ولا ينفصل هذا التصعيد العسكري عن خطط التهجير التي لوّح بها مسبقا لنقل الفلسطينيين خارج القطاع، وهي خطط تواجه رفضا عربيا صريحا وقاطعا.
وفي هذا السياق، يبدو أن المشهد يتجه نحو معادلة معقدة تجمع بين التصعيد الميداني، الضغوط الدبلوماسية، والتحركات الأميركية التي قد تغير قواعد اللعبة على الأرض.
التصعيد الإسرائيلي وخطط التهجير
وفي تصريحاته الأخيرة، أعلن نتنياهو أن نحو 100 ألف شخص غادروا مدينة غزة، مشيرا إلى أن حماس تحاول منع المدنيين من المغادرة لاستخدامهم كدروع بشرية.
ويأتتي هذا التصعيد العسكري ضمن ما وصفه بمواجهة التهديدات المستمرة، ولكنه يتزامن أيضا مع مخططات التهجير التي تسعى إسرائيل من خلالها لتفريغ مناطق من الفلسطينيين، في ما يشير إلى مرحلة غير مسبوقة من القسوة تجاه سكان القطاع.
من جانبها، ردت الدول العربية المعتدلة بشكل قاطع على هذه الخطط. فقد شدد رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، على أهمية العمل الدولي لدفع عملية السلام الشامل والعادل، القائم على حل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق الاستقرار.
وأكد الجانبان رفضهما لأي توجه إسرائيلي لضم الضفة الغربية أو تهجير الفلسطينيين، مؤكدين أن مثل هذه الإجراءات تهدد فرص تحقيق السلام.
المبادرة الأميركية: صفقة شاملة مع حماس
وفي خطوة قد تبدو مفاجئة، أفادت مصادر إسرائيلية وأميركية أن واشنطن نقلت إلى حماس مبادئ مقترح صفقة شاملة، تشمل الإفراج عن جميع الرهائن الـ48 والجثامين في اليوم الأول للصفقة، بالتوازي مع إطلاق سراح مئات الأسرى وآلاف المعتقلين الفلسطينيين، على أن توقف إسرائيل عملياتها في قطاع غزة مؤقتا وتفتح مسار تفاوضي بإدارة شخصية من إدارة ترامب.
ووفق هذا الطرح، طالما المفاوضات جارية، لن تستأنف العمليات القتالية، على أن تثق حماس بوعود ترامب لإنهاء الحرب، مع افتراض أن عودة الرهائن ستجعل من الصعب على إسرائيل تبرير استمرار القتال أمام المجتمع الدولي.
ورقة ضغط وليست ضمانة
وأوضح المستشار في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عمرو الشوبكي، خلال حديثه إلى برنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، أن المقترح الأميركي يمثل ورقة ضغط إضافية على الحكومة الإسرائيلية وليست ضمانة لتنفيذه على الفور، نظرا لتجارب سابقة مع مواقف نتنياهو وممارسات إسرائيل في مواجهة حماس.
وأشار الشوبكي إلى أن الحروب السابقة بين إسرائيل وحماس كانت تستهدف تفكيك القدرات العسكرية للحركة، لكن ما يحدث الآن يختلف، إذ أصبح تهجير السكان والتجويع والإذلال الجماعي جزءا من أهداف الحرب، الأمر الذي يتجاوز مجرد مواجهة تنظيم مسلح ليصل إلى تهديد وجودي للفلسطينيين.
كما لفت إلى أن الضغوط الدولية وتحولات الرأي العام العالمي، بما في ذلك صورة إسرائيل المنبوذة في المحافل الرياضية والثقافية، تشكل عامل ضغط إضافي على الحكومة الإسرائيلية، ويجب أن تأخذ حماس هذه التحولات في الحسبان عند اتخاذ قرارها بقبول وقف إطلاق النار.
التحولات الدولية والضغوط العربية
ويبرز أن المواقف العربية الأخيرة من الإمارات، الأردن، السعودية، ومصر، تشكل ضغطا مضاعفا على إسرائيل، حيث تؤكد هذه الدول على رفض أي تهجير أو توسع استيطاني، وتدعم التسوية السلمية.
ووفق الشوبكي، هذه المواقف تمثل رموز محور الاعتدال العربي الذي يؤمن بالحلول السلمية والعمل المدني، ويزيد من الضغوط على إسرائيل للقبول بمبادرات وقف إطلاق النار.
وعلى الصعيد الدولي، تغيرت المشاهد العالمية أيضا، حيث أظهرت مظاهرات التضامن مع الفلسطينيين عداء متزايدا من المواطنين ضد السياسات الإسرائيلية، حتى في الدول الأوروبية، وهو تحول غير معتاد يؤثر على صناعة القرار الإسرائيلي ويزيد من أهمية المبادرات الدبلوماسية.
الحراك الأميركي: ترامب وصياغة الصفقات
وأشار الشوبكي إلى أن خلفية الرئيس ترامب التجارية والتجارية العقارية تؤثر على فهمه للصراع، إذ أن سياسات الاحتلال ومفهوم الاستقلال الوطني وحل الدولتين ليست من أولوياته التقليدية.
ومع ذلك، فإن المبادرة الأميركية تمثل فرصة لحماس وللجانب العربي لإعادة صياغة التفاوض وتحقيق مكاسب سياسية وإنسانية، رغم عدم وجود ضمانات مباشرة.
بين الورقة والواقع
ورغم تعقيدات الموقف، يمثل المقترح الأميركي ورقة ضغط قوية على إسرائيل، مع إمكانية أن تقبل الحكومة الإسرائيلية بوقف إطلاق النار تحت ضغوط داخلية ودولية متزايدة.
وفي الوقت نفسه، على حماس إدراك أن التحديات تتجاوز مجرد وقف القتال، لتشمل حماية المدنيين وتعزيز الضغط الدولي على إسرائيل.
والسؤوال الذي يطرح نفسه، هل ستتمكن الضغوط الدولية، والمبادرة الأميركية، والمواقف العربية الموحدة من تحويل هذا الطرح إلى واقع عملي، أم أن الصراع سيتواصل في ظل استمرار نتنياهو في تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية؟