وبحسب إحصائيات عمادة الأطباء، يغادر تونس سنويا 80 بالمئة من الأطباء الشبان حديثي التخرج وسط دعوات عاجلة من المنظمات المهنية العاملة في قطاع الصحة لإيجاد حلول جذرية تنهي نزيف هجرة الأطباء وتأثيراتها على جودة الصحة العامة والاستثمارات الطبية ومستقبل قطاع الصحة.
و يشار إلى أن الأطباء الشبان يتجهون بالأساس نحو السوق الأوروبية حيث تعتبر ألمانيا وفرنسا وجهة أولى لهم تليها دول الخليج وكندا وفق آخر أرقام نشرتها وكالة التعاون الفني في تونس .
وقال الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم قيصر ساسي الطبيب المختص في الإنعاش والتخدير في تصريحات لموقع “سكاي نيوز عربية”:
طالبنا عمادة الأطباء بإرساء حوار وطني حول قطاع الصحة في تونس من أجل وضع تحفيزات تمنع هجرة الأطباء من البلاد وتشجع من غادروها على العودة للعمل في المشافي التونسية.
استفحال ظاهرة العنف داخل المستشفيات ضد الأطقم الطبية، حيث تعرض 200 طبيب للعنف الجسدي على الأقل مرة واحدة في المستشفيات التونسية، إلى جانب تدهور ظروف العمل ونقص المعدات خاصة في المستشفيات العامة وضعف تأجير الأطباء هي من أكثر العوامل الدافعة بالأطباء الشبان نحو الهجرة.
ودعا الطبيب الشاب السلطات إلى مراجعة التشريعات المنظمة لعمل الأطباء التونسيين المقيمين في الخارج الذين يمنعهم القانون من الجمع في ممارسة الطب بين تونس ودول إقامتهم الخارج، مؤكدا أنهم اكتسبوا مهارات تقنية هامة في استخدام التجهيزات والمعدات الحديثة تسمح بالاستفادة من خدماتهم خاصة في المناطق الداخلية التي تشكو من نقص في طب الاختصاص.
و أكد الناطق الرسمي باسم جمعية الأطباء التونسيين حول العالم أنهم بادروا بمراسلة السلطات رسميا للفت الانتباه إلى نزيف هجرة الأطباء نحو الخارج، والتحذير من تداعيات الظاهرة على مستقبل الصحة في تونس حيث أظهرت دراسة أجرتها الجمعية و شملت عينة من 393 طبيب أن 70 بالمئة من الأطباء هاجروا نتيجة ظروف العمل السيئة وأن 50 بالمائة منهم مستعدون للعودة إلى تونس في حال تحسنت ظروف التأجير و القوانين المنظمة لممارسة المهنة .
وحدثنا قيصر ساسي طبيب الإنعاش الذي يعمل في فرنسا منذ سنوات أنه يحرص مع زملاء له في أوروبا على دعم قطاع الصحة في تونس بتوفير التجهيزات عن طريق المنظمات أو بتشارك الخبرات العلمية المتوفرة في أوروبا مع أطباء شبان في تونس وأنهم جميعا يقلقون بشأن مستقبل القطاع الصحي في تونس.
وأوضح الطبيب: “كل دول العالم تشهد نقصا في الإطارات الطبية وهنا في أوروبا تسارع الدول في استقطاب أطباء المغرب العربي و دول أفريقيا والترفيع في عدد الأطباء المنتدبين من الخارج ومنهم التونسيين، حتى أن ألمانيا فتحت أبوابها منذ عام 2014 أمام المتخرجين الجدد من كليات الطب بتونس بشكل مباشر، وبعضهم يبرمج الهجرة حتى قبل التخرج “.
من جهته قال طبيب الأسنان يوسف بليش إن هجرة الأطباء ليست حالة معزولة بل تأتي ضمن ظاهرة كاملة هي هجرة الشباب من تونس، معلقا بأن نسبة البطالة مرتفعة في اختصاصه طب الأسنان خاصة وأن تكاليف فتح عيادة طب أسنان مجهزة وعصرية مرتفعة جدا.
وبدوره اعتبر الطبيب أمين بالحاج أن تفكير الطبيب في الهجرة أمر متوقع بسبب عدم تلاءم ساعات العمل الطويلة مع أجور الأطباء في المستشفيات العامة.
وتابع بلحاج: ” القرار الطبي يتأثر مباشرة بضعف نفاذ المريض إلى صور الأشعة والتحاليل المتطورة مما يؤثر نفسيا على الطبيب فيحس بالعجز تجاه المهنة وأخلاقياتها والتزامه بإسعاف المرضى في الوقت المناسب مما يدفعه للتفكير في الهجرة “.
وتشير آخر الإحصائيات الرسمية في تونس إلى هجرة 3300 طبيب خلال الخمس سنوات الأخيرة بمعدل يفوق 400 طبيب سنويا، في حين يبلغ عدد الأطباء الناشطين في تونس حوالي 8500 طبيب، ويتخرج سنوياً نحو 500 طبيب من كليات الطب بتونس يغادر أغلبهم لمزاولة المهنة خارج البلاد.
وينادي الخبراء منذ سنوات بضرورة حماية تونس لقطاعها الصحي من أجل السنوات القادمة وسط توقعات بمزيد من الأطباء الشبان المهاجرين مقابل تقاعد عدد هام من الأطباء العاملين في القطاع العام.