بقلم: يورونيوز
نشرت في
قدّمت لجنة السلم الأهلي في سوريا، بعد لقاءٍ جمعها بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع، رؤيةً عمليةً لمعالجة قضايا ملحّة تشغل بال المواطنين في الساحل السوري، في مسعى لطيّ صفحة الماضي والانخراط في بناء دولة جديدة تعتمد على الشمولية والعدالة.
وشدّدت اللجنة على أنها ليست جهة صنع قرار، بل تعبير عن هموم الشارع وتطلعاته، مؤكدةً أن أجندة عملها قابلة للقياس، سواء على صعيد ما تم إنجازه أو ما ينتظر التنفيذ.
وأشارت اللجنة في بيانٍ رسمي إلى أن لقاءها مع الشرع تميّز بطابعه الجاد والشامل، وأن غالبية المطالب المطروحة سبق وأن جرى طرحها مع رئاسة الجمهورية في مناسباتٍ متعددة، مشيرةً إلى أن العمل جارٍ على تنفيذها وفق الإمكانيات المتاحة، وبالتنسيق مع المؤسسات الرسمية.
وأضافت أن أولوياتها تتمحور حول احتياجات الأهالي الملحة، وأنها تلتزم بتحديث أجندة عملها باستمرار لتتماشى مع تطورات الواقع الميداني.
الشرع يلتقي وفداً من الساحل
سبق صدور بيان لجنة السلم الأهلي، الإثنين، لقاءٌ جمع الرئيس الانتقالي، السبت، بوفدٍ ضمّ 200 شخصية من محافظتي طرطوس واللاذقية في دمشق.
وأفادت مصادر حضرت الاجتماع لصحيفة “الشرق الأوسط” بأن كل مجموعة قدّمت مذكرة بمطالبها، فيما قدّم الشرع تطمينات لضيوفه، واصفة اللقاء بأنه “إيجابي عمومًا”. غير أن غياب ممثلي العلويين من حمص وريف حماة أثار تساؤلات حول شمولية التمثيل، لا سيما في ظل تصاعد المطالب من تلك المناطق.
ملف العسكريين في قلب الأجندة
وفي بيانها، وضعت لجنة السلم الأهلي ملف العسكريين الموقوفين منذ سقوط النظام السابق في 8 ديسمبر 2024 في قائمة الاهتمامات، في ظل تقارير تشير إلى اعتقال أكثر من 10 آلاف عسكري كانوا يخدمون في البادية ضد تنظيم داعش، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وطالبت اللجنة بإجراء مصالحة وطنية شاملة تبدأ بحل مشكلة العسكريين الذين خدموا قبل ذلك التاريخ، والتمييز الصارم بين “المقاتل” و”القاتل”، لإتاحة فرصةٍ حقيقية لدمجهم مجددًا في المجتمع.
ودعت إلى معالجة الرواتب المنقطعة عن العسكريين المسرّحين بعد عام 2011، خصوصًا كبار السن غير القادرين على العمل، وإيجاد حلول ملحة للمتضررين من الزلزال الذي ضرب المنطقة في العام 2023، والذي أدى الى تهدير أكثر من 400 عائلة.
قضايا عابرة للحدود والقطاعات
وأدرجت اللجنة في أجندة عملها ملفاتٍ تتعلق بعودة السوريين الذين لجأوا إلى دول الجوار، وضمان عودتهم إلى منازلهم تحت سقف الدولة، بالإضافة إلى معالجة وضع من تقطعت بهم السبل في لبنان من العسكريين السابقين.
كما طالبت بإعادة ضبط عناصر وزارة الداخلية عبر تفعيل دور المخافر والنواحي بأبناء المناطق المحلية، وشددت على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، لما يشكّله السلاح المنفلت من خطر على الأمن العام.
إصلاحات خدمية وإدارية وتعليمية
وطالبت اللجنة بدعم الوحدات الإدارية لتحسين الواقع الخدمي عبر تفعيل قانون الإدارة المحلية رقم 107 بإشراف الدولة، وتأمين منح دراسية لطلاب الساحل من أبناء الشهادة الثانوية والدراسات العليا من خلال وزارة التعليم العالي، ضمن برامج المنح الدولية المخصصة لسوريا.
