بدأ عناصر مجموعة فاغنر الانسحاب من مواقع سيطروا عليها في روسيا بعد اتفاق مع الكرملين قضى بوقف تقدمهم نحو موسكو وخروج قائدهم يفغيني بريغوجين الى بيلاروس، بعد تمرّد مسلح شكّل أكبر تحدٍّ للرئيس فلاديمير بوتين في خضم حرب أوكرانيا.
وبعد نحو 24 ساعة من الترقب عالميا بشأن مسار أحداث شهدت سيطرة مرتزقة فاغنر على مقرات قيادة للجيش الروسي وتقدم أرتالهم في اتجاه العاصمة، نزع فتيل الانفجار بتوصّل الكرملين وبريغوجين الى اتفاق يوقف بموجبه الأخير تمرده ويغادر الى بيلاروس إثر وساطة من رئيسها ألكسندر لوكاشنكو.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة البريطانية اللورد ريتشارد دانات أن “قوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تضاءلت كثيرًا ومن الواضح أنه هناك حالة من الفوضى في روسيا”.
وعن توجه رئيس جماعة “فاغنر” يفغيني بريغوجين إلى بيلاروس، رأى دانات أن هذه الخطوة تعني نهاية زعيم هذه الجماعة المسلحة، متسائلًا: “في الساعات المقبلة سنعرف إذا كان توجه رفقة عناصره، ما سيطرح علامات استفهام حول احتمال القيام بعملية مفاجئة نحو كييف”.
وقال: “لا تزال أوكرانيا في موقف قوي ضد العدو، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة التي أضعفت المعنويات الروسية، وعلينا أن نراقب الآن الخطوات المقبلة لبريغوجين وما يمكن أن يفعله في بيلاروس”.
إجراءات في موسكو
وكانت أوكرانيا التي تتعرض لغزو روسي منذ شباط/فبراير 2022، رأت في أحداث السبت “فرصة” يجب استغلالها ميدانيا.
وعلى رغم الاتفاق، اعتبرت كييف أن بريغوجين أذلّ بوتين. وقال مساعد الرئيس الأوكراني ميخايلو بودولاك إن “بريغوجين أذلّ بوتين/الدولة وأظهر أنه لم يعد هناك احتكار للعنف”.
ورأى محللون أن التمرد المسلح ستكون له تبعات على بريغوجين ومجموعته التي تنشط أيضا في مناطق نزاع حول العالم.
وقال الباحث في مركز الدراسات البحرية صامويل بينديت إن بريغوجين “يجب أن يرحل، والا فالرسالة ستكون أن قوة عسكرية يمكنها تحدي الدولة بشكل علني، وعلى الآخرين أن يفهموا أن الدولة الروسية لديها حصرية العنف (امتلاك السلاح) في داخل البلاد”.
واعتبر الباحث في معهد أبحاث السياسة الخارجية في الولايات المتحدة روب لي أن “بوتين وأجهزة الأمن سيحاولون على الأرجح إضعاف فاغنر أو تنحية بريغوجين جانبا”، مشيرا الى أن “الآثار الأكثر أهمية سيتمّ رصدها في الشرق الأوسط وإفريقيا حيث تتواجد فاغنر”.
وجاء إنهاء التمرد بعدما وصل مسلّحو فاغنر لمسافة تقل عن 400 كيلومتر من موسكو، بعد سيطرتهم على مقرات عسكرية في مدينة روستوف-نا-دونو (جنوب غرب).
وأعلن حاكم المنطقة فاسيلي غولوبيف مساء السبت مغادرة قوات فاغنر. وأكد مراسلون لفرانس برس أن العشرات من الروس تجمّعوا وهتفوا “فاغنر” ليلا.
والأحد، أعلن حاكم منطقة فورونيج الجنوبية أن عناصر فاغنر ينجزون انسحابهم منها.
وقال ألكسندر غوسيف إن “تحرك وحدات فاغنر في منطقة فورونيج هو في طور الانتهاء (…) الأمر يتمّ بشكل طبيعي ومن دون حوادث”، مؤكدا أن القيود التي تمّ فرضها السبت على حركة التنقل سترفع بمجرد “حل الوضع بشكل نهائي”.
وانسحب عناصر فاغنر أيضا من منطقة ليبيتسك في جنوب روسيا وفق ما أعلنت السلطات المحلية الأحد.
مخاوف من الخطوات المقبلة
وفي موسكو، بقي “نظام مكافحة الإرهاب” قائما الأحد على رغم الاتفاق.
وواصلت دوريات للشرطة انتشارها في جنوب العاصمة على طول الطريق السريع الرئيسي بين موسكو والمناطق الواقعة الى جنوبها، وفق مراسلة لفرانس برس.
وأكدت وكالة “آفتودور” المسؤولة عن الطرق السريعة في روسيا أن القيود على التنقل على الطريق بين موسكو ومدينة روستوف-نا-دونو لا تزال قائمة.
ويعزز “نظام مكافحة الإرهاب” صلاحيات الأجهزة الأمنية ويسمح لها بالحد من الحركة، كما يمكن بموجبه القيام بعمليات تفتيش مركبات في الشوارع والتحقق من الهوية ويسمح أيضا بتعليق موقت لخدمات الاتصالات إذا لزم الأمر.
وكان رئيس بلدية موسكو قد دعا السكان إلى الحد من التنقل، ووصف الوضع بأنه “صعب” وأعلن يوم الاثنين عطلة.
في المقابل، بدأت مناطق أخرى رفع الإجراءات الاستثنائية اعتبارا من ليل السبت، ومنها ليبيتسك.
من جهته، رأى سفير المملكة المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة السير مارك غرانت أن “هذه القصة لم تنتهِ بعد، ولا أعتقد أن بيرغوجين قد حصل على تقاعد هادئ في بيلاروس”.
وأضاف: “أعتقد أن هذه علامة على مدى خطورة الموقف أن شخصًا مثل ميدفيديف، الرئيس السابق لروسيا، ولا يزال في منصب قيادي رفيع للغاية، كان يقول إنه إذا سقطت الأسلحة النووية في أيدي قطاع الطرق، فسيكون ذلك خطيرًا للغاية، وهذه الحقيقة رأيناها أمس عندما تقدمت فاغنر”.