نشرت في
عاش المهندس التونسي محمد الزواري متخفيًا بين المطاردة والاعتقال، قبل أن يُغتال عام 2016 في عملية نُسبت إلى الموساد الإسرائيلي. وعاد اسمه إلى الواجهة بعدما أطلقت حركة حماس اسم “الزواري” على طائرات مسيّرة انتحارية استُخدمت في المواجهة مع إسرائيل. فمن يكون هذا المهندس؟ ولماذا تحوّل إلى هدف أمني عالي المستوى؟
من مقاعد الهندسة إلى مسارات المطاردة
وُلد المهندس محمد الزواري في أواخر يناير 1967 بمدينة صفاقس جنوب تونس، ليتميّز بمسار دراسي قاده إلى المدرسة الوطنية للمهندسين في صفاقس، حيث تشكّل وعيه المهني والعلمي الذي سيُحدِث أثرًا لاحقًا في مسيرته.
انخرط الزواري في شبابه المبكر في حركة الاتجاه الإسلامي (التي عُرفت فيما بعد بحركة النهضة)، وبرز كقائد طلابي مؤثر ضمن الاتحاد العام التونسي للطلبة. لكن هذا النشاط جعله تحت مجهر السلطات الأمنية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، مما دفعه إلى مواجهة الملاحقة والاعتقال إثر أحداث مايو 1991 الجامعية، وهي المواجهة التي حدثت بين نظام بن علي وحركة النهضة الإسلامية، والتي شكلت منعطفًا في حياة الزواري.
أجبره الوضع الأمني على مغادرة تونس، فتنقّل بين ليبيا والسودان، حيث طوّر خبرته في التصميم والتصنيع. وفي عام 2006 انتقل إلى سوريا ليبدأ صفحة جديدة من حياته، تزوّج هناك عام 2008 من السيدة ماجدة، وواصل مسيرته بعيدًا عن الأضواء.
وعاش المهندس في المنفى نحو عقدين من الزمن، متخفيًا باسم “مراد” حتى في وثائقه الرسمية ومع أقرب الناس إليه. وطوال تلك السنوات، بقيت تفاصيل مهمة من حياته وعمله محاطة بالكتمان، بما في ذلك انخراط زوجته في العمل مع الفصائل الفلسطينية.
وبعد سقوط نظام بن علي في 2011 إثر ثورة شعبية أطاحت به، عاد الزواري إلى تونس ليلتحق بالسلك الأكاديمي أستاذًا في المدرسة الوطنية للمهندسين، حيث أسس “نادي الطيران النموذجي بالجنوب” بمشاركة طلبته وطيارين متقاعدين.
ويُوصف محمد الزواري في محيطه القريب بأنه “أيقونة” وذو كفاءة استثنائية، كما كان يحظى بـ”محبة واحترام” من عرفوه أينما حلّ، بحسب مقرّبين منه.
الانضمام إلى حماس ومسيرته التقنية مع كتائب القسام
بعد انتقاله إلى سوريا، نسج المهندس التونسي علاقات متقدمة مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، قبل أن ينضم لاحقًا إلى جناحها العسكري، كتائب عز الدين القسام. وأسهمت خبراته الهندسية، خاصة في المجالات التكنولوجية الدقيقة، في دعم بعض البرامج التقنية للكتائب، ولا سيما المتعلقة بالطائرات المسيّرة.
وبحسب معلومات متداولة، فقد انطلقت مشاركته الرسمية مع كتائب القسام سنة 2006، حيث عمل على تصميم طائرة ذاتية القيادة. وأسفرت هذه الجهود، قبيل الحرب على قطاع غزة سنة 2008، عن تصنيع عشرات الطائرات المسيّرة.
وخلال الفترة الممتدة بين عامي 2012 و2013، قضى الزواري نحو تسعة أشهر في قطاع غزة، أشرف خلالها على تطوير طائرة “أبابيل”، التي استُخدمت لاحقًا خلال المواجهات العسكرية سنة 2014.
كما ترأس فريقًا هندسيًا في زيارة تقنية إلى إيران، حيث خضع الفريق لدورة تدريبية مكثفة استمرت ستة أشهر، شملت مجالات التصنيع والتحكم والاتصال.
وإلى جانب ذلك، تولى الزواري الإشراف على مشروع “غراب” داخل الأراضي الفلسطينية، وقاد فريقًا محليًا نجح في إنجازه رغم محدودية الإمكانيات والتحديات اللوجستية، مع مواصلة العمل على تطوير نماذج مختلفة من طائرات “أبابيل”.
اغتيال في وضح النهار
اغتيل المهندس الزواري يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2016 في مدينة صفاقس بتونس، بعدما أطلق مسلّحان مجهولان النار على سيارته أمام منزله. وبحسب تقرير الطب الشرعي، أُصيب الزواري بعدة طلقات نارية أدّت إلى وفاته على الفور، مع استخدام أسلحة مزوّدة بكواتم صوت.
وعقب الاغتيال، سارعت حركة حماس، ومقرّبون من الزواري، إلى تحميل إسرائيل وجهاز الموساد مسؤولية العملية، معتبرين أن الدافع يرتبط بالدور الذي اضطلع به في تطوير القدرات التكنولوجية للفصائل الفلسطينية المسلّحة.
وفي موقف رسمي، أصدرت كتائب عز الدين القسام بيان نعي أكدت فيه أن الزواري كان من الكفاءات الأساسية في مشروع الطائرات المسيّرة “أبابيل”، ووصفت اغتياله بأنه “جريمة تستهدف المقاومة” بحسب تعبيرها، مشددة على ما اعتبرته حقها في الرد.
واعتُبر البيان آنذاك اعترافًا نادرًا بدور خبير عربي غير فلسطيني داخل صفوف الكتائب.
وفي تونس، جرى تخليد ذكرى محمد الزواري. ففي 29 ديسمبر/كانون الأول 2016، قررت بلدية صفاقس تغيير اسم الشارع الذي كان يقيم فيه من “نهج طه حسين” إلى “نهج الشهيد محمد الزواري”. وعلى المستوى التنظيمي، أعلنت كتائب عز الدين القسام عام 2018 عن إنشاء “وحدة أبناء الزواري”، التي برز نشاطها خلال المواجهات التي شهدتها الساحة الفلسطينية عام 2021.
جدير بالذكر أن القضاء التونسي المختص بالنظر في قضايا الإرهاب، قد قرر يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 2025، تأجيل محاكمة المتهمين الضالعين في قضية اغتيال الزواري إلى جلسة 23 ديسمبر الجاري، وذلك استجابة لطلب هيئة الدفاع.
وشملت التحقيقات في ملف القضية أسماء 11 متهمًا، سيحاكم جميعهم غيابيا.