ودعت إلى حل مشكلة الطلاب الذين نُقلت مساكنهم ومنعوا من النقل الجامعي، وتمكين خريجي الأكاديمية العسكرية (هندسة) من ممارسة مهنتهم كمهندسين، والسماح للطلاب منهم بإكمال دراستهم في الجامعات الحكومية.
طلبات معيشية ومهنية عاجلة
وشملت الأجندة أيضًا معالجة وضع الموظفين المفصولين تعسفيًا – والذين يعتمدون على وظائفهم كمصدر رزق وحيد – وكذلك الموظفين الملحقين قضائيًا بسبب انقطاعهم عن العمل لأكثر من 15 يومًا خلال أحداث آذار.
وطالبت اللجنة أيضًا بإيجاد حلول للقروض المتعثرة للعسكريين والموظفين المفصولين، والسماح للعسكريين السابقين بالانتساب إلى النقابات المهنية لتأمين دخل مدني جديد. كما دعت إلى تشكيل لجنة خاصة لمعالجة حالات الاستيلاء على الممتلكات الخاصة وضمان استرداد الحقوق لأصحابها، مع الإشادة بتجريم الخطاب الطائفي من قبل الشرع، والتأكيد على أن “جماليات سوريا تكمن في تنوعها”.
تمثيل عادل وطيّ صفحة الماضي
وأوصت اللجنة بضمان التمثيل الحقيقي لأبناء الطائفة العلوية في القطاعات المدنية والخدمية والنقابية، مشيرةً إلى أن بعض عمليات الفصل التي طالت مؤسسات الدولة بعد سقوط النظام السابق اتّسمت بطابع طائفي وانتقامي.
ودعت إلى عودة الموظفين المدنيين الذين أُجبروا على الالتحاق بالخدمة الإلزامية والاحتياطية في ظل تعليمات النظام السابق التي كانت تقضي بفصل من لا يلتحق، مؤكدةً أن المرحلة الراهنة تتطلب تغييرًا جذريًا في المقاربة، لا انتقامًا من الماضي. وختمت اللجنة بيانها بالتذكير بأن العمل جارٍ على وضع برنامج زمني للتنفيذ وفق أولويات الحاجة الملحة للأهالي.
الشرع يُقِرّ بأحقية الكثير من المطالب الشعبية
اعترف الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، في أواخر نوفمبر الماضي، بأحقية جزءٍ كبير من المطالب التي رفعها أبناء الطائفة العلوية خلال مظاهرات شهدتها مدن الساحل السوري وحمص وريف حماة. وجاء ذلك في اتصال مرئي عقده، بعد يوم واحد من خروج التظاهرات، مع ممثلي لجان أحياء مدينة اللاذقية خلال اجتماعٍ موسع.
وأكد الشرع أن المطالب الشعبية التي طُرحت “محقة”، لكنه أشار إلى أن “بعضها مسيّس”. وأضاف أن الدولة السورية “تتبنى مركزية قوية للمؤسسات السيادية”، خصوصاً في مجالات الدفاع، الأمن، الشؤون الخارجية، والاقتصاد. وشدّد على أن “الجغرافية السورية متشابكة، ويستحيل أن يكون للساحل سلطة قائمة بذاتها بمعزل عن باقي المناطق”.
ورداً على الدعوات المتزايدة إلى تبني نظام فيدرالي، قال الشرع إن “الفدرالية المقترحة تشبه في جوهرها الإدارة المحلية الحالية، مع تعديلات بسيطة”، معتبراً أن “أي توجه نحو الانفصال يعكس جهلاً سياسياً بمسألة الوحدة الوطنية”. وختم كلمته بالتأكيد على أن “كل فرد في المجتمع هو جزء من صناعة التاريخ، وعضو فاعل في تعزيز وحدة البلاد”.

