في خريطة الصراع الحالية، أحكمت قوات الدعم السريع قبضتها على ولايات إقليم دارفور، الذي يمثل نحو ربع مساحة البلاد، بعد سيطرتها على الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
في المقابل، يسيطر الجيش السوداني على العاصمة الخرطوم وولايات الشمال والشرق والوسط، وعلى رأسها ولاية البحر الأحمر التي تتخذ منها الحكومة العسكرية مقرًا مؤقتًا في بورتسودان.
وفي قلب هذه الجغرافيا المشتعلة، تتركز المعارك الأعنف في ولايات كردفان، وتحديدًا في الأبيض وبارا. السيطرة عليهما تعني – وفق مراقبين – التحكم في خطوط الإمداد والطرق الرئيسة المؤدية إلى الخرطوم ودارفور.
يقول الكاتب والباحث السياسي السوداني فايز السليك، في حديثه لسكاي نيوز عربية إن “المعارك الدائرة في كردفان هي معارك كسر العظم، ومن يسيطر على كردفان يستطيع أن يقرر مصير العاصمة في أي وقت”.
خطر التقسيم والحرب الإقليمية
ويرى السليك أن “الصراع في السودان أصبح مفتوحا على عدة سيناريوهات، أبرزها تقسيم البلاد”، مشيرًا إلى أن سيطرة الدعم السريع على دارفور “رسمت ملامح أولية لهذا التقسيم”، خاصة مع اتساع حدود الإقليم مع دول مثل تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان، ما يجعل “احتمال الحرب الإقليمية واردًا جدا بسبب تشابك المكونات القبلية والاجتماعية بين هذه الدول”.
ويحذر السليك من أن “الحدود المفتوحة مع دول مثل تشاد وإثيوبيا وإريتريا قد تؤدي إلى انتقال الصراع خارج حدود السودان”، مشيرًا إلى أن هذه الدول نفسها تعاني من توترات داخلية يمكن أن تمتد نحو الأراضي السودانية.
انقسام سياسي وعسكري
ورغم فشل كل محاولات الحسم العسكري، يرفض الجيش السوداني – بحسب السليك – أي مبادرة للهدنة، بما في ذلك المبادرة الرباعية التي طرحتها الولايات المتحدة والإمارات والسعودية ومصر، والتي تهدف إلى وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لحوار سياسي شامل.
ويقول السليك إن “هناك تيارا داخل الجيش، مدعوما من عناصر الحركة الإسلامية، يرفض أي حديث عن السلام، بل يكفّر من يدعو إليه”، مشيرًا إلى أن “الإسلاميين الذين سيطروا على الجيش منذ عهد البشير هم الذين أشعلوا هذه الحرب انتقامًا من الثورة والفترة الانتقالية”.
ويضيف السليك أن “الحركة الإسلامية تمكنت من اختطاف قرار الجيش، من خلال نفوذها في مؤسسات مثل وزارة الخارجية والعدل والإعلام”، معتبرًا أن “تمسك الجيش بخيار الحرب ليس قرارًا وطنيًا بقدر ما هو انعكاس لهيمنة هذه التيارات على مراكز القرار”.
أزمة إنسانية غير مسبوقة
وعلى وقع هذه المواجهات، يتفاقم الوضع الإنساني بصورة مأساوية. فبحسب الأرقام فإن 21 مليون سوداني – أي نحو 45 بالمئة من السكان – يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينما 20 مليونا بحاجة ماسة إلى مساعدات صحية عاجلة.
يقول فايز السليك إن “تمسك الجيش بخيار الحرب أسهم في إطالة أمد النزاع في السودان، ويدفع المدنيون ضريبته الباهظة”، مضيفًا أن “الأزمة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من الجوع والمرض والنزوح، مع انتشار الكوليرا وحمى الضنك، وغياب الأدوية والمواد الغذائية المنقذة للحياة”.
ويتابع: “هذه المأساة تتطلب إرادة سودانية حقيقية قبل أي ضغوط إقليمية أو دولية، فالسلام لا يأتي إلا من داخل السودان، ويجب أن يبدأ بهدنة إنسانية عاجلة لضمان وصول الإغاثة للملايين من المتضررين”.
ويشير السليك إلى أن السلطات في بورتسودان “أبعدت في الآونة الأخيرة موظفين تابعين لبرنامج الغذاء العالمي”، رغم أن البلاد في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الدولية، معتبرًا ذلك “قرارًا كارثيًا يزيد من معاناة المدنيين”.
لا سلام دون إصلاح الجيش
وفي ختام حديثه، يؤكد السليك أن “أي اتفاق لإنهاء الحرب يجب ألا يكافئ من أشعلها”، مشددا على أن “خروج الجيش وقوات الدعم السريع من المعادلة السياسية هو الشرط الأساسي لبناء دولة مدنية جديدة”.
ويرى أن “إعادة هيكلة الجيش لتكوين مؤسسة وطنية مهنية موحدة بعيدة عن الولاءات الأيديولوجية والعرقية، هو المدخل الوحيد لإنقاذ السودان من الانهيار”.
وبينما تواصل المدافع دويها في كردفان ودارفور، يظل السؤال الذي طرحه فايز السليك في حديثه لـ”سكاي نيوز عربية” هو الأهم: “إلى متى يصرّ قادة الحرب على تجاهل مأساة شعبهم، ومتى تكون الإرادة السودانية أقوى من صوت السلاح؟”

