وتأتي هذه المفاوضات غير المباشرة عبر وسطاء مصريين، وسط ترقب دولي حذر، حيث قال ترامب في وقت سابق إن “الزمن هو الثمن الأغلى في هذه الحرب”.
وقد وصل صباح اليوم إلى شرم الشيخ الوفد الإسرائيلي المكلف بملف الأسرى، ويضم منسق شؤون الأسرى والمفقودين غال هيرش، إضافة إلى مسؤولين رفيعي المستوى من جهازي الشاباك والموساد.
لكن القناة الرابعة عشرة الإسرائيلية ذكرت أن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وكذلك مبعوثي ترامب ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، لن ينضموا إلى الوفد قبل تحقيق تقدم فعلي في ملف الإفراج عن الرهائن.
في المقابل، عقد وفد حركة حماس برئاسة خليل الحية اجتماعات تحضيرية مع مسؤولين في جهاز المخابرات العامة المصرية، عرض خلالها جملة من التخوفات بشأن احتمال تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو عدم التزامه ببنود الخطة، مؤكداً ضرورة وجود ضمانات واضحة وآليات رقابة تضمن تنفيذ الاتفاق بالكامل.
محاور المرحلة الأولى
تتضمن المرحلة الأولى من الخطة، وفق ما تسرب من بنودها، الإفراج عن جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة مقابل الإفراج عن نحو ألفي أسير فلسطيني، بينهم 250 من المحكومين بالمؤبدات.
كما تنص على انسحاب إسرائيلي تدريجي من مناطق في القطاع إلى ما يسمى بـ”الخط الأصفر”، الذي رسمه ترامب على خريطته المقترحة، على أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ فوراً بعد تبادل الأسرى.
غير أن حركة حماس أبلغت الوسطاء مسبقاً أنها تحتاج إلى وقت أطول لتجميع الرهائن والجثامين، في حين ترفض إسرائيل إدراج أسماء قيادات فلسطينية بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات وعبدالله البرغوثي في قوائم المفرج عنهم، ما يضع عقبات مبكرة أمام انطلاق التنفيذ.
رؤية حماس.. مأزق الخيارات
وفي قراءة للمشهد، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، الدكتور مخيمر أبو سعدة، في حديثه لسكاي نيوز عربية، إن “الاجتماعات في شرم الشيخ ستحاول حسم كيفية تنفيذ البند الأول من خطة وقف إطلاق النار، والمتعلق بإطلاق الرهائن ودخول المساعدات”.
وأضاف أن “نتنياهو أعلن صراحة أنه لن ينفذ أي بند من الخطة قبل عودة آخر رهينة، في محاولة لتأجيل أو عرقلة تنفيذ البنود المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين”.
وأوضح أبو سعدة أن حركة حماس “تدرك أنها لا تملك كثيراً من الخيارات بعد موافقتها على خطة ترامب”، مؤكداً أن “البديل عن ذلك هو جحيم في قطاع غزة كما وصفه ترامب نفسه”.
وأشار إلى أن حماس وافقت على بندين رئيسيين: إطلاق جميع الرهائن وتشكيل لجنة إدارية من التكنوقراط الفلسطينيين لحكم القطاع، معتبراً أن الحركة “تسعى الآن للخروج من المأزق الإنساني والسياسي الذي تعيشه”.
لكنه شدد على أن “القصف المدفعي الإسرائيلي لم يتوقف رغم إعلان ترامب وقف الهجمات، ما يشير إلى أن نتنياهو ربما يسعى إلى استفزاز حماس أو قلب الطاولة على المفاوضات”.
الرؤية الإسرائيلية.. اختبار النوايا
من جانبه، قال يوحنان تسوريف، كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، لسكاي نيوز عربية، إن ما يجري “يمثل تطوراً جديداً لم يحدث في المحاولات السابقة، والاختلاف هذه المرة هو إصرار الموقف الأميركي الذي يبدو أكثر تصميماً على إنجاز اتفاق فعلي”.
وأوضح تسوريف أن “المرحلة الأولى قد تكون الأسهل نسبياً، لأن إسرائيل تريد عودة رهائنها بسرعة، وحماس تريد وقفاً كاملا لإطلاق النار بعد ضغط كبير من سكان غزة والدول العربية”.
وأضاف الباحث الإسرائيلي أن هناك “قلقا في إسرائيل من عدم قدرة حماس على تسليم جميع الرهائن، بسبب الفوضى والدمار في غزة، وربما لاحتفاظها ببعضهم كورقة ضغط”، مشيراً إلى أن هذا يشكل “امتحاناً حقيقياً أمام الحركة”.
لكنه أشار إلى أن المجتمع الإسرائيلي بات متعباً من الحرب بعد عامين من استمراريتها، وأن “هناك رغبة عامة في إنهائها بمجرد استعادة الرهائن والجثث”، لافتاً إلى أن أي أصوات متشددة داخل الحكومة “ستواجه صعوبة في تبرير العودة إلى ساحة القتال”.
فجوات التفاوض وعقبات التنفيذ
يقول الدكتور أبو سعدة إن الجولة الحالية “فنية بامتياز”، وتعمل على تحديد خطوط الانسحاب والأسماء النهائية للأسرى المفرج عنهم. لكنه أشار إلى “فجوات واضحة” تتعلق برسم الخط الجغرافي للانسحاب الإسرائيلي، وبقدرة حماس على تحديد أماكن الرهائن الأحياء أو الجثامين بعد الدمار الواسع.
وأوضح أن “التجربة السابقة في صفقات التبادل عامي 2023 و2024 تؤكد أن حماس قادرة على التنفيذ، لكنها تحتاج لمزيد من الوقت”، مضيفاً أن الضغط الأميركي الزمني (72 ساعة) الذي حدده ترامب “قد يؤثر سلباً على فرص نجاح الجولة الحالية”.
وبينما يتريث رون ديرمر في الانضمام إلى الوفد الإسرائيلي بانتظار “تقدم ملموس”، تبقى الأنظار معلقة على نتائج مفاوضات شرم الشيخ. فإما أن تنجح في وضع أساس عملي لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، أو أن تصطدم مجدداً بفجوات الثقة والتفسير المتباين للبنود، ما يعيد المسار إلى دائرة التعقيد السياسي والعسكري التي لم تغادرها غزة بعد.