؤية مكرم تُبرز أن الحل لا يمر عبر قرارات فورية بل عبر مؤسسات تأسيسية تُعيد ترتيب العلاقة بين المدنيين والعسكر.
لماذا يبقى أثر الترابي؟
تتداخل الأسباب في بقاء أفق الترابي، وهي توظيف الدين لتبرير امتدادات عسكرية، اختراق مؤسسات الدولة، واستثمار شبكات محلية ودولية لصالح هيمنة أيديولوجية.
كذلك ساهمت أخطاء المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية في تسهيل مسارات التفريغ المدني، بحسب الاركين في الحوار.
النقاشات أجمعت على أن سقوط رموز لا يكفي لطي صفحة، لأن الفكر المؤسّس لبنى التحالف بين “العمامة والبندقية” ظل متغلغلاً في بنية الدولة والمجتمع.

