وتابع ساور في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست”، أن المشهد يذكر الاستراتيجيين الأميركيين بأنه، في الوقت الذي يتكاتف فيه خصوم أميركا الاستراتيجيون في الخارج، لا تزال الولايات المتحدة تعتمد بشكل خطير عليهم في سلاسل التوريد داخل أراضيها.
ويضيف أنه “لا شك أن الصين، وقد ازدادت جرأة بفعل استعراضات واضحة للوحدة الجيوسياسية مع روسيا وكوريا الشمالية، تمثل التهديد الأكبر للأمن القومي الأميركي. لذلك، يجب على أميركا أن تسعى بسرعة لتصبح مستقلة استراتيجيا عن الصين في التقنيات والسلع الحيوية، إضافة إلى تقديم منتجات بديلة قادرة على منافسة الصين”.
وشدد أن “على واشنطن أن تضمن وصولا آمنا وغير مقيد إلى المعدات والمواد المهمة، لا سيما في مجالات الاتصالات السلكية واللاسلكية وأشباه الموصلات والمعادن النادرة، والأدوية، لضمان ألا تعتمد مطلقا على الحزب الشيوعي الصيني”.
وتعتمد الولايات المتحدة بشكل واسع النطاق على الصين في قطاعات حيوية مثل الاتصالات وأشباه الموصلات والمعادن النادرة والأدوية، في وقت يشهد العالم فيه تقاربا متزايدا بين بكين وموسكو وبيونغ يانغ.
الحاجة إلى منافسين محليين لهواوي
وإدراكا منها للأهمية الاستراتيجية للتقنيات المتقدمة، سعت الصين للهيمنة على قطاع الاتصالات ومعدات الشبكات. ومن خلال الشركة الصينية المملوكة للدولة “هواوي”، عمدت الحكومة الصينية إلى الحفاظ على أسعار منخفضة بشكل مصطنع، إلى جانب أساليب أخرى، بهدف إدخال معدات “هواوي” في بنى تحتية لشبكات الجيل الخامس والشبكات حول العالم.
وقامت إدارة ترامب الأولى بحكمة بحظر استخدام معدات هواوي في الولايات المتحدة، وصنفت “هواوي” شركة عسكرية صينية، وبذلت جهدا كبيرا من الوقت والموارد لإقناع الحلفاء والشركاء بخطر المعلومات الاستخبارية المترتب على استخدام معدات هواوي في شبكاتهم.
وسلطت الولايات المتحدة الضوء بشكل محق على إمكانية وجود “أبواب خلفية” قد تستغلها هواوي، وبالتالي الصين، لسرقة البيانات والأسرار.
ويقول ساور إنه مع ذلك، واصلت هواوي تعزيز موقعها كشركة تكنولوجية متقدمة ومنخفضة التكلفة مدعومة بكامل قوة الحكومة الصينية.
ولهذا السبب، كان من الضروري أن تبني الولايات المتحدة بدائل محلية قوية. وخطت الحكومة الأميركية خطوة في الاتجاه الصحيح في وقت سابق من هذا العام عندما وافقت على استحواذ شركة “هيوليت باكارد إنتربرايز” على شركة “جونيبر نتووركس”، وهو الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في يوليو بعد مراجعة لمكافحة الاحتكار من جانب الحكومة الأميركية.
ورغم أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ ومسؤولا سابقا في وزارة العدل انتقدوا الصفقة، فإن الواقع أن دمج الشركتين يمنح الشركة الجديدة (إتش بي إي) حجما أكبر يمكنها من منافسة هواوي، ما سيساعد الولايات المتحدة على التنافس على النفوذ العالمي في مجال البنية التحتية الرقمية.
ولهذا السبب، يقال إن مجتمع الاستخبارات الأميركي حث وزارة العدل على تمرير الصفقة. ومع إضافة خط منتجات “جونيبر”، ستتمكن (إتش بي إي) من تقديم حزمة متكاملة رأسيا من حلول الشبكات الكاملة للعملاء حول العالم.
ويقول ساور إنه مع اندماج الشركتين، قد تتمكن الشركة من تعزيز موقعها التنافسي ضد هواوي في الأسواق الأوروبية والآسيوية وأميركا الجنوبية. وستتمكن من تقديم منتجات عالية الجودة وخبرة واسعة، من دون الارتباط الخبيث لهواوي مع الحكومة الصينية.
كسر قبضة الصين على معادن الأرض النادرة
ونجحت الصين أيضا في احتكار عمليات معالجة معادن الأرض النادرة وكذلك إنتاج المغناطيسات الخاصة بها. وظهر أثر سيطرتها على هذا القطاع الحيوي من الاقتصاد العالمي بالفعل في الولايات المتحدة.
وفي أبريل، بعد أن تحرك الرئيس دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية على بكين، ردت الحكومة الصينية بوقف شبه كامل لتصدير مغناطيسات الأرض النادرة.
وكانت المخاطر على الاقتصاد الأميركي كبيرة، إذ هرعت الشركات الأميركية للبحث عن موردين بديلين نادرين لهذه المغناطيسات، واضطرت شركة “فورد موتور” إلى إغلاق مصنع لها مؤقتا في شيكاغو بعد أن نفد أحد مورديها من المغناطيسات اللازمة لصناعة السيارات.
وبعد أن تفاوضت الولايات المتحدة والصين على هدنة تجارية، استأنفت بكين صادراتها، لكنها أبقت القيود مفروضة على شركات الدفاع الأميركية. كما لا يوجد أي ضمان بألا تعاود الصين فرض حظر كهذا في المستقبل، بما قد تكون له آثار كارثية محتملة.
وتهيمن الصين على صناعة المعادن النادرة، إذ تنتج نحو 90 بالمئة من مغناطيسات الأرض النادرة المستخدمة في التقنيات المتقدمة والقطاعات الصناعية الكبرى مثل السيارات والإلكترونيات والطاقة المتجددة.
وتسيطر الصين أيضا على 90 بالمئة من طاقة معالجة معادن الأرض النادرة في العالم. وسبق أن استخدمت الصين نفوذها في هذا المجال كسلاح، عندما فرضت حظرا على الصادرات إلى اليابان في سبتمبر 2010 بعد حادث وقع قرب جزر سينكاكو.
وكان ذلك التجميد المبكر للصادرات بمثابة مؤشر على ما سيأتي لاحقا، فقد وجه رسالة إلى الغرب بأن الصين مستعدة لتسليح هيمنتها في هذا المجال لتحقيق أهداف سياسية.
تحرك إدارة ترامب
وأدركت إدارة ترامب بحق ضعف الولايات المتحدة في مجال المعادن النادرة، وتسعى إلى تحسين موقعها الاستراتيجي في مجال استخراج ومعالجة هذه المعادن، وكذلك تصنيع مغناطيسات الأرض النادرة.
ويعد التعاون بين وزارة الدفاع الأميركية وشركة “إم بي ماتريالز” ، الذي أعلن عنه في يوليو، تطورا مرحبا به في مسار إنشاء سلسلة توريد محلية لموارد ومعادن الأرض النادرة.
ولقد وجهت إدارة ترامب استراتيجية الأمن القومي الأميركي في ما يتعلق بسلاسل التوريد نحو الاتجاه الصحيح من خلال سياساتها تجاه الصين.