تشهد شوارع اللاذقية منذ نهاية شهر تموز الماضي انتشاراً أمنياً كثيفاً وعمليات اعتقال طالت عدة أشخاص، وذلك بعدما عادت الحواجز الطيارة لميليشيا أسد إلى مفارق الطرق ومداخل الأحياء، بعد أن كان وجودها يقتصر على مداخل المدينة فقط .
اعتقالات على الحواجز
وقال “حسين”، عنصر بصفوف ميليشيا أسد، وهو شقيق أحد الأشخاص الذين اعتقلتهم ميليشيا أسد، إن شقيقه أحمد اعتقل رغم أنه غير مطلوب للخدمة الإلزامية، ولم يُعرف مصيره إلى الآن.
وأضاف “حسين” لـ”أورينت نت”، “أخبرني سائق السرفيس أن دورية للنظام تقف عند دوار اليمن أخذت البطاقات الشخصية للركاب ومن ثم طلبوا من أحمد النزول بحجة أنه مطلوب للعسكرية”، مؤكداً أن هذا غير صحيح، لأنه شقيقه مؤجل بحكم أنه يخدم بصفوف ميليشيا وهو شقيقه الوحيد ولم يتجاوز العشرين.
بدوره، أكد “عبد الوهاب”، أحد سكان اللاذقية لـ”أورينت نت”، أن عملية “التفييش” التي تقوم بها الدوريات ليست لأجل المطلوبين للاحتياط أو الإلزامية، لأنه عند عودته لمنزله الواقع في حي السجن في وقت متأخر، فوجئ بعناصر باللباس المدني يخرجون من مداخل الأبنية، وطلبوا بطاقته الشخصية وتم “تفييشه” علماً أن عمره 56 عاماً.
انتشار أمني
وأشار إلى أن الانتشار الأمني ازداد بعد إعلان “حركة 10 آب” عن بيانها الأول وبدا واضحاً أن النظام يتوقع كتابات على جدران المدينة تعيد السوريين بالذاكرة لأحداث درعا، مبيناً أن الشعب السوري لم ينسَ أن اللاذقية هي أول محافظة خرجت لمساندة أهلنا في حوران.
وأوضح أن الدوريات اليوم تكثر بمناطق ذات غالبية علوية، بينما كانت في السابق خزانات بشرية ترفد أسد وميليشياته بآلاف الشبان، كحي الدعتور على سبيل المثال.
في هذا السياق، تحدث “سليمان”، موظف حكومي، لـ”أورينت نت”، أن عدد القتلى كبير جداً لدى العلويين، وذووهم بالكاد يشبعون الخبز، بالإضافة للجرحى الذين أهملهم النظام وأصبحوا عاطلين عن العمل وغير قادرين على تأمين ثمن علبة دواء.
وتابع: “هؤلاء الآن يدركون أن النظام ضحّى بهم وبالبلد مقابل الحفاظ على مصالح فئوية وعائلية، والذين طالبوا بالحسم العسكري منذ 12 عاماً يرون أبناءهم وإخوتهم مقعدين لا حول ولا قوة لهم، أو صورهم عليها خط أسود على أحد جدران المنزل أو على شرفته، أما ابن أسماء الأسد يدرس في موسكو”.
قنابل موقوتة
من جانبه، قال أستاذ الفلسفة “جميل”: “بشار في مقابلته الأخيرة تحدث عن انعدام مقومات الحياة، وهو ما يعاني منه الجميع.. الموالون الذين فقدوا أبناءهم في حرب أدركوا أخيراً أنها ليست حربهم، وأنهم باتوا عاجزين عن تأمين أدويتهم وأدوية المصابين من أبنائهم، وأنهم ليسوا أكثر من أداة رخيصة تم استعمالها ومن ثم التخلص منها، هم في حالة غضب”.
وأضاف: “برأيي أن هذا الغضب لن ينتج عنه إلا السباب والشتائم، لن يكون هناك أبعد من ذلك لكن حتى هذا غير مسموح، يكفي أن تتابع المدعو بشار برهوم والمدعوة لمى عباس لتنفس عن غضبك”.
المهندس “مهند”، وهو معتقل سياسي سابق، أكد أن ظاهرة بشار برهوم ولمى عباس وغيرهم مهمة وجديرة بالدراسة، مشيراً إلى أنه لا يحكم هنا فيما إذا كان هؤلاء يعملون بالتنسيق مع أحد الأجهزة الأمنية أم لا. وإنما المهم هو من يتفاعل معهم.
ولفت إلى أنه “ابن بيئة موالية جداً وتعرضت لمضايقات اجتماعية عديدة في الحي وحتى ضمن الأسرة، اليوم أرى تغيراً حقيقياً في الموقف.. والذين اتهموني بالخيانة يوماً ما يقولون لي اليوم متى سيرحل الأسد لنرتاح”.
