بقلم: يورونيوز
نشرت في
نشر موقع “The Media Line” تحليلًا موسعًا حول زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض، مشيرًا إلى أن المظاهر الاحتفالية في الحديقة الجنوبية، من الفرق العسكرية وصفوف الأعلام الأميركية والسعودية، غطّت خلفها محادثات أعمق بكثير من جولة تقليدية حول صفقات السلاح.
ووفق التحليل، اتخذ الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي خطوة حاسمة لإعادة صياغة ميزان القوى في الشرق الأوسط، ووضع الرياض في مركز هندسة أمنية جديدة تتجاوز أطر السياسة الأميركية التقليدية.
السعودية مركز الثقل في بنية إقليمية جديدة
يفيد التحليل بأن المحادثات بين الجانبين لم تقتصر على التعاون العسكري، بل شملت اتفاقات دفاعية واسعة، وإمكانية حصول السعودية على مقاتلات الجيل الخامس F-35، وتجهيزات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، والتعاون النووي المدني، إضافة إلى بحث شروط التطبيع المحتمل مع إسرائيل.
وينقل “The Media Line” عن الدكتور هشام الغانم، الباحث في مؤسسة “كارنيغي”، قوله إن المشهد في واشنطن لا يمكن فهمه كسلسلة صفقات منفصلة، بل كـ”محاولة جادة لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط”، معتبرًا أن “السعودية تقف في مركز هذا التحوّل وتسعى إلى سلام حقيقي واستقرار وتنمية شاملة”.
نماذج القوة المتقابلة: السعودية وإسرائيل وإيران
وفق الغانم، تمثل السعودية وإسرائيل وإيران ثلاثة نماذج مختلفة للقوة الإقليمية. فالسعودية تسعى إلى إغلاق دوائر عدم الاستقرار، بينما يقوم النموذج الإسرائيلي على التفوق العسكري الدائم وبيئة إقليمية هشّة، في حين يعتمد النموذج الإيراني على الميليشيات التي تضعف الدول من الداخل. ويرى الغانم أن مستقبل النظام الأمني الجديد سيُحكم عليه بناءً على دعمه للنموذج السعودي أو إبقائه المنطقة رهينة لدوائر الأزمات.
صفقة “F-35”: تحوّل في الهندسة الدفاعية
يوضح التحليل أن إعلان الرئيس الأميركي المضي في بيع مقاتلات “F-35” للسعودية يمثّل خطوة غير مسبوقة، إذ تجنّبت الإدارات السابقة هذا المسار حفاظًا على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل. ويرى الغانم أن المقاتلات الجديدة ليست مجرد إضافة للأسطول السعودي، بل عنصر يعيد صياغة طبقات الردع، خصوصًا بعدما أظهرت الحرب الإسرائيلية–الإيرانية في حزيران/يونيو 2025 أن امتلاك الجيل الخامس يعني القدرة على اختراق الدفاعات وضرب البنى الاستراتيجية من دون إنذار فعلي. ويحذّر الغانم من أن توسع شبكات إيران من الصواريخ والمسيّرات والوكلاء يجعل غياب قدرات مماثلة لدى الرياض ثغرة استراتيجية، ويؤكد أن دخول السعودية “نادي F-35” سيجعل أي استهداف لبنيتها التحتية مكلفًا للغاية.
الصين في قلب الحسابات الأميركية
ينقل “The Media Line” عن الخبير سيريل ويدرسهوفن أن واشنطن تنظر إلى صفقة “F-35” بوصفها جزءًا من منافستها مع الصين بقدر ما هي عنصر من عناصر التوازن الإقليمي. ويرى أن الصفقة تهدف إلى ربط الرياض بشكل أعمق بالولايات المتحدة ومنعها من توسيع تعاونها الدفاعي مع بكين أو موسكو، سواء في التكنولوجيا العسكرية أو في قطاع الذكاء الصناعي. ويقول إن الولايات المتحدة تستخدم المسار النووي بالطريقة نفسها للحد من الحضور الصيني في المشاريع الحيوية داخل المملكة.
التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل.. اختبار جديد
يرى التحليل أن صفقة “F-35” تشكل اختبارًا مباشرًا لمفهوم التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، الذي تضمنه واشنطن منذ التسعينيات. وينقل الموقع عن الغانم أن تجاوز هذا الخط مشروط بضمانات سعودية تتعلق بحماية التكنولوجيا من الوصول إلى الصين، وقبول مستوى عالٍ من الاندماج العملياتي مع الولايات المتحدة، وإطار إقليمي يضمن أن صعود القوة السعودية يهدف إلى تقييد إيران ووكلائها لا إلى تهديد إسرائيل. ويضيف ويدرسهوفن أن إسرائيل ستعارض الصفقة علنًا لكنها ستبحث سرًا عن سبل الاستفادة منها في سياقات إقليمية مرتبطة بغزة ولبنان وسوريا.
عوائق عديدة أمام إتمام الصفقة
ينقل التحليل عن جاستن ألكسندر وجود عائقين تاريخيين أمام بيع “F-35” لدول المنطقة: الحفاظ على التفوق الإسرائيلي، والمخاوف من التجسس الصيني. ويشير إلى أن صفقة الإمارات، التي وُقّعت في الأيام الأخيرة من إدارة ترامب الأولى، تم تعليقها لاحقًا بسبب هذه المخاوف، ويرى أن السعودية قد تواجه المسار نفسه. لكنه يشير أيضًا إلى أن تقدم الولايات المتحدة نحو مقاتلة الجيل السادس “F-47” قد يمنح إسرائيل تفوقًا كافيًا يسمح بتمرير صفقة “F-35” للرياض.
الملف النووي: طموح سعودي تحت رقابة دولية
يشدد التحليل على أن التعاون النووي المدني يمثل ركيزة ثانية في المحادثات. ويرى الغانم أن السعودية بحاجة إلى مزيج طاقة يتوافق مع طموحاتها الصناعية، وأن الطاقة النووية ضمن رقابة صارمة تشكل خيارًا منطقيًا.
ويشير إلى أن الرياض تتجه نحو نموذج شفاف قائم على التعاون مع واشنطن والوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مسار مغاير للتجربة الإيرانية السرّية أو النموذج الإسرائيلي غير المعلن. ويرى ويدرسهوفن أن المخاطر تبقى محدودة طالما بقيت واشنطن منخرطة بشكل مباشر.
بين سردية “سباق التسلّح” والواقع
يستعرض التحليل رأي ألكسندر الذي يشكك في وجود سباق تسلّح فعلي في المنطقة، معتبرًا أن الكثير من المشتريات الخليجية تحمل بعدًا رمزيًا أكثر من ارتباطها بصراع وشيك، مشيرًا إلى تراجع الإنفاق العسكري السعودي في 2024 و2025. لكن الغانم يرى أن الزيادات الأخيرة موجهة لسد فجوات تراكمت لسنوات، وأن السعودية تبني منظومة ردع تشمل القوة الجوية الحديثة، والدفاعات الصاروخية، والبنية السيبرانية، وربط هذه القدرات بالشبكات الخليجية والإقليمية.
التطبيع.. بند ملازم لجميع المحادثات
يرى الغانم أن التطبيع لا يمكن أن يكون “جائزة” لإسرائيل أو ثمنًا لصفقة أسلحة، بل مسارًا مشروطًا بثلاث ركائز: طريق واضح نحو دولة فلسطينية قابلة للحياة، وترتيبات أمنية تحافظ على البيئة الإقليمية، واستراتيجية لإعادة إعمار غزة والضفة تعتمد على مؤسسات دولة فاعلة. ويشير ألكسندر إلى أن السعودية ثابتة في موقفها، وأن التطبيع غير ممكن في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية.
أي نموذج للشرق الأوسط؟
يخلص تحليل “The Media Line” إلى أن الولايات المتحدة تقف أمام خيار استراتيجي بين نموذج يقوم على الهيمنة الدائمة ومنطق الأزمات، ونموذج بديل يعتمد على الاستقرار المشترك، تكون السعودية فيه دولة مركزية. ويرى الغانم أن نجاح أي اتفاق مرتبط بترسيخه داخل المؤسسات الأميركية وبوجود آليات تنفيذ واضحة.
ويؤكد أن الشرق الأوسط يدخل فصلًا جديدًا تضع السعودية في مركزه، وأن الملفات المرتبطة بـF-35 والتعاون النووي والتطبيع ستحدد شكل النظام الإقليمي لسنوات طويلة.