وبيّن “مهند” أن “الانتشار الأمني الكثيف جاء نتيجة تغيّر المزاج لدى الموالين، ومعرفة النظام أن هذا الخزان البشري الذي رفده قرابة عقد من الزمن قد يتحول في لحظة ما للضفة المقابلة”، لافتاً إلى أن هذا الخزان الذي يضم أقارب الآلاف من عناصر ميليشيا أسد، وهم عبارة عن قنابل موقوتة لن يسمح النظام بانفجارها.
وختم حديثه بالإشارة إلى أنه هنا يأتي دور المعارضة التي تعيبهم بأن مشكلتهم مع النظام ليست سياسية بل مطلبية وهذا صحيح، فهم (أبناء الساحل) لا يرون به قاتلاً ولا يصفونه بالوحش الذي دمّر مدناً كاملة، هم يريدون حداً أدنى من الحياة الكريمة (راتباً جيد، كهرباء، ماء، أدوية)، ولكن النظام غير قادر على تأمين هذه الحقوق البسيطة، وهذا يعني أنهم اليوم معارضون له، وهذا ما يجب على القوى السياسية في الداخل والخارج استغلاله.
عوامل مساعدة
وأفاد أحد الأطباء في اللاذقية، طالباً عدم ذكر اسمه، كونه مقرّباً من شخصيات أمنية عالية المستوى، بأن هناك عدة عوامل ساعدت برفع الصوت في الساحل وتحميل الأسد مسؤولية الوضع المتردي.
ومن أهم هذه العوامل بحسب الطبيب، تدهور الليرة السورية وضعف القيمة الشرائية، وانتشار الجريمة، والحرائق “السنوية” في ريف الساحل، إضافة إلى فيديوهات انتقاد السلطة الفاسدة على مواقع التواصل التي تشير صراحة إلى فقدان السيادة وتحكم الميليشيات الإيرانية وحزب الله وروسيا بمفاصل الدولة السورية.
إلى ذلك، ذكر الطبيب أن تاريخ ظهور “حركة 10 آب” هو نفس التاريخ لظهور حركة نحل الساحل (منتصف آب 2012) التي كانت ترعب النظام أكثر من أي فصيل عسكري يقاتل ضده، لأنها تعمل بين أنصاره ومؤيديه ولأن أفرادها أو قسماً كبيراً منهم من طائفته، والتقارير الأمنية التي تنقل استياء الناس وتذمرهم غير المحدود.
ومع ظهور الحركة، وفق ما قال الطبيب، يتوقع النظام القيام بأعمال عديدة كالكتابة على الجدران وتوزيع المناشير، وهذا يعني جرعة عالية من الجرأة، وهذا بحسب تعبير أحد ضباط الأمن صنبور ماء إن فتح لا أحد يستطيع إغلاقه وسيغرق الجميع.
ولتبرير عودة الحواجز إلى اللاذقية بكثافة، فإن التعليمات واضحة للدوريات للادعاء بأن هناك عصابة لسرقة السيارات ويتم العمل على الإيقاع بها، بحسب الطبيب، الذي أكد أن لدى الأجهزة الأمنية معلومات تفيد بأن “حزب اللواء السوري” يقف وراء “حركة 10 آب”.
قمع أي تحرك
وكان إمبراطور المخدرات بشار الأسد قد أجرى زيارة إلى الساحل لتخفيف الاحتقان الحاصل، إلا أن ذلك لم يوقف الانتقادات للنظام على وسائل التواصل في اللاذقية وجبلة، وانتشار قصاصات ورقية تطالب الأسد بالرحيل وتناصر السويداء ودرعا وإدلب، كما انتشر فيديو لضباط علويين من القرداحة أعلنوا فيه استعدادهم لانشقاق والانضمام للمجلس العسكري.
ويحاول النظام قمع أي تحرك من شأنه أن يفجّر الوضع في الساحل الذي يشهد حالة من الاحتقان والغليان بسبب تردي الوضع المعيشي وسياسة التجويع التي يتبعها النظام ضد أبناء المنطقة.
ففي 18 من الشهر الحالي، اقتحمت أجهزة ميليشيا أسد الأمنية منزل أحد وجوه “معارضة الداخل” التي تهادن النظام فاتح جاموس، في قرية بسنادا شرق اللاذقية، لمنع عقد اجتماع دعا إليه جاموس لمناقشة الواقع المعيشي في المحافظة، بحجة أنه غير مرخص.
كما بدأت أجهزة ميليشيا أسد الأمنية باعتقال الناشطين العلويين بتهم عدة منها؛ وهن نفسية الأمة أو إضعاف الحس الوطني أو كجريمة إلكترونية قام مرتكبها بالشتم والسب.